له دور بارز في إحياء التراث اليمني الغنائي
كتبت/ دنيا هانيشهدت اليمن ومحافظة عدن خاصة خلال الأيام القليلة الماضية أحزاناً ودموعاً لفقدانها فناناً يعتبر واحداً من أهم الفنانين الموجودين على الساحة اليمنية فناناً متواضعاً ومثقفاً يحبه الكثيرون ويعشقون سماع أغانيه الجميلة المحملة بالأمل والحب والصلح بعد الخصام والتفاؤل والانتماء والوطنية ودائماً ما نحتاج إلى سماع مثل تلك الكلمات التي تعطينا شيئاً من الأمل الذي ينسينا قسوة الواقع ومرارة الحرمان في ظل معاناة يومية روتينية من صراعات الحياة المعاصرة.. فكلماته كانت وما زالت معزوفة ألحان تتراقص لها الأبدان فرحاً وطرباً عند سماعها.. التمس هموم الكثير من الناس من خلال غنائه للعديد من الأغاني والكلمات التي لامست الواقع الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن اليمني ودائماً كان يمتاز بالروح القتالية للتخلص من المستبدين ودائماً ما دافع عن الثورة بسلاح الكلمة إلى جانب امتلاكه للروح الفنية الراقية، غير أنه عانى الكثير من الصعوبات والضغوطات حتى وصل إلى ما وصل إليه من مكانة عظيمة في وسطه الفني وقد خطفه الموت مؤخراً بعد صراعً طويل مع المرض.إنه الفنان القدير محمد مرشد ناجي (رحمه الله) أستاذ الأغنية اليمنية الأصيلة الذي ولد في محافظة عدن الشيخ عثمان في 6 نوفمبر 1929م وتوفي في 7 فبراير 2013م.تغنى فناننا بألوان ولهجات غنائية متنوعة منها اللهجة العدنية والحضرمية واللحجية واليافعية وهو أول من غنى الأغنية التهامية وساهم في إخراج الأغنية الصنعانية. غير أنه يجيد العزف على آلة العود ولطالما أطربنا بسيمفونياته الرائعة من خلال فرضه نفسه عبر أغانيه وعطائه المتميز في عالم الأغنية اليمنية فقد كان شديد الحرص على انتقاء واختيار الكلمات واللحن المناسبين لصوته ويعتبر صاحب الاختيار الأول للكلمة واللحن معاً.من أغانيه الجميلة أغنية أنا من ناظري عليك أغار حيث تقول كلماتها: لك فينا الخيار في القتل والمـن جميعا وما عليك خيار.. من معيري قلباً صحيحاً ولو طرفة عين إن كان قلب يعـار.. لا الزمان الزمان فيما عهدناه قديماً ولا الديار الديار .. بعض هذا يبلي الجديد ويفني المرء لو أن عمره أعمـار..وأغنية من أرض بلقيس التي تقول بعض كلماتها: من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر في جوها هذه الانسام والسحر.. إلى السعيدة هذه الأغنيات ومن ظلالها هذه الأطياف والصور.. وآخر الأغنية يقول: يا أم اليمن الخضراء وفاتنتي منكي الفتون ومني العشق والسهر..وتعتبر أغنية إلى متى من أغانيه الرائعة حيث يتغنى فيها ويطرب المسامع عندما يقول: إلى متى.. احتار في حبك كذا.. واسأل ظنوني عن هواك وأخاف يضيع عمري سدى قلي بصراحة ايش نهاية حبنا من بعد ذا؟ هي كلمة منك كلمة وحدة.. يا كذا ولا كذا ولا كذا.ارتبط فيما ما مضى بالحركة الوطنية اليمنية مكافحاً ضد المستعمرين والمستغلين والسماسرة وأغانيه انتشر صداها بين صفوف الشعب يرددونها ويستمدون منها روحاً معنوية عالية تنسيهم ما عانوا منه في الحقبة السابقة.وفي أغنيته الشهيرة (نشوان) التي لمس فيها معاناة الشارع اليمني والتي أثارت ضجة واسعة في ذاك الوقت مازال الناس إلى يومنا هذا يدندنون بكلماتها وألحانها فقد عبرت الكلمات التي تغنى بها واللحن الذي تفرد به عما يعانيه المواطن اليمني وتقول كلمات الشاعر سلطان الصريمي التي كتبها وغناها فناننا، نشوان كم في جعـبتي نصائح وكم ورم قلبي من الفضائح وكم شسامح لو أنا شاسامح أوصـيك لا تهـرب ولا تمازح لا تـفـتجـع من كثرة المرازح شق الـطريق وظهر الملامح حتى تعارك صبحنا تصافـح وينتهي الإرهاب والمذابح.- وعند التقائي ببعض محبي الفنان القدير عبروا جميعهم عن أسفهم الشديد لفقدانه وفي وجوههم مرسومة علامات الحزن والألم..- وقد عبر الأخ محمد عن رحيل الفنان المرشدي قائلاً: أنا من أحب الناس للفنان المرشدي فناً وإنساناً فهو إنسان متواضع وطيب الذكر ويعتبر علامة كبيرة بين فنانينا وقيمته الفنية كبيرة ويملك رصيداً كبير من الأغاني واللحن الجميلين..وأضاف: حزنت كثيراً على رحيله كما حزن الكثير من الناس، نحن للأسف لا نعرف قيمة الشيء إلا بعد أن نفقده وننحرم منه، غفر الله له وأسكنه فسيح جناته..- حقيقة الفنان محمد مرشد ناجي من عمالقة الزمن القديم ومن الفنانين الذين تركوا بصمة واضحة خلال مشوارهم الفني والمهني ولن يتكرر هذا ما قاله الأخ عزام من محافظة عدن وأضاف» يصعب علينا وداعه لكن هذه هي سنة الحياة رحمه الله ومنح أهله الصبر وسيبقى في قلوبنا وسنبقى دائماً نستمع إلى أغانيه الرائعة ونتذكره بها»..- بينما قالت الأخت اعتدال: الفنان المرشدي (رحمه الله) من فناني المفضلين (يذكر بالخير) فدائماً سيرته عطرة ودائماً ما كنا نستمع إلى أغانيه الطربية الجميلة ونتسلطن معها..ووصفت لحظة سماعها بخبر وفاته: صراحة كانت (صدمة) محزنة عندما تلقيت خبر وفاته من أخي عبر رسالة بعثها لي عبر الجوال من صنعاء وكنت جالسة مع مجموعة من الأقارب وقرأت الرسالة بصوت عال «خسارة كبيرة وفاة الفنان الكبير المرشدي» وكل شخص من الموجودين عبر عن حزنه للخبر الذي تلقيناه وزعلنا كثيراً عليه، يظل إنساناً وفناناً أعماله تشهد له، ربنا يرحمه برحمته ويمنح ذويه الصبر والسلوان (إنا لله وإنا إليه راجعون)..- وقال الأخ فتحي إن الفنان محمد مرشد ناجي رائد للأغنية اليمنية وخاصة الأغنية العدنية وهو فنان كبير يمتلك صوت وخامة مميزين وألحانه رائعة وقام بنشر تراث اليمن من خلال أغانيه المتنوعة وذاع صيته في الخليج والوطن العربي بأكمله.. تغمده الله بواسع رحمته.وعندما سألت أم فاطمة ما هي أجمل أغنية تطربك للفنان الكبير المرشدي قالت هناك كثير من الأغاني الجميلة للعملاق المرشدي ولكني لا أفضل على أغنية علم سيري..وتقول كلمات الأغنية علم سيري علم سيري ألا بسم الله الرحمنعلم سيري علم سيري ولا موذي ولا شيطانألا يا مرحبا بش .. و باهلش .. و بالجمل لي رحل بش ..- لا أحد ينكر أن الفنان المرشدي كان له دورً بارز في إحياء التراث اليمني الغنائي ونشره ليس فقط على مستوى اليمن بل على مستوى الجزيرة العربية والخليج.فقد غنى له مجموعة من الفنانين والفنانات ومن بينهم فنان العرب محمد عبده الذي غنى بعض من ألحان فناننا المحبوب محمد مرشد ناجي منها أغنية ضناني الشوق وازدادت شجوني وكثر الدمع قد حرق جفوني.. من اللي حبهم قلبي نسوني.. ولا حتى بكلمة يذكروني.وتعتبر أغنية بين الفل والورد رائعة غنائية جسدها بعمل فني رائع وأداء متميز وصوت راق يدخل إلى القلوب سريعاً من خلال الكلمات.. قـال أبو ناصـر المضنـى فتش ورد نيسان في خدود الغواني.. انس الفل يوم الورد في الزهر.. سلطان حاز كل المعاني.وله أغان ثورية منها أغنيته الشهيرة: أخي كبلوني وغل لساني واتهموني.. باني تعاليت في عفتي ووزعت روحي على تربتي.. فتخنق أنفاسهم قبضتي لأني أقدس حريتي..ولا ننسى أن سجل الفنان المرشدي الفني كان حافلاً فإن له سجلاً سياسياً حافلاً أيضاً كسجله الفني فقد شغل عدة مواقع في السابق منها عضوية مجلس الشعب طوال فترة الثمانينات وأنتخب لرئاسة اتحاد الفنانين اليمنيين وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م أصبح مستشاراً لوزير الثقافة وأنتخب عام 1997م عضواً بمجلس النواب.ومن إسهاماته الوطنية خاصة بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م وثورة المليون شهيد في الجزائر وغيرها من الثورات العربية التي أخذت تتوالى تباعاً ردد فناننا هذه الكلمات الوطنية عالياً:يا بلادي يا نداءً هادراً يعصف بييا بلادي يا ثرى ابني وجدي وأبييا كنوزاً لا تساويها كنوز الذهباقفزي من قمة الطود لأعلى الشهبيا بلادي كلما أبصرت شمسان الأبيشاهقاً في كبرياء حرة لم تغلبصحت يا للمجد في اسمي معاني الرتبيا لصنعاء انتفاضات صدى في يثربيا لبغداد التي تهفو لنجوى حلبيا لاوراس لظى في ليبيا والمغربيا لأرض القدس يحمي قدسها ألف نبييا لنهر النيل يروي كل قلب عربيفاملئي كأسك من فيض دمائي واشربييا بلادي يا بلاد العرب- كان المرشدي (رحمه الله) من أبرز الفنانين الذين أعطوا للأغنية الوطنية مكانتها وقد تغنى بكلمات أهداها لأصحاب الجنوب وهي بعنوان «يا ابن الجنوب» كتب كلماتها الشاعر الراحل محمد سعيد جرادة ولحنها وغناها الفنان الكبير المرشدي.أبن الجنوب أيها الحامل أثقال القيود يا أخي في الأسى يا أبن الجنوب يا عديم الذكر في هذا الوجود يا حزيناً يوم أفراح الشعوب..فعلاً هي كلمات تبعث روح الحماسة إلى كل من يسمعها وسيظل الفنان القدير محمد مرشد ناجي حتى بعد انطفائه عن عالمنا شعلة تنير قلوب ومحبي الفن اليمني وستظل أعماله الجميلة تطرب مسامع عشاق ومحبي الفن الأصيل فهو المايسترو الفنان الذي عزف جميع الألحان.. تغمده الله بواسع رحمته فقد كان ولا يزال يحتل مكانة عالية في قلوب كل اليمنيين.