رحل يوم أمس الأربعاء، 30 يناير 2013، المفكر الكبير جمال البنا الشقيق الأصغر للامام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، بعد 93 عاما من العمر أفناه فى تحديث الفكر الدينى ونقد الخطاب المحافظ، وقدم فى سبيل ذلك العديد من الكتب والأبحاث، منها: “الإسلام دين وأمة وليس دينا ودولة” و”الإسلام هو الحل” و”العودة على القرآن”، كما إن له العديد من الإسهامات فى رصد تطور الحركة العمالية والنقابية المصرية والعالمية منها كتبه “فى التاريخ النقابى المعاصر” و”الحركة العمالة الدولية” و”العمالية والدولة العصرية”.وقد أجمع أنصار وخصوم المفكر جمال البنّا على تواضع أسلوب ونمط حياته ومستوى معيشته وطريقة تعامله مع زواره وأصدقائه من مختلف التيارات الفكرية، وقد تميز الفقيد الراحل ببساطته ودمث أخلاقه واستعداده لتقبل الرأي الآخر ومناقشته ، وسعة أفقه وعمق إطلاعه وانفتاحه على مختلف التيارات الفكرية ، بالاضافة الى عمق إيمانه بالله وعقيدته الإسلامية وتمسكه بمنهجه الفكري الواقعي، الأمر الذي أضفى على أفكاره وحياته ورؤاه نزعة إنسانية أصيلة لايوجد فيها أي تصنع أو زيف أو ادعاء.ولأنه كذلك، فقد كان طبيعياً أن ينحاز جمال البنّا إلى الإنسان وليس إلى النصوص الفقهية التي يفترض أنها ما جاءت إلاَّ لخدمة الإنسان، وأن يتخذ له منهجاً في التفكير والممارسة يجسد من خلاله فهمه للإسلام، باعتباره وسيلة لخدمة الإنسان، مخالفاً بذلك رأي الكثير من الفقهاء الذين لا يرون في الإنسان سوى وسيلة لخدمة وحراسة الدين في الدنيا.في ديسمبر عام 1920م ولد جمال أحمد البنّا في أسرة ريفية فقيرة .. وفي ديسمبر الماضي عام 2012م احتفل جمال البنّا بعيد ميلاده الثاني والتسعين بعد رحلة طويلة ذاق خلالها مرارة الفقر والعوز والاضطهاد والسجون.وبالقدر ذاته لم تخل هذه الرحلة من ثمرات الكفاح الشاق، والتي سجل جمال البنّا بواسطتها اسمه الناصع بالمعرفة والتميز والتجدد في ساحة العمل الإسلامي كمفكر ومناضل عمالي، حيث قام بتأليف نحو سبعين مؤلفاً، معظمها حول قضايا الفكر والتجديد الفقهي و العمل والعمال، بالإضافة إلى نشاطه في تأسيس عدد من الجمعيات ذات الطابع الإنساني، وتوّج تلك الرحلة بمبادرته في تأسيس الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل، والذي يرأسه حالياً، وتأسيس مؤسسة فوزية وجمال البنّا للإحياء الإسلامي وشروعه في تدشين مشروع تجديد الفقه الإسلامي الذي أنجز منه حتى الآن حوالي خمسة مؤلفات تتعلق بأهم مسائل الفقه المعقدة، ومن ضمنها المرآة والحجاب والجهاد.في السجون أتيحت لجمال البنّا خبرة تأمل تجارب الإخوان المسلمين والشيوعيين والوفديين وغيرهم، وتزخر حياته بالمواقف التي اختلف فيها مع كل التيارات المتصارعة، مما يفسر نزعته الواقعية في الحكم على ما حوله من شخوص ووقائع وتجارب وإرادات، وقدرته الفذة في الحوار مع أية ظاهرة من الظواهر الواقعية في حياتنا العامة ليس بقصد تحليلها، بل - أيضاً - بقصد إعادة اكتشافها والتعرف عليها من جديد.في هذا السياق المتميز برزت شخصية جمال أحمد البنّا كمفكر متميز بنزوعه نحو التحرر من كل قيد ومن كل عبودية سوى عبودية الله، ولذلك يتسم فكره بالنزوع إلى الحرية المتسعة اتساع الأفق، وباحترام حق الآخرين في ممارسة حرياتهم التي وهبها الله لهم ، في الوقت الذي يستنكر جمال البنّا أي قيد على «حرية الفكر» باسم الإسلام، ولا يعترف بحد الردة، باعتبار أن مثل هذه القيود تعد أكبر إساءة إلى مفهوم الإسلام للحرية وموقفه منها.
جمال البنا في رحاب الخالدين
أخبار متعلقة