كنت قد كتبت قبل نحو الشهر من الآن عن حكاية صديقي المحاضر الجامعي الذي يعد محاضراته في المطبخ لضيق المنزل الذي يسكنه مع أسرته الكبيرة، وكان ملخص فكرة ما تناولت حينها هو كيف يصرف لشيخ قبلي من أقصى أقاصي الشمال أكثر من اثنين كيلو متر ونصف الكيلو من الأرض في وسط مدينة خورمكسر وبما يعادل سعر هذه الأرض نقدا عشرات المليارات في حين يحرم كوادر المدينة وأبناؤها من خمسة عشر مترا يقيمون عليها مساكن يعيشون فيها مع أسرهم كما يعيش عباد الله في كل مكان معززين مكرمين.في ذات نسق المعاناة صدمني اليوم صديق عزيز يعمل محاضرا بجامعة عدن ونال مؤخرا درجة الدكتوراه بأن برر غيابه وانشغاله عن صحبتنا الجميلة بأنه مشغول طوال يومه بين الكلية صباحا والبقالة مساء.وكانت صدمتي اشد حين مازحته بان الدكتوراه آتت اكلها سريعا بأن فتح له مشروعا استثماريا إذ قال لي : إن البقالة تتبع شابا يعمل بنشريا في العربية السعودية وانه يعمل عليها لتغطية متطلبات الحياة خاصة وانه إلى اللحظة لم تتم تسوية راتبه وفق مؤهله الأخير وكأن درجة الماجستير لا تكفي مدرسا جامعيا لان يعيش حياة كريمة تليق بهذه الوظيفة.لمجرد إن أقف أمام حالة كادرين متفوقين في جامعة عدن وما يعانيانه من شظف العيش وقسوتها تمر أمام العين والذاكرة صور ومشاهد لنماذج عديدة من الفاسدين من الأميين او أشباه الأميين ممن فتح لهم نظام 7 يوليو خزائن الجنوب لينهبوا ويسلبوا منها دون حساب حتى أصبح معظمهم مليونيرات في اقل من سبعة أعوام في حالة تتناقض كلية مع حالتهم حين دخلوا عدن أول مرة وعلى وجوههم قسوة السنين وشظف العيش إذ أصبحوا اليوم يملكون العمارات والأسواق والمحال التجارية الكبيرة ومن هؤلاء ضابط كان يتخذ من غرفة حراسة بوابة مستشفى حكومي بعدن مسكنا له بعد دخوله عدن في 7يوليو ليصبح اليوم مالكا من العقارات ما لا يعد أو يحصى.حالة صديقي الاكاديميين ليست فريدة في بشاعتها ووجعها بل هناك ما هو أسوأ من ذلك ..هناك طيارون جنوبيون تحولوا إلى سائقي أجرة وطيارون حربيون يبيعون البخور في المنازل وقادة عسكريون يعملون في أسواق الأغنام وهناك فنانون كبار وشعراء دون وظائف بل ان الفنان الراحل محمد سعد عبدا لله اغرورقت عيناه بالدمع قبل موته بأيام وهو يطلب من صديق له جاء لزيارته في المستشفى وبخجل مأئتي ريال سلفة ومثل هكذا حالات كثيرة وربما اشد ماساوية .ما يؤلم انه إلى اللحظة مازلنا نسمع ونشاهد هجوما بالغ القسوة على كل من بادر للمطالبة برفع الضيم عنه من قبل أولئك الذين لم يستوعبوا بعد وقع الألم وحجم المأساة وفداحة الجرم الواقع على شعب بأكمله سقي مرارة الفقر و الظلم و الاهانة.ان الناس لم تخرج إلى الشوارع عبثا ولم يقدم مئات الشباب أرواحهم فداء لقضيتهم لمجرد أنهم كارهون لحياتهم بل إن صور القتل و الظلم والقهر والفساد هي من أخرجتهم وجعلت الحياة في نظرهم شبيهة بالموت إن لم يكن هو اعز منها ومن هنا لا ينبغي إن يلام الضحية بقدر ما يجب ان يلام الجاني وان يجبر على تحمل نتائج فعله دون مكابرة وهذا ما على الإخوة من ساسة الشمال ونخبه إدراكه بدلا من إن ينبري البعض شاهرين على الجنوب سيوف الوعيد والتهديد والتكفير والتشويه لثورة نبيلة وشعب عظيم قال لظالمه كفى ظلما .اشد على يدي صديقي الدكتور البقال لمزيد من الصبر وان يعلم انه ليس وحده من يقاسي ويعاني فمثله كوادر وقادة ونجوم أدب وفن يعضون شفاههم ألما وندما وهم يقارنون أحوالهم بأحوال أميين وفاسدين فيجدون الفرق كبيرا وبعيدا بعد السماء عن الأرض.
|
ءات
صديقي الدكتور البقال
أخبار متعلقة