نبض القلم
أشارت المادة (15) من القانون العام للتربية والتعليم في بلادنا إلى جملة من الأهداف والغايات التي يسعى النظام التعليمي لتحقيقها شملت الجوانب الروحية والخلقية والذهنية والجسمية، وهي غايات سامية من غير شك، إلا أن القانون أغفل الجانب الجمالي في تكوين الناشئة، على أهمية هذا الجانب، وهو ما يتنافى مع ما يرمي إليه النظام التعليمي من تحقيق تربية شاملة متجددة تسهم في تكوين مواطن متكامل الشخصية.ونرى أن تكامل شخصية المواطن يستوجب العناية بالتربية الذوقية جنباً إلى جنب مع الجوانب الأخرى، ذلك أننا بحاجة إلى تربية حب الجمال لدى الناشئة كحاجتنا إلى تربية حب الحق وحب الخير وحب الحياة. وليس بخافٍ ان حب الحق هو نتيجة التربية العقلية أوالذهنية، وحب الخير هو نتيجة التربية الخلقية والدينية وحب الحياة هو نتيجة التربية الجسمية، فإن حب الجمال هو نتيجة التربية الذوقية، وبالتالي لابد من العناية بهذا الجانب الهام الذي بدونه ستنشأ أجيال غير ذواقة لكل ما هو جميل في حياتنا (والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً).ومعروف أن الفنون الجميلة لا غنى عنها في حياتنا المعاصرة، فبدونها يظهر القبح جلياً في كل ما يحيط بنا. إذ أنها سبيلنا إلى التربية الذوقية، والتي بها نعود نفوسنا على الاستمتاع بكل ما هو حسن وجميل، من الأشياء والأفعال، وليكن أول ما نبدأ به في هذا المجال النظر إلى الطبيعة والاستمتاع بما تحويه من جمال يبهر العقل ويسترعي الفكر ويثير الوجدان، فلا شيء يشد العزائم ويقوي الهمم ويهذب الطبع وينقي النفس كالنظر إلى الطبيعة الجميلة، والتأمل في عجائب خلق الله من حيوان ونبات وجماد، ولا شيء أسمى من أن يتربى الإنسان من الصغر على كشف اللثام عن أسرار الطبيعة وما تخبئه من كنوز بديعة، فإذا ما وجه المرء فكره إلى التأمل في حسن تنسيق الطبيعة وبديع تقسيماتها وروعة تصنيفاتها، فإنه سيشعر لا شك بالغبطة والمسرة، ما يحبب إليه العمل ويخفف عنه أعباء الحياة ويتجلى ذلك بوضوح عند الفلاح الذي يبدو مغتبطاً باخضرار الأرض من حوله بعد الأمطار، وتبدو عليه علامات الفرح والابتهاج عندما يرى جمال الطبيعة التي تحيطه ببهائها وجلالها.ولذلك ينصح كثير من المربين بالعمل على تشجيع الأطفال على التنزه في الحدائق وشواطئ البحار، والنظر إلى الازهار والطيور والحيوانات والبحيرات والخلجان ونحوها، فمناظر الطبيعة هي خير ما ينمي في الطفل عاطفة الجمال في نفسه، ويساعد على تربية ذوقه، فالكواكب الزاهرة والسحب الماطرة والسيول المتدفقة والأمواج المتكسرة كلها جمال لا تمل العيون من رؤيتها.وليس بخاف إن اهمال التربية الذوقية في مدارسنا يجعل المربين لايعنون بالرحلات المدرسية ولا يضعونها في برامجهم التعليمية ولا يخططون لها، بحسب هذا الاهمال تقلصت ساحات كثير من المدارس، واختفت منها الاشجار والحشائش الخضراء، وصارت حجرات الدراسة تشبه زنزانات السجون، تخلو من أية مسحة جمالية، لكثرة الكتابات على الجدران، وافتقارها إلى الصور والرسومات الجميلة التي من شأنها أن تنمي في التلاميذ حب الجمال، وتقوي فيهم حاسة الذوق الفني الرفيع، بحيث يستهجنون المناظر القبيحة اينما وجدت ويتذوقون كل ماهو جميل في الحياة، وقيل في الاثر: كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.[c1]خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان