نبض القلم
كثر الحديث في هذه الأيام في أجهزة الإعلام المحلية، وفي بعض المنتديات الثقافية والتجمعات السياسية، حول مصطلح (العدالة الانتقالية) وبالذات منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة المتعلقة بحل الأزمة اليمنية، التي برزت تداعياتها في أوائل عام2011م على شكل تظاهرات واعتصامات واحتجاجات واضطرابات أثرت في مجرى الحياة السياسية في بلا دنا على مختلف المجالات والأصعدة.والعدالة الانتقالية بمفهومها العام هي إستراتيجية متعددة الجوانب والآليات تهدف إلى نقل المجتمع من أوضاعه السيئة إلى أوضاع جيدة مستقرة، من خلال اتخاذ جملة من الإجراءات لمعالجة الأوضاع غير المستقرة، التي أفرزتها الأزمة السياسية في البلد، ومن ذلك تهيئة الأجواء لعمل برنامج وطني للتحول السياسي والتبادل السلمي للسلطة، ودون تعريض المجتمع للاضطرابات السياسية والأمنية، والحيلولة دون حصول انتهاكات لحقوق الإنسان، ناجمة عن مساوئ ممارسات الأنظمة السياسية السابقة، وما ارتكب فيها من انتهاكات أضرت بحقوق الإنسان.والغاية من العدالة الانتقالية هي الوصول بالمجتمع إلى تسوية سياسية، ومصالحة وطنية، في المرحلة الانتقالية، من خلال سن قوانين وتشريعات تؤدي إلى بناء أرضية متينة لقيام المجتمع الديمقراطي.والعدالة الانتقالية كمصطلح سياسي يكثر تداوله ـ عادة ـ في المجتمعات غير المستقرة، تستوجبه الظروف الاستثنائية في المرحلة الانتقالية لغرض إيجاد استقرار بعد مرحلة من الاضطرابات والاختلالات الأمنية التي مرت بها بعض المجتمعات، والناجمة عن الصراعات السياسية، والغاية منها إعادة الاعتبار للقضاء في فض المنازعات والعمل على التأكيد لمستقبل استقلالية القضاء، وعدم السماح للتدخلات السياسية والحزبية في حل مشكلات الناس بعيداً عن سلطة القضاء.ومن خلال صدور قانون العدالة الانتقالية في بلادنا سيتم إيجاد حلول موضوعية لأغلب المشكلات والمعضلات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وذلك بالاستفادة من تجارب بعض الدول التي انتهكت فيها حقوق الإنسان في فترات الاضطرابات السياسية، التي كانت تعرضت لانتهاكات حقوق الإنسان، نجم بسببها اختفاء بعض الأشخاص، وارتكاب بعض جرائم الحرب، من قبل الفئات المتصارعة.وتنظيم سير العملية الانتقالية في المجتمعات التي شهدت حالة من الاضطرابات يتطلب إصدار قانون يضمن سلامة الإجراءات الانتخابية، وقانون آخر يضمن تحقيق المصالحة الوطنية، وقانون ثالث لتحديد إجراءات الإصلاحات الدستورية، بما يتلاءم مع متطلبات التطلعات الشعبية.ولما كان مجتمعنا اليمني قد تعرض خلال العهود الماضية لجملة من الانتهاكات الضارة بحقوق الإنسان، خاصة في فترات الاضطرابات السياسية، التي تضررت بسببها أعداد غفيرة من الفئات الاجتماعية، فكان لابد من تعويض هذه الفئات، وجبر الضرر الناجم عن تلك الانتهاكات، لإزالة الفجوة الاجتماعية الناجمة عنها، ورد الاعتبار للفئات المتضررة، وصولاً إلى إجراء مصالحة اجتماعية شاملة، تتحقق فيها العدالة والمساواة.ولما كانت بعض الانتهاكات تصل أحياناً إلى مستوى جرائم الحرب، كأعمال الإبادة الجماعية، والاعتقالات التعسفية، وما يصاحبها من أساليب التعذيب، فإن العدالة الانتقالية تقتضي التحقيق في تلك الجرائم، وتحديد الأشخاص والجهات المسؤولة عنها، وتقديمهم للمحاكمة وفق إجراءات التقاضي المعمول بها، وتحديد العقوبات اللازمة عن كل جريمة مرتكبة.ولما كانت بلادنا قد عاشت ردحاً من الزمان في ظل أنظمة شمولية أو دكتاتورية مستبدة، فقد غابت فيها معايير الكفاءة لشغل الوظائف العامة، وحل محلها معايير أخرى تتعلق بالقرابة والانتماء الحزبي، أو القبلي، وهو ما أدى إلى وجود اختلالات في البناء المؤسسي ما يستوجب إجراء إصلاحات شاملة للبناء المؤسسي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس علمية سليمة، بعيداً عن المحسوبية والعلاقات الشخصية، والأخذ بمبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والعمل على تفعيل مبدأ الثوب والعقاب، من غير مراهنة أو مجاملة مقيتة.ومما لا شك فيه أن العدالة الانتقالية تكتسب أهميتها في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها بلادنا، كونها ضرورية للانتقال بمجتمعنا اليمني من حالات الاضطراب والفوضى إلى حالات الاستقرار والأمن والسلام الاجتماعي وسيادة القانون.[c1]خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان