يتجه اليوم أشقاؤنا المصريون للاستفتاء على الدستور الذي دعا اليه الرئيس مرسي، في أجواء غير عادية وسط دعوة المعارضة الناخبين للتصويت بـ(لا)، فيما حزب (الاخوان المسلمين) ينادي الناخبين بالتصويت بنعم معطياً ذلك التصويت صبغة دينية.. وبين النداءين يقف المصريون حائرين بين دعوات المقاطعة والحث على المشاركة.الدستور الذي كان ينبغي ان يوحد المصريين بعد (الثورة) التي قاموا بها على الرئيس السابق حسني مبارك، أصبح حجر عثرة أمام الوفاق السياسي، فالقوى المعارضة ترى فيه صورة اخرى من هيمنة الحزب الحاكم الجديد، وترى فيه اسقاط فكر حركة الاخوان المسلمين على معظم مواده، معللين الدعوة الى رفض الدستور، بأنها دعوة الى رفض الهيمنة باسم الدين، التي يرونها اشد وأعظم على المصريين من الهيمنة التي كان يمارسها الحزب الوطني.فيما يرى الذي يؤيدون الرئيس مرسي أن القوى المعارضة تريد تعطيل الحياة السياسية والخروج على الرئيس المنتخب شرعيا، بمعنى الخروج على الشرعية الدستورية، مستندين في تطبيق الدستور الى قوة الحركة وأنصارها، مما دعا احد اعضاءها للقول بأنهم مستعدون لتقديم مليون شهيد لدعم الرئيس، اي تمرير الدستور بأي طريقة. التصويت على الدستور يحدث وسط مقاطعة مجموعة من القضاة اعتراضا على الاعلان الدستوري الذي بموجبه اقال الرئيس مرسي النائب العام، مما دعا الرئيس الى تنظيم الاستفتاء على مرحلتين، وهو ما اعتبره مراقبون منافيا للقواعد المنظمة للاستفتاء في مصر التي تنص على ان يقام في يوم واحد، ولكن القيادة المصرية رأت استحالة ان يقام في يوم واحد في ظل غياب القضاة، مما جعلها تتجه لإجرائه على فترتين، وهو ما سيجده المعارضون ذريعة للتشكيك في النتائج التي ستسفر عنه.أياً كانت النتائج، ومهما كانت نسبة الإقبال، فإن النتائج لن ترضي الاطراف المتنازعة، فالمؤيدون يرون في ارتفاع نسبة لا، بأنها خروج على الرئيس الشرعي، فيما سيرى المعارضون أن حصول الدستور على نسبة عالية بنعم نوع من انواع التزوير، وفرض سياسة الامر الواقع، خاصة وان اقراره كان في ليلة واحدة، مما جعلهم يعدونه بحسب قولهم: دستوراً على طريقة سلق البيض.الرئيس المصري لم يستطع التعامل مع الاوضاع التي تجري في بلاده، واضطراره لأكثر من مرة للتراجع عن قراراته، وتقديم مستشاريه لاستقالاتهم لعدم استشارته لهم، وتصادمه المبكر مع القوى السياسية، كل ذلك جعل موقفه ضعيفاً وقلل من هيبة الرئاسة لدى الشارع، وبدت القرارات المتخذة وكأنها تتخذ في مكان غير الرئاسة، حيث يرى المعارضون أن المرشد العام للإخوان هو الذي يتحكم بمجرى الامور في بلادهم.ان الفوضى في مصر لن تنتهي، وسوف تستمر حتى وان مرت أزمة الدستور، فالوضع غير السليم سيجعل كل طرف يختلق الازمات على حساب استقرار مصر، وسيعرف المصريون البسطاء أن ما حدث في بلدهم هو قمة الفوضى الممنهجة.ان الذهاب للصندوق في مصر سيتكرر مشهده، اما للاستفتاء او لانتخاب مجلسي الشعب والشورى او لانتخاب رئيس جديد في انتخابات رئاسية مبكرة.. بمعنى أن مصر لم تعد مستقرة سياسياً بسبب الاختلالات التي حدثت في الفترة الماضية.. فمبدأ انتزاع السلطة عبر الشوارع والأزقة سيستمر، وكلما أتى رئيس خرجت عليه الفئة الأخرى مطالبة برحيله.. وهنا نتساءل هل هذا هو التغيير المنشود في مصر؟ مصر اليوم تقف حائرة امام اطراف تتنازع بكل الطرق للوصول الى السلطة، ولو على حسابها هي، فالاقتصاد المصري يسوء، والحياة لا تسير بصورة طبيعية، والسياح خائفون.. كل ذلك يحدث وما زال البعض غير مقتنعين بأن ما يحدث في مصر لا يعدو عن كونه فوضى صدرها الغرب الى اوطاننا بهدف ضرب اللحمة الوطنية.. نتمنى لإخوتنا المصريين ان يتجاوزوا محنتهم وان يلبوا مصلحة بلدهم على مصلحة الاحزاب والأشخاص.[c1]*أستاذ مساعد بجامعة البيضاء[/c]
مصر واستفتاؤها الساخن
أخبار متعلقة