إصلاح صالح :عرف الإنسان بأنه كائن اجتماعي لأنه لا يستطيع العيش إلا في جماعة، فتضامن البشر مع بعضهم البعض يزيد من قوتهم ويمكنهم من التغلب على مصاعب الحياة نسبة لقدرتهم على الاستفادة المتبادلة من الخبرات التي يكتسبونها، وقد شهدت البشرية على مر العصور سلسلة متصلة من الثورات العلمية والتكنولوجية يحدوها الأمل في كل جولة منها إلى مزيدا من الاستنارة والرفاهية والعدالة، قربت هذه الثورات بين الأشخاص المتباعدين جغرافيا، وجعلت العالم يبدو بحق كقرية صغيرة من حيث سهولة التواصل وتبادل المعلومات والخبرات.و العملية الاتصالية بالمرسل وتنتهي بالمستقبل، وما بين الشخص المرسل والشخص المستقبل تكون هناك رسالة تحتوي على مضمون أو منطوق المرسل، والذي ينقل رسالته هذه عبر وسيلة يمكن أن تصل إلى المستقبل، حيث تتعدد الوسائل وتتنوع، فقد مرت البشرية منذ بدء الخليقة، بمراحل تطور بالغة الأهمية ، تغيرت خلالها لغة الاتصال بين البشر، من عصر الرموز والعلامات والإشارات، إلى عصر اللغة المنطوقة والتخاطب، ثم وصلت لعصر الكتابة اليدوية البدائية، قبل أن يعرف العالم الطباعة ويدخل منها إلى عصر الاتصال الجماهيري بدءاً بالصحافة الورقية، ثم الصحافة المسموعة والمرئية التي عرفت في بدايات القرن العشرين، مع اكتشاف السينما، وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية، تمهيدا للوصول بالعالم إلى مرحلة الاتصال التفاعلي، من خلال الانترنت، والصحافة الاليكترونية، إلى أن أصبح يطلق على هذا العصر اسم ( العصر الرقمي )، ولكن المفارقة المدهشة في ثورة الاتصالات أنها قربت المتباعدين وأبعدت المتقاربين، فالمرء يتواصل بانسيابية واستمتاع مع أشخاص من أقاصي الأرض ، ويخصص لذلك أوقاتاً غالية، ولكنه قد يستثقل أن يخصص ساعة من نهاره لأفراد أسرته يتواصلون خلالها معه. فقد أخذت روابطنا وعلاقاتنا الاجتماعية فيما بيننا شكلاً إلكترونياً- نخص في ذلك الهاتف النقال - فأصبحنا نهنئ ونواسي ونتشارك في المناسبات المختلفة من خلال بضع كلمات على شاشة الهاتف النقال فلا وقت للزيارات والروتين الاجتماعي وانبهرنا بها إلى درجة قتل الروابط والصلات بين الناس، فالتطورات التقنية صنعت بيننا وبين من حولنا فجوة كبيرة فأصبحنا نعيش فراغا اجتماعيا، من جانب آخر كان لظهور الهاتف النقال أثرا بالغ الخطورة على لغتنا العربية فقد تراجعت الكلمة المكتوبة تراجعا مؤلما، وتحولت الرسائل المكتوبة إلى رسائل مطبوعة، أدى ذلك إلى ركاكة الخط وضعف أساليب الكتابة اليدوية، ويضاف إلى هذه السلبيات احتمالات التعرض إلى خطر الإشعاعات الكهرومغناطيسية كالإصابة بأورام الأذن، ضغط الدم، فقدان النظر والعقم ( حقائق علمية )، كل هذه السلبيات تحتاج إلى الاستقصاء والفهم والمعالجة.علينا أن نسلم بأن وسائل التواصل محفوفة بالمخاطر بقدر ما تبشر به من آمال وعلينا أن نعي بكل وضوح تلك المخاطر فكلفة إغفالنا ستكون باهظة للغاية، فهي تمس وجودنا ككل (أجسادنا، عقولنا، ثقافتنا، نظمنا وعملنا).
الهواتف النقالة.. ماذا بعد!
أخبار متعلقة