قال إن المشهد التشكيلي المغربي .. مشهد درامي
حاوره/ عبدالعزيز بنعبوعبدالله مجدوبي شاب يعيش اللحظة الإبداعية بكل تجلياتها، يترصدها في كل مكان، يترجمها لوحات بكل الصيغ الممكنة. صعد سلم التشكيل فأبدع، وسبح في فضاء الضوء فرسم به وكان مصورا فوتوغرافيا، عدسته تجاور وتحاور ريشته. فاز بجائزة نظمتها إحدى المؤسسات الكبرى، وذلك بصورة غاية في الدقة والبهاء. وهو اليوم من المرشحين لنهائيات ملتقى الفن بمراكش. ولن ننسى العديد من الجوائز التي حازها في التشكيل. نقتنص هنا لحظة حوارية معه لنعرف المزيد عنه وعن مشاريعه وطرق اشتغاله.- بداية نفتح باب الحوار معك من يومياتك الحالية هل من جديد إبداعي لديك؟- - بالنسبة لجديدي الفني، فبعد أن انغمست طويلا في البحث عن التقنية التي تشبع وتروي ظمأي في ميدان الصباغة والخامة والضوء والظل واللون والشكل والموضوع وجدت نفسي أسبح في عالم الصورة الضوئية، هذا الأخير الذي لا يقل مكانة وإثارة عن ميدان الصباغة.أما عن جديد أعمالي فبعد التجربتين السابقتين: التجربة الأولى تحت عنوان les inconnus التي تميزت بالألوان الساخنة والتركيز على المرأة. والتجربة الثانية تحت عنوان le solitaire التي تميزت بعكس سابقتها من حيث الألوان الباردة والرجل كموضوع، هذا الأخير الذي ارتبط بالمعاناة الشخصية.والآن فأنا في طور الاشتغال على موضوع جديد يمزج بين التجربتين السابقتين موضوعا وتقنية.- هل لنا أن نعرف بعضا من خطواتك الأولى في درب اللون؟- - بالنسبة للون فهو الهاجس الذي يثير كل الفنانين إلا أن ما يميز كل فنان عن الآخر هو التجربة الخاصة لكل واحد منهم والحقبة التي عايشها، فنفسية الفنان تطرأ على اللوحة بالرغم من محاولته إتباع أسلوب معين أو بحث خاص. أعمالي الأولى تميزت بالألوان الساخنة والصاخبة والتي لم تظل طويلا حيث مررت مباشرة لمرحلة التقليل والحد من اللون واللجوء إلى الأبيض كخلفية في اللوحة، هذا طبعا لن يمنعني مستقبلا من الخوض في تجارب أخرى، والفن هو البحث الدائم عن الموضوع، اللون، الضوء، التقنية.- الأكيد أن أول ما يحلم به الإنسان أن يحقق شيئا استثنائياً، فهل تعتبر الفن التشكيلي حالة خاصة في حياتك؟- - لا يعتبر الفن التشكيلي شيئا استثنائيا في حياتي، حيث كانت بداياتي للرسم منذ نعومة أظفاري، ولازلت أحتفظ برسوماتي وأنا في روض الأطفال - ولم أتوقف يوما عن الرسم - لأني أحس أن بداخلي رسالة ما أو رأيا ما، إحساس معين يجتازني ويرغمني على العمل في الفن، هذا ما جعلني أشتغل كفنان تشكيلي وأستاذ المادة في بعض المدارس الخاصة وأيضا كمصور فني.- كيف كان عناق اللحظة الأولى وأنت تعرض أعمالك للجمهور؟- - ما ميز اللحظة الأولى وأنا أعرض أحد أعمالي سنة 2000 بالمعرض الدولي الجماعي بمدينة الصويرة هو أنني كنت من بين أصغر المشاركين حيث كان المشاركون ذوي خبرة عالية ومع ذلك أدهشتني ردة فعل الجمهور واهتمامهم بأعمالي.- عندما ترسم هل تضع المتلقي في اعتبارك أم أنك ترسم دون أن تعير أي اهتمام للآخر؟- - عندما ألجأ للوحة، أنسى تماما المتلقي أو ذوق الغير أو الناقد الفني، لأني لا أرسم كي أرضي أذواق الناس لكن أرسم مشاعري وأحاسيسي وأفكاري الخاصة، وهذا يوضح عدم وجود لوحات عديدة لي، فأنا لا أوافق على سياسة إعادة نسخ اللوحة المرغوبة التي تم اختيارها وانتقاؤها من طرف الجمهور أو الأروقة، الفن أفكار وليس فكرة.- ماذا عن المراحل التي مررت منها وكيف كانت اختياراتك الفنية في البداية؟- - كأي فنان أكاديمي مررت بمرحلة الدراسة حيث درست عدة مدارس فنية ومن خلالها اكتشفت نقاط قوتي وميولي بالرغم من أني كنت متفوقا في مادة الرسم والملاحظة والمدرسة الواقعية إلا أني كنت أميل إلى التعبير التشكيلي التجريدي أو النصف التصويري ومن ثم كانت الانطلاقة للغوص في أغوار التجريد واللون والأفكار التعبيرية.- الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب جهدا معينا نريد أن نعرف بعضا من هذا المسار الذي أوصلك إلى الآن؟- - من الصعب أن يتحدث الفنان عن مساره الفني لكن كأي مسار، لا يخلو من الإيجابيات والسلبيات والصعوبات فالرسام يحتاج إلى الكثير من الإمكانيات المادية والمعنوية لبلوغ مبتغاه، كانت بداياتي في سنة 2000 يعني 12 سنة من الجهد والمشاركات الفنية في مختلف التظاهرات والمعارض الوطنية والدولية، 12 سنة من التفكير والسهر والعمل للوصول إلى رضى النفس ومازلت أبحث في أغوار الفن من الصورة الصباغية إلى الصورة الضوئية - هذه الأخيرة (أي الصورة الضوئية) التي تطلبت مني مجهودا أكبر ومساعدات خاصة وجدتها في أناس جمع بيننا حب الصورة والعمل الجماعي، أخص بالذكر جمعية مغرب الصورة لإشعاع فن التصوير بالدار البيضاء ونادي العين الثالثة بالرباط.- أنت الآن تعتبر نفسك فناناً تشكيلياً ومصوراً فوتوغرافياً هل هما متكاملان أم تبحث عن شكل آخر تعبر به عن أفكارك؟- - الصورة الفوتوغرافية أعتبرها جزءا لا يتجزأ عن العمل التشكيلي فالوسائل مختلفة والهدف واحد. عبر الاثنين معا أجد نفسي باحثا عن كل من الموضوع والضوء والظل واللون والشكل والتكوين.. فهما مكملان لبعضهما البعض، ويمكن مزجهما في عمل واحد. فالفنان الحقيقي هو الذي لا تقف أمامه نوعية الوسائل أو التقنيات أو المواد للتعبير عما بداخله.- التصوير هو رسم بالضوء فهل ننتظر منك عملا يتعانق فيه الرسم بالريشة والرسم بالضوء؟- - حالياً في مجال التصوير مازلت أعتبر نفسي في مرحلة التكوين، هناك مشاريع مستقبلية إن شاء الله، لكن في مجال الفن تعلمت التروي والتأني فقبل أن تصل لمرحلة الإبداع ويجب عليك البحث والتعلم وملء بنكك الفني بكل المعلومات والتجارب، هذا لأن التاريخ يسجل نفسه وماضي الفنان أو أعماله السالفة تبقى دائما وللأبد مسجلة باسمه وتتحدث عنه وعن مستواه وأفكاره.- ماذا لو سألناك عن أقصى ما تحلم به ؟- - أحلامي كثيرة، كإنسان أحلم بالاستقرار يوما ما مع زوجة وأولاد وعمل يحمي مستقبلي. وكفنان أحلم أن يكتشف العالم كله أعمالي ويتحدث تاريخ الفن عن إبداعاتي في الفن التشكيلي والتصوير الضوئي.- ختاما ماذا عن تأملاتك في المشهد التشكيلي الوطني وهل هناك أمل في غد أفضل؟- - للأسف المشهد التشكيلي الوطني هو مشهد درامي مأساوي، هذه حقيقة يعلمها كل الفنانين التشكيليين حيث يعانون من اللامبالاة من طرف أصحاب قاعات العرض الخاصة وحتى العمومية، هذا من جهة ومن جهة أخرى رغم التحسن الذي عايشناه لذوق المتلقي إلا أن المستوى لا يزال ركيكا من حيث ذوق الجمهور الذي لا يبحث إلا عن لوحات الديكور للصالون وليس عن الفن والدراسة والبحث، وأختم بأمل في غد حيث أن المغرب عرف مؤخرا العديد من التحركات الفنية الوازنة والتشجيعات الخاصة وخصوصا للشباب المبدع والعامل.