نبض القلم
كان السلف الصالح رحمهم الله برحمته إذا رأى الواحد منهم بلاءً ينزل بأحدهم دعا الله ليفرج عنه كربه، ويزيل بلاءه، وكان الواحد منهم إذا رأى نعمة تنساق إلى أحد من الناس فرح له، وتذكر قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين كان يدعو ربه: (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر).بهذه الروح العالية، والنفس الصافية، والقلب النظيف، كان الناس يتعاملون مع بعضهم، فقامت علاقاتهم فيما بينهم على التعاون المتبادل، والمجاملة الرقيقة، وشاع في أوساطهم السلام الاجتماعي، واختفت الأنانية والأثرة وحب الذات، لأنهم كانوا يتمثلون قول الله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم).هكذا عاش السلف الصالح من آبائنا وأجدادنا، فأقاموا مجتمعاً صالحاً، على الرغم من فقرهم، وسوء حالتهم المعيشية، لأنهم كانوا يؤمنون بالله إيماناً صادقاً يشعرون معه بعزة النفس، والكرامة الإنسانية، ويحسون بالتالي بقوة العلاقات الإنسانية، وأهمية التعاون بين الفرد والجماعة في سبيل المصلحة العامة.كانت علاقات الناس فيما بينهم قائمة على المحبة وتبادل المنافع، وعدم الإضرار بالناس، لأنهم التزموا بتعاليم الإسلام السماء، التي أمرتهم بالتراحم العام، فكان الواحد منهم يلتقي أخاه المسلم وفي قلبه عطف كامن، وبر خالص، فيسعى جاهداً لمساعدته وتخفيف معاناته، وتجفيف دموعه، امتثالاً لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (لن تؤمنوا حتى ترحموا، قالوا يا رسول الله كلنا رحيم، قال: إنها ليست رحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة)، أي أن المرء قد يرحم قريبه أو صديقه، وربما يسارع إلى إبداء عطفه على معارفه، أما الغرباء والأباعد، فقلما يعنى بهم، أو يكترث بوجودهم، إلا من قبل المؤمنين الرحماء، الذين تواضعوا من غير منقصة، وكسبهم من حلال، امتثالاً لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل نفسه في غير مسألة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية ورحم أهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة).ومعنى ذل من غير مسألة أنه لان وخفض جناحه لغيره، دون ما حاجة إلى الآخرين تدعوه للانكسار، وربما يجد المرء نفسه مضطراً أن يخفض جناحه للمؤمنين، ويجيز له الإسلام ذلك، أما أن يذل نفسه للأعداء، فذلك ما لا يقبله الإسلام، قال تعالى في وصف المؤمنين: (أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين).وفي أيامنا المعاصرة نجد بعض الناس للأسف، يرتهنون للأجنبي، ويذلون أنفسهم بالعمالة له، ويربطون مصيرهم وبلادهم بمشئة القوى الأجنبية، مقابل حفنة من الدولارات، في حين يتعاملون مع بني جنسهم وإخوانهم المسلمين بنوع الغلطة والقسوة والجفوة، وهذا يتنافى مع مبادئ الإسلام التي تدعو المسلمين ليكونوا متحابين، متعارفين، متعاونين فيما بينهم على البر والتقوى، ويدعوهم ليكونوا متضامنين أفراداً وجماعات، ليعيشوا حياة كريمة، يكفلون بعضهم بعضاً، لا يتآمرون على بعضهم - كما هو حاصل في أيامنا - بل يتآزرون في السراء والضراء، فالمؤمنون كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وهذا ما وصفهم به النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً).[c1]*خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]