محمد هادي أحمدقليل جداً من الناس من تكتب لهم حياة ثانية وأبدية في ذاكرة الناس ومن هؤلاء الراحل في عمق أعماق ذاتنا والمسكون في تلابيب عقولنا ذلك الإنسان الذي سطر رحلة فنية وغنائية وموسيقية حافلة أبد الدهر الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم.وبالرغم من مرور أعوام عدة على وفاته عددها تسعة عشر عاماً افتقدنا فيها لطلته البهية وعناقه ومداعبته لأوتار عوده إلا أنه كان ولا يزال متألقاً وعاشقاً لمكانته الفريدة ولمجده الرفيع الذي صنعه منذ بداية حياته الفنية.فالموسيقار أحمد قاسم وبشهادة أهل الفن يعتبر أحد نوابغ الوجود، وقد قال عنه العارفون بأنه قد سبق زمانه بإبداعاته الرائعة المشبعة بصدق أحاسيسه ورجاحة عقله وبالموهبة الفذة التي وهبها الله له.وقد كان يتمتع بموهبة منذ صغره استطاع أن ينميها في كل مراحل حياته وبها وبجرأته تمكن من أن يتقدم الصفوف وبتفوق على أقرانه وأن يبني لنفسه محراباً يتعبد بداخله وأن يعتصر روحه ويذوب فيما بينه ليخلق لنا الحاناً أطربنا فيها بصوته الرخيم القوي، فقد كان دوماً يدعو عشاق فنه إلى محرابه الجميل ليؤدوا معه طقوس الحب والوفاء وينشر بين الأحباب صفاء النفس بالمودة أو بالعتاب تجاههم ويزرع في دواخلهم روح التسامح ونقاء القلوب.ما أروعك يا أحمد وأنت تحتضن عودك وتنطقه بأناملك وترتسم على محياك تلك الانفعالات النابعة من إحساسك المرهف والممزوج بأدائك الجميل لأغانيك الحلوة بأروع الألحان التي ولدتها من عمق أعماق فكرك وموهبتك المتفتحة.وها نحن أيها الغائب الحاضر دوماً ومعنا التاريخ لن ننساك أبداً وستظل ذكراك منحوتة في أرواحنا منذ جئت إلى هذه الدنيا في 11/ 3/ 1938م ومن لحظتها أعلن الزمن وسطر اسمك في صفحاته بأحرف من نور محدثاً الملأ عن ميلاد طفل يتيم الأب لترعاه أمه الفاضلة (سلام) عليها رحمة الله، وقد كان الزمن صادقاً بما أعلنه ويكفينا فخراً نحن معشر المتذوقين لإبداعاتك أن ذاك الطفل اليتيم قد صار عملاقاً وأصبح ضمن كوكبة الخالدين في الوجود.من خلال الحياة القصيرة التي عاشها الرائع أحمد قاسم منذ ولادته وحتى وفاته 1/ 4/ 1993م سنجد الكثير من المتناقضات ففيها الحرمان والمعاناة والاجتهاد للوصول إلى إثبات الذات مرورا بالشهرة والانتشار وما تلاها من المضايقات المتعمدة لحد الإهمال وما عرفناه من الجحود والنكران له بعد وفاته، كل هذه الأشياء أعتبرها كأعمدة فولاذية في عرش فنه القوي ولا يستطيع أحد كائناً من كان أن يهز أركان ذلك العرش الذي بناه أحمد قاسم بفطرته وموهبته العبقرية بإخلاصه واجتهاده وعشقه اللامحدود لفنه.ونتمنى أن يظهر كتاب يتضمن سيرة حياة ذاك الإنسان المبدع لأن حياته وكل إبداعاته الغالية تعتبر إرثاً مملوكاً للوطن ينهل منه من يريد أن يستفيد.أيها الفنان العبقري ومع كل إبداعاتك الموسيقية والغنائية لن ننساك أبداً طالما وأن شمس الله تشرق كل يوم.
|
فنون
أحمد قاسم .. من رحلة الشقاء إلى عبقرية الغناء
أخبار متعلقة