لازال مفهوم (الوظيفة العامة/ وشاغلها) يشكل أحد أهم القضايا التي ألحقت اضراراً كارثية بأوضاعنا بشكل عام، فالوظيفة العامة لها أسس ومقومات خاصة بكل وظيفة، ومهامها وواجباتها مرتبطة بخصائص مجال أعمال كل مرفق تنتمي إليه الوظيفة، ولا يمكن أن تكتسب إلا من خلال (مؤهلات) الخبرة العملية والممارسة في التدرج بوظائف المرفق نفسه ثم التخصص الدراسي والعملي في مجال الوظيفة، وتلك هي المؤهلات التي ينبغي أن تتوفر كاملة كشروط في المرشح لشغل تلك الوظيفة، تمكنه من امتلاك المعرفة والفهم لطبيعة عمل الوظيفة والمرفق، والقدرة على تسيير مهمات الوظيفة ورفع مستوى الأداء لعمل المرفق وتنميته وتطويره، وينتج عن أي اختلال لتلك المؤهلات والشروط اللازمة تدهور العمل وسقوط الأنظمة والقوانين التي تحكم العمل والعاملين أو معالجة أسباب مشكلات العمل والعاملين أو في توصيف وتصنيف وظائفهم ومهنهم واستحقاقاتها.وهذا المفهوم لايزال يتحكم بمصيره، مفهوم النظام الحاكم الذي لازال يعتمد على العلاقات الشخصية والانتماء السياسي والقبلي والعنصري، وهي مفاهيم واقعية تتجلى بوضوح في تدني مستوى الثقافة والوعي مهما كانت مؤهلات أولئك الذين ينجحون في الوصول إلى مواقع قوى القرار لدعم ترشيحهم (في أية وظيفة) وصار القرار الجمهوري بتعيينهم في وظيفة خارج مجال اختصاصهم ولا تتوفر لديهم تلك المؤهلات والشروط الكاملة، وهنا تكمن الكارثة التي تحل بمرفق العمل، وتلحق بكوادره الكفؤة والمؤهلة أشد الضرر والغبن والاجحاف دون مبرر، وهم يمتلكون كامل الحق القانوني والوطني في شغلها، وأدل على ذلك السباق المحموم الجاري حالياً، ويسري ذلك على وظائف الإدارات التخصصية في وزارتنا!!.والنموذج الآخر الأسوأ ويتجلى فيه المفهوم العنصري المناطقي الذي أبيد من كل العالم ولازال قائماً ويمارس عندنا، ويتجسد في نهاية الاجراءات القانونية التي تمت بين جامعة عدن وكلية الطب مع هيئة مستشفى الجمهورية بعدن، لتغطية احتياجات كلية الطب بعدن بـ (27 مدرساً) من الأطباء الذين تتوفر لديهم (كامل المؤهلات والشروط اللازمة) والمعرفة المكتسبة من خلال الخبرة والممارسة العملية الطويلة في مجالات اختصاصاتهم وتمكنهم من توصيل المادة إلى الطلاب، أطباء المستقبل، واختارت قيادة جامعة عدن (27 طيبا وطبيبة)، منهم خمسة أطباء اختصاصيون (فقط) من اطبائها ويبدو أن بصمات قوى القرار وعقليتها المسيطرة قد تقاسمت الوظائف الـ (22) المتبقية باختيار أطباء من خارج مجال الاختصاص ومستشفى الجمهورية، نصفهم عينوا وتخرجوا بدرجة بكلاريوس في 2000م، ولا يمتلكون درجة الاختصاص، وأكثرهم يعملون في مجالات إدارية وعينوا (مدرسين) لتدريس طلابنا مواد باللغة الانجليزية وخارج مجال اختصاصهم؟!ومع ذلك اصدر دولة رئيس مجلس الوزراء توجيهات الموافقة لمجلس الوزراء برقم (ر و / 12 / 2071) بتاريخ 2 / 6 / 2010م، وأصدر معالي وزير الخدمة المدنية والتأمينات موافقة الوزارة برقم (2445) بتاريخ 20 / 7 / 2010م، إلى وزارة المالية لعمل الاجراءات المالية المترتبة على نقل الـ (27) طبيباً من وحدات مختلفة إلى كلية الطب بعدن وأرفقت توجيهاتها كجهة اختصاص بكشف باسمائهم.وبعد مضي عام على صدور تلك التوجيهات إلى المالية، تأتي (الموافقة) من درجة دليل الوحدات الاقتصادية بتاريخ 17 / 7 / 2011م إلى مستشفى الجمهورية، توجه بتخفيض الاعتمادات المالية للأطباء الخمسة المنقولين إلى كلية الطب وحددتهم بالاسم وجميعهم ممن ينتمون إلى عدن الباسلة ويحملون مؤهلات بدرجة (اختصاصي) ومن ذوي الكفاءة والخبرة العملية الطويلة التي اكسبتهم القدرة على ايصال المادة للطلاب، وغيرهم كثير وفي تخصصات نادرة لازالوا يرزحون في اقسام مستشفيات عدن، ولحق بهم الضيم والاجحاف نتيجة لممارسات التمييز العنصري (المناطقي) بحقهم واصبحوا غرباء في وطنهم كما هو حاصل هنا، وهم يقدمون جل حياتهم وعلمهم في خدمة تطبيب كل أبناء مناطق الوطن دون تمييز لأنهم ينتمون للوطن؟!!ثم تأتي مباشرة إلى مستشفى الجمهورية بعدن المفاجأة (الفضيحة) بتاريخ 2 / 8 / 2011م، وهو (الاعتراض) من وزارة المالية الذي (استهدف) فقط الأطباء الخمسة الاختصاصيين الذين تتوفر لديهم كافة المؤهلات والشروط اللازمة ومشهود لهم لشغل وظائف (مدرسين) بكلية الطب وسينتقلون من مستشفى الجمهورية حسب توجيهات (الموافقة) لمجلس الوزراء والخدمة المدنية برقم (2445) إلى المالية وحجة (الفضيحة) تكمن في أنه (لم يتم اعتماد أي درجات وظيفية بجامعة عدن للمذكورين لعام 2011م)، بمعنى ان الاعتمادات (متوفرة) فقط لــ 22 درجة وظيفية بجامعة عدن، لمن هو خارج عدن وخارج مستشفى الجمهورية، ولا تتوفر وظائف لمن هو داخل عدن والمستشفى؟!!ولكي لا نعتبر بأننا مبالغون في ردة الفعل وتأويل القضية بأنها تستهدف أبناء عدن، نقول لهم لا بأس، دعونا نقرأ بموضوعية القضية (الفضيحة) من واقع ما تضمنته الموافقة والاعتراض المتناقضين للمالية، وبما يوضحانه لنا ولكم، وكلاهما مع الخدمة المدنية كجهة اختصاص (اعتمدوا على وثيقة واحدة) وهي الخاصة بالاعتمادات المرصودة في موازنة جامعة عدن، وهذا ما يؤكد قطعاً عدم صحة الاعتراض، بوجود موافقة رسمية على وجود اعتمادات لـ (27) درجة وظيفية لجامعة عدن، كما وجب أن (يوجه الاعتراض) إلى الجهات المختصة المعنية التي اصدرت التوجيه وهما وزارة الخدمة المدنية ومجلس الوزراء، وليس إلى مستشفى الجمهورية خرقاً للنظم والقوانين الإدارية النافذة؟! التي سبق أن خالفتها بالموافقة على نقل أحد أطباء مستشفى الثورة بصنعاء إلى اعتمادات جامعة عدن كلية الطب في نوفمبر 2009م، واشترطت فيها (على مسؤولية وزارة الخدمة المدنية صحة الاستحقاق وقانونية الطلب والصرف وصحة ما ورد وحدوث أي تكرار في الافتاء) ما يعني عدم الاعتراض على النقل الذي تم دون موافقة وطلب من جامعة عدن وحاجة كلية الطب! وهي الجهة المعنية الرسمية التي تمتلك الحق القانوني في التصرف باعتماداتها حسب احتياجاتها الفعلية وتجاوزتها بوضوح في هذه القضية! ومع ذلك باشر الطبيب المعني عمله بعد عامين من نقله (11 / 2011م)؟تلك نماذج واقعية من تلك الممارسات السائدة حتى اليوم، ومخالفاتها القانونية لاحكام الدستور والقوانين النافذة، والحقت كل الضرر بأوضاعنا كاملة، وسببت الغبن والاجحاف لأبناء عدن الباسلة الصامدين في وجه التمييز العنصري المناطقي، في زمن لازالت فيه أهداف ثورة التغيير شعاراً لم يتحقق مع العدالة الانتقالية على الواقع، وعلى القوى الداعية للتغيير والحق الوطني والمدنية، الوقوف علناً للانتصار لاطبائنا الاختصاصيين الخمسة في قضيتهم العادلة وحقهم الوطني المشروع في الانتقال إلى كلية الطب، وهذا ميدان لاثبات دعواتهم!!
|
آراء
الوظيفة العامة بين حق المواطن وباطل الحكم؟!
أخبار متعلقة