لاخلاف على أن البطالة والفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية والقمع الأمني ومشاريع التوريث وجمود العملية السياسية والتوق إلى التغيير ، كانت من أهم العوامل التي أدت إلى تفجر الاحتجاجات الشعبية في تونس ومن ثم انتقالها السريع مطلع العام الماضي إلى دول عربية أخرى وبحماس شعبي وتفاعل دولي كبير مع هذه الاحتجاجات ، التي باتت تعرف بالربيع العربي.لكن الربيع العربي في عامه الثاني بدا مختلفا ، حيث فقد كثيراً من بريقه، وتلاشت الهالة المحيطة به في نظر غالبية الشارع العربي ،كما تراجع الحماس الشعبي له في الفترة الأخيرة ويمكن تلمس ذلك من خلال المظاهر التالية :أولا : الجمود الذي أصاب الربيع العربي في الأشهر الأخيرة ، وظهر ذلك في عدم انتقال الاحتجاجات إلى دول جديدة ،فالأشهر الأربعة الأولى من عمره تفجرت فيها خمس ثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، إضافة إلى احتجاجات متفاوتة المستوى في المغرب والجزائر وسلطنة عمان والأردن،وبصبغة مذهبية في البحرين والسعودية، في حين أن التسعة الأشهر التالية لم تشهد اندلاع أي ثورات باستثناء احتجاجات أسبوعية متواضعة في الأردن ما تزال غير قادرة على جذب أغلبية المجتمع الأردني إليها .ثانيا : فتور واضح في حماس المؤيدين لهذه الثورات وبالذات في أوساط الشباب - الوقود الرئيسي لها - وتراجع زخم مشاركاتهم في الفيسبوك والتويتر والشبكة العنكبوتية عموماً، يقابله تزايد الرأي المعارض أو المتحفظ لثورات الربيع العربي ، ويبدو أن سيطرة الأخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى على السلطة في دول الربيع العربي وعجز الحكومات الجديدة في تلك الدول في تلبية مطالب الشباب وحل مشاكلهم ، كانت السبب عن تراجع حماس الشباب في هذه المسألة .ثالثا : إعادة عدد من المفكرين والمثقفين و الكتاب العرب النظر في مواقفهم المؤيدة لاحتجاجات الربيع العربي بل وذهاب البعض منهم إلى إثارة الشكوك حول الأهداف الحقيقية من هذه الثورات ، ويأتي على رأس هؤلاء السياسي المخضرم محمد حسنين هيكل ، المعروف بأنه كان من أكثر المنتقدين لنظام مبارك ،حيث قال قبل عدة أشهر أن ما يشهده العالم العربي ليس « ربيعاً عربياً » وإنما « سايكس بيكو » جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده ومواقعه ضمن 3 مشاريع، الأول غربي « أوروبي- أمريكي » والثاني إيراني والثالث تركي بالإضافة إلى نصف مشروع إسرائيلي لإجهاض القضية الفلسطينية، منوهاً بأن الثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب .قد يقول البعض أن الحديث عن وجود مخططات غربية تقف خلف تفجير الأوضاع الداخلية للدول العربية لاستهداف المنطقة ، أمر ليس بالجديد واسطوانة مشروخة رددها الرؤساء الذين تم الإطاحة بهم في الأشهر الماضية، ولم يعد يلقى أي صدى في الشارع العربي، لكن الأمر يختلف كثيراً عندما يأتي مثل هذا الحديث على لسان احد ابرز الشخصيات السياسية المخضرمة في المنطقة ، والمشهود لها بذكائها وفهمها العميق للأحداث ونظرتها الثاقبة والبعيدة لمختلف التطورات في المنطقة، إضافة إلى استحالة أن يقدم هيكل على استعداء الشعب المصري عندما يصف الثورة المصرية والثورات الأخرى على أنها معاهدة استعمارية جديدة دون أن يكون مؤمناً تماما بما يقوله .هناك عدد من المآخذ على الربيع العربي ساهمت في تلاشي بريقه ومن ذلك : 1. المبادئ والأسس الخاطئة أو غير المثالية التي قام عليها، ومثل هذه الأسس ستؤدي إلى نهايات خاطئة للثورات أو على الأقل حرفها عن مسارها الصحيح ومن ذلك:أ- اللجوء إلى الانتحار المحرم شرعاً والمتعارض مع الفطرة البشرية ـــ كشرارة لإطلاق هذه الثورات - فكان إحراق البوعزيزي لنفسه الشرارة التي فجرت الثورة التونسية ، بعدها احرق مصري نفسه في مدينة السويس في الأيام الأولى للثورة المصرية ، كما شهد اليمن والأردن والجزائر والغرب حالات مماثلة.ب- رفع الثورات شعار إسقاط النظام وليس إصلاح مكامن الخلل فيه أو اعتماد نهج إقصائي -شعار ارحل -ورفض أي حلول أو مقترحات بديلة، وهو ما يتناقض مع جوهر الديمقراطية والحرية وتعدد الرأي وحقوق الإنسان وغيرها من المبادئ الأساسية التي قامت عليها الديمقراطيات الغربية.ج- التقليد الأعمى والإصرار على تجاهل اختلاف الوضع في تونس عن الأوضاع في اليمن وليبيا وسوريا ، كون الإقرار بذلك يعني الاعتراف بان الحل في هذه الدول لن يكون في الغالب مشابها لما تم في تونس ، ولو تم الإقرار بذلك من قبل قيادات الاحتجاجات في اليمن لما احتاج الأمر كل هذه التكلفة الباهظة حتى يتم الوصول في الأخير إلى التسوية السياسية التي تمت.2. افتقار ثورات الربيع العربي إلى العقول والفلاسفة كما هو حال الثورات على مر التاريخ ، وكما ذكر الصحفي اللبناني غسان بن جدو في مقاله (جثة متعفنة تتنقل على متن راحلة قطرية ) أن الربيع العربي لا يعدو في أعلى مراتب التوصيف أن يكون تمردا اجتماعيا متشظيا قائما على الانفعال العاطفي الوجداني لجمهور تائه ، لان هذا الربيع لم يوقده فلاسفة وإنما النفط،و أن أي حركة احتجاجية لجمهور بلا قيادة وبلا قائد وبلا عقل مدبر يحولها إلى حركة فوضوية .3. اعتبارها نصف ثورات كما عبر عن ذلك بمرارة الإعلامي فيصل القاسم في مقاله (ما اقل الثورات وما أكثر الخيبات)،فباستثناء ثورة تونس فأن غالبية الشباب العربي يعتقدون أن الثورات في الدول الأخرى لم تكتمل ،وانه لابد من استمرارها حتى تنجز بقية أهدافها، وألا فانه سينطبق عليها المقولة الشهيرة إن من ينجز نصف ثورة كمن يحفر قبره بيديه، وهنا يقول تشي جيفارا : إن الثورة كالدراجة إذا توقفت سقطت، لكن ليس صحيحاً أيضا أن كل الثورات تنتهي بالانتصار حتى لو استمرت لسنوات. 4. في الغالب تتمكن الدول التي تشهد ثورات ضد أنظمتها من تجاوز التحديات والمخاطر التي تواجهها خلال السنوات الأولى من عمر الثورة لتحقق الثورة جميع أهدافها كما حصل في رومانيا وبولندا وعدد من دول أوروبا الشرقية في عقد التسعينات من القرن الماضي، لكن الوضع قد يكون مختلفا بالنسبة لدول الربيع العربي ، فاحتمالات فشل تلك الدول في تجاوز مرحلة التحولات مرتفعة جراء تربص قوى إقليمية ودولية بتلك الدول واستعدادها للتدخل في اللحظة المناسبة لإفشال مسيرة التحول أو حرفه عن مساره الصحيح بصورة تخدم مصالحها في تلك الدول، ولعل ما يؤكد هذا الأمر ما جاء في نظرية توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق - المقرب من إسرائيل - حسب القدس العربي في الـ 10 من مارس الجاري -التي يرى فيها بضرورة التحكم بالتغيير الديمقراطي وتوظيف الثورات العربية بما يخدم المصالح الغربية.نلمس كلام بلير عملياً في الدور الذي لعبه الناتو خلال ثورتي ليبيا واليمن، من اجل ضمان مصالحه النفطية في ليبيا ومكافحة الإرهاب في اليمن ، حيث تلكأ الناتو في التدخل العسكري إلى جانب الثوار حتى اللحظات الأخيرة عندما كانت كتائب القذافي على مشارف بنغازي ، كما تعمد تأخير الحسم العسكري لصالح الثوار وظلت معظم غاراته الجوية عديمة الفاعلية حتى قامت قيادة المجلس الانتقالي بجولة في عواصم غربية تم فيها التفاهم بشأن حصص تلك الدول في النفط الليبي ، وهو ما أشار إليه السياسي المصري المخضرم هيكل في حوار مع قناة الجزيرة قبل عدة أشهر.أما في بلادنا فبغض النظر عن ايجابية التدخل الغربي في تجنيب اليمن الانزلاق إلى حرب أهلية فكان من الواضح أن الهم الأول للغرب وبالذات للولايات المتحدة من هذا التدخل ضمان استمرار الشراكة في مكافحة الإرهاب مع النظام الجديد، بل وان يكون أكثر تعاطيا واقل تحفظاً مع المطالب الأمريكية في لعب دور ميداني واستخباراتي اكبر في الحرب ضد القاعدة مع إمكانية الحصول على تسهيلات عسكرية على الأرض .لا يقتصر الأمر على التدخل الغربي لتحديد مسار ثورتي ليبيا واليمن بل تعمدت القوى الغربية إبقاء دول الربيع العربي في ظل الحاجة الاقتصادية لها لاسيما مع تكبدها خسائر اقتصادية تجاوزت المائة مليار دولار حسب تقديرات الجامعة العربية ،وبقاءها أطول فترة في مرحلة المخاض ،وذلك من خلال عدم إيفاء مجموعة الثمان الصناعية،ودول غربية أخرى بوعودها تقديم مليارات الدولارات لمصر وتونس لدعم اقتصاد الدولتين حسب ما أكده كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر قبل أسابيع في كلمته أمام مجلس الشعب المصري .5/ ارتفاع الكلفة البشرية والمادية وطول الفترة الزمنية اللازمة لأحداث التغيير في ليبيا واليمن وسوريا بخلاف ماكان عليه الوضع في تونس ومصر،حيث كان سقوط نظامي مبارك وبن علي بتلك السرعة التي تمت من الأسباب الرئيسية التي أججت مشاعر الحماس لدى الشباب والقوى المعارضة في الدول الأخرى ، وجعلتهم يحلمون بإمكانية تكرار ذلك في دولهم ، لكن الكلفة البشرية والمادية الهائلة التي احتاجتها ليبيا لإسقاط نظام القذافي - ثمانية أشهر وأكثر من 50الف شهيد- وكذا الخسائر الفادحة التي تعرضت لها اليمن وبالذات في الجانب الاقتصادي من اجل التوصل إلى اتفاق سياسي هش ، إضافة إلى المأساة الإنسانية المتواصلة في سوريا دون ظهور أي بصيص أمل في الأفق على قرب وضع نهاية لهذه الأحداث رغم مرور عام على انطلاقها ، كل ذلك نسف الآمال بإمكانية إسقاط الأنظمة بصورة سريعة وبأقل التكاليف الممكنة.6. الأخطار الشديدة المصاحبة لعملية التغيير على امن واستقرار ووحدة الدول التي شهدت احتجاجات شعبية فيها، فمصر وتونس ما تزالان تجهدان من اجل الحفاظ على الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي ، في حين أن سوريا مهددة بالانزلاق إلى حرب أهلية إذا استمرت دوامة العنف بهذه الوتيرة المتصاعدة ، أما ليبيا فتكاد تستسلم لسيطرة الميليشيات المسلحة على المدن الرئيسية وعلى أهم مفاصل الدولة كمطار طرابلس الدولي ، وتبدو الحكومة المؤقتة عاجزة عن التصدي لمشروع فيدرالية برقة ، الذي أعلنت عنه القوى والشخصيات الاجتماعية في مدن الشرق الليبي، والذي يبدو انه سيكون أول الخطوات باتجاه تقسيم ليبيا .صحيح أن ليبيا كانت في عهد الملك السنوسي مقسمة إلى ثلاثة أقاليم ، إضافة إلى أن اتساع رقعة الأراضي الليبية يجعل من الفيدرالية امرأ مطلوبا فيها ، بيد أن تمركز 80 % من النفط الليبي في شرق ليبيا ، إضافة إلى أن اعتماد الفيدرالية بالأسس التي أعلن عنها تعتبر قفزة خيالية قد لايستطيع الليبيون ولا مؤسسات الدولة التعامل معها لاسيما مع انعدام الممارسة الديمقراطية والحكم المحلي في ليبيا في السابق ، كل ذلك من شأنه أن يدفع بالوضع في ليبيا إلى التقسيم أو الحرب الأهلية لاسيما مع تهديد رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل باللجوء إلى القوة لمنع تقسيم ليبيا.7/ الشكوك بشأن الدور الغربي في ثورات الربيع العربي خاصة مع الحقائق التالية:أ- كان الرئيس الأمريكي باراك اوباما هو أول من أطلق تسمية الربيع العربي على الاحتجاجات العربية ، رغم أن أول تلك الثورات بدأت في فصل الشتاء في نوفمبر 2010 ، ويبدو جلياً تعمد الغرب إطلاق هذه التسمية لإضفاء طابع الحياة والنمو عليها، وإظهارها بصورة ايجابية وتسهيل عملية انتشارها وانتقالها ، إضافة إلى الدور الرئيسي الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر في هذه الثورات. يرجع توجس الكثيرين في المنطقة من الدور الغربي في هذه الثورات إلى الاعتقاد بأن الربيع العربي ما هو إلا صورة جديدة من صور المخطط الغربي الهادف إلى إعادة تشكيل المنطقة بدءاً بمشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي أعلنت عنه الإدارة الأمريكية صراحة بعد غزو اعراق العام 2003 بعد ظهور الكلفة الباهظة للتدخل العسكري المباشر ثم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 2006.ليس خافيا أن هذه مشاريع ترتكز على إحداث التغيير من داخل الدول نفسها عبر تقديم الولايات المتحدة والدول الغربية برامج الدعم المالي والتدريبي لمنظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة وتحسين أدائها في كيفية تغيير الأنظمة الحاكمة .ب- الحماس الكبير الذي تعامل به التيار المسيحي - المتصهين في الولايات المتحدة مع الربيع العربي ، حيث مارس السيناتور جون ماكين وعدد من ابرز وجوه هذا التيار الضغوط المختلفة على إدارة اوباما لتقديم الدعم لهذه الثورات حتى وان كان على حساب الأنظمة الحليفة لها، وكان هؤلاء من أوائل الشخصيات السياسية الغربية التي تقوم بزيارة مصر وتونس وليبيا بمجرد سقوط الأنظمة فيها، وبالمثل قيادة الرئيس الفرنسي ساركوزي (من يهود المجر) المقرب من إسرائيل للدور الأوروبي الداعم للثوار وبالذات في ليبيا وسوريا .8. إضافة إلى ما كشفه ثعلب السياسة الأمريكية هنري كسينجر وزير الخارجية الأسبق ـــ عراب اتفاقية كامب ديفيد ــ في حديث صحفي نادر لصحيفة “ ديلي سكيب “في فبراير المنصرم أن ما يجري حاليا هو تمهيد للحرب العالمية الثالثة التي سيكون طرفاها روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى،مشيرا إلى أن الدوائر السياسية والإستراتيجية الأميركية طلبت من العسكريين احتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية خصوصا النفط والغاز مؤكدا أن العسكريين الأميركيين حققوا هذا الهدف تقريبا أو هم في سبيلهم إلى تحقيقه.دور قطر كدولة حاضنة وراعية وممولة لهذه الثورات ، حيث من الصعوبة الاقتناع ان احتضان ورعاية دولة غير ديمقراطية لهذه الثورات بمكن أن ينتج عنها أنظمة ديمقراطية ففاقد الشيء لا يعطيه ،كما يصعب الاعتقاد أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى قيام أنظمة وطنية وقومية في ظل رعاية دولة معروفة بأنها الأداة الأكثر نشاطا وفاعلية في تنفيذ الأجندة الأمريكية والصهيونية في المنطقة.يخطئ من يظن أن الدور القطري انحصر في الدور الذي تلعبه قناة الجزيرة أو في الأموال التي تضخها للجماعات المعارضة ، فهناك إلى جانب ذلك منتدى المستقبل ، وهو مشروع قطري -أمريكي لمستقبل التغيير في العالم العربي تم إطلاقه في فبراير2006،بحيث تعمل قطر على جانب الإسلاميين وأمريكا على الجانب المنفتح من الشباب الليبراليين .بدأ شباب الإخوان نشاطهم للتغيير والتحشيد منذ العام 2006 عبر مشروعين قطريين هما: مشروع النهضة الذي يديره القطري الدكتور جاسم سلطان الملتزم بخط الاخوان،والثاني أكاديمية التغيير،التي يديرها زوج ابنة القرضاوي د.هشام مرسي ومقرها في لندن ولها فرع في الدوحة، ويتوزع نشاطها على ثلاث مجموعات (ثورة العقول، أدوات التغيير،ثورة المشاريع) وهناك كثير من التفاصيل لا يتسع المجال لذكرها هنا.7/ النتائج السلبية التي تمخضت عن الربيع العربي إلى حد الآن، والتي يمكن إجمالها في أمرين هما:-الأول : وصول جماعة الأخوان المسلمين إلى الحكم وخروج الشباب بخفي حنين والانفتاح الغربي المثير للشكوك على الجماعة في تحول تام لما كان عليه موقف الغرب في السابق عندما دعم انقلاب الجيش الجزائري على جبهة الإنقاذ الإسلامية والحيلولة دون سيطرتها على الحكم فيه بعد فوزها في الانتخابات التشريعية التي جرت مطلع التسعينات، وكذا رفض الغرب لفوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية قبل سنوات ، في حين نجد واشنطن وحلفاءها يؤكدون استعدادهم للتعامل مع جماعة الأخوان في دول الربيع العربي إذا ما وصلت إلى سدة الحكم .يحضرنا هنا هجوم قائد شرطة دبي ضاحي خلفان الشديد على جماعة الإخوان المسلمين ، وهو المعروف بشجاعته وصراحته ومصداقيته كما ظهر به في قضية اغتيال إسرائيل لقيادي حماس محمود المبحوح في دبي ،حيث اتهم خلفان في تصريحات صحفية بتاريخ14/ 3 قوى خارجية لم يسمها بمساعدة الإخوان المسلمين في مصر وفي غيرها للوصول إلى سدة الحكم ، مشيرا إلى “إن كوندليزا رايس “وزيرة الخارجية الأميركية السابقة” افتتحت مكتبا لحقوق الإنسان في 2006 في تونس وكان غايته أن تبدأ هذه الحركة من تونس وإنهم اعترفوا أن هذا المكتب هو بداية تساقط أحجار الدومينو التي وضعوها لتنطلق منه إلى الدول الأخرى.لاشك في أن مثل هذا التحول في الموقف الغربي من جماعة الأخوان هو أمر مثير للشك لاسيما مع التصعيد المستمر بين الغرب وإيران ، والاعتقاد برغبة واشنطن وحلفائها في ان تكون دول الخليج ودول عربية أخرى رأس الحربة والممول الرئيسي لأي مواجهة غير مستبعدة مع إيران كخيار وحيد يحول دون امتلاكها القنبلة النووية، ومثل هذه المواجهة ستؤدي إلى تفجير الصراع المذهبي داخل معظم دول المنطقة ومن ثم زعزعة استقرار تلك الدول ، والذي سيسهل من مهمة تقسيمها مستقبلا ضمن مخطط تفتيت المنطقة وباتجاه إقامة دولة إسرائيل الكبرى.تعميم النموذج اليمني في دول الربيع العربي.. ونقصد به تعميم الوضع في بلادنا قبل هذه الأزمة في دول الربيع العربي الذي يقوم على أساس وجود نظام ضعيف أو دولة مهددة بالفشل غير قادرة على بسط سيطرتها على جميع أراضيها، في حين تتعزز شوكة الجماعات المسلحة والمتمردة داخل تلك الدول ، إضافة إلى تغلغل النفوذ الخارجي في الشؤون الداخلية ، فلم يكن أحد يتوقع ان يأتي يوم يسمع فيه خبراً عن تعرض أنبوب الغاز المصري في سيناء لـ( 13) تفجيراً خلال العام الماضي أو ان يتم تفجير أنابيب النفط في حمص ومناطق أخرى في سوريا، أو ان نسمع عن اختطاف شباب تونسي لـ (8) سياح أجانب للمطالبة بتوفير وظائف لهم أو ان يتم اختطاف عاملين صينيين في مصر للمطالبة بفدية أو ان يقوم بدو سيناء باحتجاز 17 جنديا،بل أن سيناء تكاد مع الانفلات الأمني المتصاعد أن تخرج عن سيطرة القاهرة .أيضا من كان يتوقع أن يسمع يوماً عن سيطرة الجماعات المسلحة في ليبيا على مدن رئيسية وعلى أهم المؤسسات الحكومية كمطار طرابلس الدولي، أو ان يتحدث وزير المالية الليبي بحرقة عن تهريب قوى نافذة في النظام الجديد لمليارات الدولارات من الأموال التي تم رفع تجميدها في الخارج وتم تحويلها إلى ليبيا.كما لم يكن متوقعا أن نسمع عن تشكيل مجموعة أصدقاء ليبيا ومجموعة أصدقاء الشعب السوري على غرار مجموعة أصدقاء اليمن ،أو أن يكون المخرج الأمثل في نظر الرئيس التونسي المرزوقي ودول أخرى للازمة في سوريا اعتماد حل سياسي مشابه للحل اليمني ، الذي هو في حقيقة الأمر مجرد ترحيل للأزمة وليس حلها جذريا ،كما انه يؤسس لديمقراطية مناطقية ومذهبية مشابهة للنموذجين اللبناني والعراقي ،بمعنى أن ثورات الربيع العربي قد تؤدي إلى قيام دول هشة داخلها دويلات متصارعة ، أما النتائج الأولية لربيع العرب عليها فكان تقسيم عاصمتها إلى ثلاثة أقسام ،وخروج معظم المناطق عن سيطرة الدولة ، وانقسام جيشها وحكومة ضعيفة لم تسطع حتى تطبيق قرارها باعتماد السبت إجازة أسبوعية ،مع هرولة جنونية لقواها السياسية نحو فيدرالية عمياء تؤسس في ظل هذه الأوضاع لتشظي اليمن إلى دويلات متناحرة.
|
آراء
ثمانية مآخذ جدية وراء تلاشي بريق الربيع العربي
أخبار متعلقة