في وقت كان فيه الجميع - سلطة وقوى سياسية ومجتمعاً - منهمكين في متابعة مجريات وتحولات العملية السياسية الجارية بما فيها تولي عبدربه منصور هادي منصب رئاسة الجمهورية، وكان يجري الاستعداد للانتقال إلى المهمة التالية من جدول أعمال المشروع السياسي الإقليمي والدولي الذي جرى اسقاطه على اليمن جاءت الضربة القاصمة والموجعة التي وجهتها جماعات «أنصار الشريعة» لوحدات القوات المسلحة المرابطة على محور دوفس - الكود وفي آخر امتداد لساحل أبين الذي دائما ما كان حاضراً في إبداعات وروائع عمالقة الشعر والغناء من أمثال لطفي جعفر أمان واحمد قاسم، وسبحان مغير الأحوال.كان للحادث تأثيره المباشر وفعله العميق وعلى أكثر من صعيد داخل اليمن وخارجها، في عواصم العالم ومنظماته بما فيها مجلس الأمن الدولي. ويرجع هذا الاهتمام بالحادث خاصة على الصعيد الخارجي نظراً إلى توقيته وظروفه وملابساته وطبيعة أطرافه (الفاعل والمفعول به) وما قد ينجم عنه على صعيد ما يجري في صنعاء والبلاد عامة.وعدا عن هذه المسائل فما حصل في دوفس لا يحمل جديداً في العلاقة التي قامت منذ أمد طويل بين السلطة ومراكزها ورموزها المختلفة وهذه الجماعات على مختلف مسمياتها.كما ان ما حصل في دوفس لم يكن نتيجة لدهاء (الجماعة) ولا لقدراتها الخارقة وقواتها الضاربة ولكنه استمرار لسياسة التسليم السلمي التي بموجبها سلمت السلطة لهذه القوى مصنع 7 أكتوبر لإنتاج الذخائر والمعسكرات والمواقع الإستراتيجية ومستودعات الأسلحة وقوافل الإمداد والمدن ومناطق بكاملها، وعلى هذه القاعدة يمكن اعتبار محرقة دوفس التي أودت بحياة المئات من الجنود والضباط استمراراً للمآسي والكوارث التي حلت بسكان دلتا أبين نجم عنها مئات الضحايا وأكثر من ربع مليون إنسان مهجر ومشرد والدمار الهائل والشامل الذي طال كل مقومات الحياة وكل ما شيده الإنسان على ارض الدلتا.الموقف الرسمي المطلوب من السلطة سواء إزاء ما حدث في دوفس أو الحالة التي تعيشها أبين ومناطق أخرى وإزاء الظاهرة برمتها والذي ينتظره الرأي العام حتى اللحظة هو وحده الذي سيحدد إلى أين تتجه الأمور وتتحرك الأوضاع في اليمن، وهل صحيح انها تقف على (عتبة مستقبل جديد) كما صرح معالي وزير الخارجية السعودي مساء يوم وقوع حادث دوفس أم مازالت جاثمة في ذلك الزمن الذي قيل فيه (لو قتل أي عدد من الجنود سوف نأتي بالبديل لهم)؟. الرأي العام لا يطلب المستحيل ويقدر الظروف القائمة على صعيد السلطة ووضع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فلسان حالهم يقول العين بصيرة واليد قصيرة واللهم اعني على أصحابي وحلفائي أما أعدائي فانا كفيل بهم.الجميع يدركون ان هذه الجماعات لم تنزل على اليمن من السماء وإنما هناك من فتح لها أبواب البلاد وسهل لها التواجد والنشاط والحركة ووفر لها كل المتطلبات والإمكانيات، كما خلق ورعى البيئة المفرخة والحاضنة لهذه الجماعات وفكرها المتطرف وكان لهذه العملية هدفها السياسي منذ البداية أي منذ ثمانينيات القرن الماضي مروراً بعام تسعين وحرب أربعة وتسعين وصولا إلى ما يحدث اليوم، وقد مثل العداء للجنوب والحرب عليه الهدف السياسي الرئيسي لهذا النشاط كما لغيره.العودة لأصل المشكلة وجذرها وتبيان هدفها الأساسي كل هذه تعد أمورا ضرورية لمواجهتها ان صدقت النوايا وتوفرت الإرادة لدى أكثر من طرف في الداخل والخارج، وهو مهم أيضا لان هناك من يعمل على ألا تتجاوز المواجهة معها بعض الأعراض والمظاهر مع الإبقاء عليها في تحقيق الهدف السياسي نفسه وعلى ساحة الجنوب بالذات.كما ان معرفة حقيقة ما يجري لا يتطلب الكثير من العناء والبحث في ضوء ما سبق وان قاله علناً زعماء القاعدة في العالم وفي اليمن.انتشار هذه الجماعات وسيطرتها على أكثر من مدينة ومنطقة يستهدف بدرجة رئيسية الحراك السلمي عبر تقويض المجتمع الحامل والحاضن للحراك وتطورات القضية الجنوبية حيث يهدف إلى تحويلها من قضية وطنية سياسية إلى مشكلة أمنية وفرض أولويات ومخاطر جديدة على المجتمع وحركته الثورية ولهذه الأهداف والغايات وليس لغيرها جرى تسليم أبين وأجزاء من شبوة لهذه الجماعات ووضع بقية مدن ومناطق الجنوب بما فيها عدن تحت التهديد المباشر لهذا الخطر الداهم، ووضع الشعب في الجنوب بين نارين أما قوات السلطة التي قامت بالعدوان والغزو وممارسة (...) الهمجي وأزهقت الأرواح وسفكت الدماء وقمعت النضال السلمي وصادرت حقوق الشعب وعاثت في الأرض فساداً، وأما هذه الجماعات التي تريد ان تحقق ما عجزت عن تحقيقه الأولى .القوى السياسية تعي طبيعة الدور المناط بهذه الجماعات ولهذا لم تتعد مطالبها في بياناتها حول حادث دوفس حد الدعوة إلى التحقيق في الحادث بذاته وكأن ما عداه لا يعنيها، كما ان الأطراف والقوى الخارجية وبالذات أمريكا ودول الجوار تدرك تماماً حقيقة الظاهرة وأهدافها، ويمكن إرجاع مواقف هذه الأطراف على الحادث الأخير إلى كونها ترى فيه إرباكا العملية السياسية التي ترعاها وليس لشيء آخر، وعدا هذا الأمر فهي مستفيدة مما يحصل في أبين لاصطياد العناصر المطلوبة لها وحصولها على المعلومات والمبررات للتدخل في شئون البلاد وعلى أرضها، كما وهناك تاريخا من التعاون المتبادل والعمل المشترك جمع هذه الأطراف بهذه التنظيمات نذكر منه حرب 94م على الجنوب. الحالة القائمة في أبين وغيرها والقابلة للتوسع والانتشار تتطلب موقفاً حازماً وموحداً ومتضامناً من المجتمع المستهدف ومسئولية اكبر تتحملها القوى السياسية والحراك السلمي والنخب والمرجعيات لمواجهة مايجري على الأرض باعتباره جزاءً من مهمة إدارة المعركة السياسية وكل تعقيداتها، والخروج من حالة صنع مشاريع الزعامات والانشغال بها والدوران حولها إلى ما يخدم المجتمع ويعزز صمود الشعب ونضاله وينتصر لقضيته وتطلعاته العادلة والمشروعة.
|
آراء
محــرقة دوفــس والإرهــاب ومستقبــل الجنــوب
أخبار متعلقة