القضية الجنوبية في الهيئات الدولية
في ختام التقرير قدم جملة من (التوصيات إلى جميع القوى السياسية المعنية):1 . الموافقة فورا على التوصل إلى عملية انتقالية لتسهيل الشروع في حوار وطني شامل يهدف إلى مراجعة العقد السياسي والاجتماعي القائم.2 . اتخاذ إجراءات بناء ثقة فورية لتهدئة التوترات في الجنوب ووقف العنف، وإطلاق السجناء السياسيين والتحقيق في الانتهاكات والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى الجنوب وسحب القوات الأمنية والعسكرية الشمالية المثيرة للجدل واستبدالها بأفراد جنوبيين في قوات الأمن.3 . على الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) الاعتراف علنـا بمشروعية القضية الجنوبية والالتزام بإيجاد حل عادل لها عبر المفاوضات والقبول بالوضع الخاص للقضية الجنوبية.وخمس توصيات لحزب الإصلاح المعارض وتوصيات للاشتراكي وثلاث توصيات للحراك الجنوبي منها :الاستمرار في الحوار داخل الحراك ومع جميع الجنوبيين من أجل تحقيق مزيد من الوضوح ووضع خيارات واضحة للسياسات.وثلاث توصيات إلى أعضاء المجتمع الدولي منها :1 . الضغط على النظام والمعارضة للتحرك مباشرة نحو فترة سياسية انتقالية.2 . دعم منح وضع خاص للقضية الجنوبية، وزيادة المساعدات الإنسانية للمحافظات الجنوبية.هذا تقريبـا هو فحوى الملخص التنفيذي للتقرير، ومن الواضح أن معدي التقرير قد حاولوا التوفيق بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية والآراء المتضاربة بشأن القضية الجنوبية في الجنوب والشمال؛ إلا أن الأمر المهم فيه هو التشديد على خصوصية القضية وضرورة حلها عبر «التفاوض والحوار السلمي»، وتشديده القلق بأنـها قضية خطيرة لا تحتمل المماطلة أو التسويف أو التأجيل، بل تستدعي التدخل الفوري والحل الفوري من قبل جميع القوى الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية.وربما كان هذا التقرير هو الأول على المستوى الدولي الذي اعترف بأن فكرة ومشروع الوحدة بالقوة قد فشل فشلا ذريعـا، وأن الوضع القائم هو وضع ( ... ) الشمال للجنوب، لذا جاءت دعوته إلى سحب قطاعات الجيش والأمن من الجنوب، والكف عن العنف ضد المظاهرات والاحتجاجات السلمية وإقراره بفشل «ثورة التغيير» اليمنية باحتواء القضية الجنوبية، ودعوته (للأحزاب) بتوضيح موقفها من الجنوب والقضية الجنوبية.وربما قصد بتوصيته «لحزب الإصلاح»، بشأن (القادة المثيرين للجدل) جماعة الفتوى الشهيرة وحلفاء الحرب من آل الأحمر وعلماء الدين كالديلمي والزنداني وغيرهم من شركاء الحرب وناهبي الجنوب.لقد أراد واضعو التقرير تلقين ( ... ) الجنوب القادمين من الشمال التقليدي ما كان ينبغي لهم فعله تجاه ضحاياهم وتلقين (المحتجين الشماليين) يقصد (ثوار التغيير) الجديد ما يجب عليهم عمله كالاعتراف العلني «بشرعية القضية الجنوبية والقبول بوضعها الخاص»، ولأنهم لم يفعلوا ما كان يجب عليهم فعله، بل حاولوا جاهدين إخراس صوت الجنوب وتشويه نضالات الحراك الجنوبي بالسر والعلن؛ إلا من رحم ربي حينما راحوا يرددون شعارات أمراء الحرب (اليمن أولا) و(الوحدة أو الموت) من (الجنوب أولا) وحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، ولا وحدة بالقوة، ورد الحقوق والمظالم لأصحابها، وتشكيل فريق بحثي علمي متخصص ومحايد لدراسة الحقائق والمعطيات الواقعية الفعلية التي شهدها الجنوب منذ اليوم الأول لإعلان الوحدة في 22 مايو 1990م .ولما كانت الوحدة منذ الأساس قد تمت بين طرفين غير متساويين بعناصر القوة والمقدرات فقد كانت منذ البدء أشبه بالفخ الذي نصب للإيقاع بالدولة الجنوبية، التي ما أن تم تدميرها ونهبها حتى اكتشف الشعب في الجنوب بأنـه مكشوف الظهر والصدر، أمام وضع وقوى لا حيلة لديه في مجاراتها ومدافعتها؛ لأنـه يفتقد للأسلحة والأدوات التي تمتلكها، وهذا ما افتضح أمره اليوم في «عاصمة اليمن الموحد «، فأين هو الجنوب في المشهد الحالي؟، وهذا الوضع هو ما أفزع المراقب الخارجي ومجموعة الأزمات الدولية، حينما أرادوا البحث عن الجنوب في صنعاء فلم يجدوا ما يدل عليه بل كل ما رأوه قوى شمالية خالصة تتصارع من أجل الحصول على المزيد من القوة والسلطة والهيمنة والنفوذ بما يعزز من شدة قبضتها وإحكام سيطرتها على كل مقدرات وثروات الجماهير الثائرة في الشمال والجنوب، وهذا هو فحوى التقرير الذي أصدرته الباحثة الألمانية ساندا إيفانس مديرة (المركز العربي الألماني للدراسات الإستراتيجية) قبل أيام قلائل في تعليقها على رأي الرئيسة الألمانية أنجيلا ميركل القائل: «إن الوضع في اليمن شديد التعقيد».. حيث أوضحت أن القوى التقليدية الشمالية المهيمنة المنقسمة على بعضها إلى سلطة ومعارضة هي التي تتصدر المشهد الراهن في صنعاء، وهي التي تتحكم بقواعد اللعبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، بما تمتلكه من قوة ومقدرات وثروات هائلة تحصلت عليها من تدمير ونهب واغتصاب قوة وثروة وخيرات الجنوب في عام 1994م، حينما تحالفت مع بعضها للحرب واجتياح الجنوب باسم «الوحدة» التي لم تكن إلا شعارا لتبرير الحرب وشرعنة الغنيمة، وعلى الرغم من كل ما حصل جراء الحرب الغاشمة من جرائم وانتهاكات وفظائع لا تزال تلك القوى تراهن على جوادها الخاسر في محاولتها إخضاع الجنوب لهيمنتها المستمرة، وإبقاءه على ما هو عليه منذ 1994م، في وضع من حلت عليه اللعنة واستحق العقاب.وهذا هو ما يفصح عنه المشهد اليمني الحالي، وباستثناء بعض الأفراد والقوى الشبابية الثائرة في صنعاء وتعز وبعض المحافظات الشمالية التي أبدت تعاطفها وتفهمها للقضية الجنوبية وعبرت عن موقفها المعلن في حق الجنوبيين المطلق في تقرير مصيرهم، وهي قوى وفعاليات اجتماعية وسياسية وثقافية مغلوبة على أمرها وليس بمقدورها فعل شيء لإحقاق الحق الجنوبي، أو تغيير قواعد اللعبة؛ فإن معظم القوى المهيمنة الفاعلة ومنها قوى المعارضة الرسمية و(مجلسها الوطني)، ناهيك عن «بقايا النظام» لا تزال تتعامل مع الجنوب وأهله بعقلية الحرب والهيمنة الشمالية الرهيبة، وهذا هو ما أفصح عنه وفد المجلس الوطني المعارض في لقائه الغريب بالكاتب المصري محمد حسنين هيكل بعد أن أعلن قبل أيام رأيه في «الثورة اليمنية» معتبرا أن ما هو حادث في اليمن «ليس ثورة» بل قبيلة تريد أن تكون دولة وهذا أمر صعب»، وهذا ما أغضب جموع القوى الثورية الحقيقية وحز في نفس المعارضة اليمنية الرسمية، التي ذهبت في مهمة استجداء الثورة - التي وأدتها في مهدها - من هيكل في القاهرة . وحسب الخبر الذي نشرته صحيفة (أخبار اليوم) المعارضة، عن الزيارة «قيل إن هيكل أبدى انزعاجه من سماع أصوات جنوبية تطالب بالانفصال، فكان رد الوفد اليمني المعارض بقيادة علي عشال والصلاحي والعتواني وآخرين أن هذه الأصوات الانفصالية هي من فعل السلطة وبدعم النظام، وبقايا النظام هي التي سمحت للجنوبيين بالتظاهر ورفع الشعارات والأعلام الانفصالية، ولم «تقم بإسكاتها»، هكذا إذن هي المعارضة في «مجلس حرب 1994م» أنـها تأنف من سماع أنين الضحية، أنـها تحرم على أهل الجنوب المنهوب حتى حق التعبير والكلام عما يشعرون به ويؤلمهم، فما هو رأي الجنوبيين المنضوين تحت رايتها المعلنة، هذا في حين أن تقرير «مجموعة الأزمات الدولية» القريب العهد أسدى مجموعة من النصائح المهمة، لتلك المعارضة وأحزابها وكانت أبرز نصائحه لها أن تعلن صراحة وبدون مواربة «أن القضية الجنوبية هي قضية عادلة ونوعية، ولها وضعها الخاص»، ونصح الحكومة بالكف عن وصف الجنوبيين بالانفصالية، وقمعهم بسبب آرائهم السياسية وشعاراتهم الاحتجاجية، فكيف يمكن للثقة أن تبنى بين الجنوب والشمال؟، كيف يمكن لأهل الجنوب أن يثقوا بمعارضة كهذه؟! والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين!!