تراث محفوظ أم منهوب ؟!
د. زينب حزاميستحم الشاطئ الذهبي في مدينة التواهي، بلون الشمس في ساعات العصر الذهبية حيث تنعكس الجبال الصخرية على سطح البحر .. الذي يحيط بمدينة عدن، الصامدة، التي شهدت حضارات مختلفة وتراثاً ورثته من الماضي، وما اقتبسته عن غيرها وما ابتكره أبناؤها ـ وهذا يتوقف على موقعها، وما يجاورها من أقطار، ومن يرتادها من أهل العلم والفن وما يوافق عاداتها والتقاليد فيها.وعدن بلد عربي، شهدت حضارة الغساسنة الذين كانوا أهل العلم والفنون والصناعات وأبدعوا في حضارتهم وقدموا كل جديد وجميل في فن العمارة . تقع عدن على ملتقى عدة طرق تجارية تصل بين قارة آسيا وأفريقيا وأوروبا .. وتمر بها تجارة الهند، وتحف الصين، وصناعات ومنسوجات الدول العربية الشقيقة المجاورة. ولا يخفى ما لهذا من آخر في الاقتباس والمحاكاة ولكن مهارة أهل الفن فيها إنهم لم يكونوا مقلدين، بل إنهم جمعوا ما ورثوه إلى ما اقتبسوه، وكان لهم حسن الاختيار، وعمليات الحذف والتهذيب والتنقيح والإضافة، فابتكروا ما يوافق عاداتهم، ولا يتعارض مع معتقداتهم.[c1]المسلمون الفاتحون انبهروابما شهدوه في عدن[/c]احتلت مدينة عدن مكانة ثقافية مرموقة ميزتها عن غيرها من المدن اليمنية، اشتهرت بمواقعها التاريخية مثل الصهاريج وقلعة صيرة وفنها المعماري القديم المميز، كما حظيت بعناية المؤرخين عبر العصور،فزارها عدد كبير منهم وأبهرهم تخطيطها ونظام شوارعها وعبروا عن إعجابهم بروائعها وعمرانها الزاهر وآثارها العظيمة التي احتفظت بها من العصور الوسطى حتى العصر الحديث إضافة إلى التراث والفن المعماري الإسلامي الحديث.وتشتهر عدن اليوم بمنارتها القديمة وصهاريجها وقلعتها التي شهدت العديد من المعارك التاريخية التي تدل على بطولة أبنائها في الحفاظ عليها اما عن آثار هذه المدينة التاريخية فيمكننا القول أن هذه الآثار محظوظة لأنها وجدت من يحفظها رغم تعرضها لعملية النهب وتهريب بعض القطع الأثرية إلى الخارج تحت ما يسمى خبراء من الدول المتقدمة .[c1]درة الفن .. في العمارة الإسلامية التي تتميز بها مدينة عدن[/c]وفي مدينة كريتر بعدن نجد عدداً من الجوامع والمباني التي تميزت بالفن المعماري الإسلامي، حيث نجد واجهتها مقوسة او شبه مستديرة كسيت بالرخام الأبيض وعليها زخارف كثيفة مذهبة ومحفورة وطراز البناء والنقوش ليس من الطراز الإسلامي التقليدي بالعمارة العدنية التي تأثرت بالفن الأوروبي نتيجة الاحتلال البريطاني لعدن الذي دام فترة طويلة، ومع هذا احتفظ أهالي عدن بالتراث والعمارة الإسلامية وقاموا بحفظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الأخرى مثل الرياضيات واللغات والعلوم الحديثة في المدارس.وتميزت مدينة كريتر في مبانيها وأسواقها الشعبية الإسلامية المزخرفة وأصبحت تقليداً معمارياً يحفظه البناؤون عن ظهر قلب حيث كانت الدليل القاطع على رعاية الإسلام للإنسان مهما كان جنسه أو دينه من خلال توفير المياه العذبة لشربه وهو ما لم تحققه اورويا في عصر إنشاء السبيل العربي الإسلامي.وفي مدينة كريتر بعدن يقع مسجد العيدروس الشهير بالبناء والتصميم والنقوش الإسلامية، كما يوجد قصر السلطان، الذي تحول إلى المتحف الوطني للآثار ويتميز بجودة أعمال الرخام والأخشاب الملونة المذهبة ويعتبر هذا المبنى من ضمن تراث الفن الخالد الذي تتميز به مدينة كريتر.[c1]زخرفة الخشب[/c]أبدع الفنان العدني بزخرفة الخشب وتطعيمه بكتابات متنوعة، و الآثار التي تركوها تدل على تفوقهم في التخريم والتطعيم والحفرة تكون داخل وحدات زخرفية وربما طعموها بالذهب والعاج ومن الآثار التي لم تزل باقية إلى اليوم باب من الخشب، دقيق الزخارف جميل الكتابة كان مرقد الإمام العيدروس رحمة الله عليه.وفي مدينة عدن توجد عدة صناديق لأضرحة بعض المشاهد مزينة بزخارف دقيقة، فوقها كتابات جميلة نافرة بخطوط متنوعة وقد تأثرت بدرجة تفاوت الحرارة في عدن، وهذا التفاوت أثر على تفكك القطع الخشبية ولذا فإن ماوصلنا من الآثار الخشبية قليل بالنسبة لما أدركناه من آثار الرخام والنحاس وغير ذلك.[c1]صناعة التحف المعدنية[/c]ومن الصناعات التي تميزت بها مدينة عدن صناعة التحف المعدنية المطعمة بالذهب والفضة حيث زينت بكتابات وزخارف وتصاوير لتزيد في جمالها وبهائها وهذا الفن ورثة العدني من الأجداد كما تأثر بالفن الهندي نتيجة العلاقات التجارية بين الهند وعدن منذ العصور القديمة وهجرة العديد من التجار من الهند والإقامة في مدينة عدن وهذا ما جعل هؤلاء القادمين من الهند الى عدن يجمعون ماورثوه من العناصر الفنية ويمزجونها بالفن العدني، وأبتكر الفنان العدني كل هذه المواهب وجمعها وبما يناسب عاداته وتقاليده فكان فناً جميلاً قائماً بذاته حتى صارت مدرسة عدن قبلة المدارس الفنية في القرنين السادس والسابع للهجرة وكان الفنانون يحتذون بما تنتجه مدرسة عدن، ويحاولون محاكاته والاقتباس منه ولم تزل التحف الكثيرة التي أنتجتها مدرسة عدن مثالاً رائعاً لتزين متاحف الشرق والغرب بأجمل التحف المعدنية، التي تحمل الطابع العدني والذي يجمع الكتابة على التحفة بخطوط مختلفة جميلة، وتصاوير تمثل مظاهر الحياة والترف وحياة القصور، ومجالس الأنس والطرب ومناظر الصيد على شواطئ عدن الذهبية.