لوحات ورسومات تضيء الحياة في الإمبراطورية العثمانية
كتب/محمد الحمامصي يتضمن كتاب (صور الإمبراطورية العثمانية) لتشارلز نيوتن مجموعة مختارة من مقتنيات متحف فكتوريا وألبرت، لوحات نادرة التقطها عدد من الفنانين الأوروبيين للحياة والفن والعمارة داخل دول الإمبراطورية العثمانية الشاسعة، توفر حسب الناقد تيم ستانلي (بعض أفضل المعلومات البصرية المتوفرة حول نواح محددة في الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر).فمنذ البداية المتواضعة في الأناضول عام 1308 على يد الأمير التركي عثمان أدت سلسلة من الحروب والتحالفات إلى ولادة إمبراطورية معقدة امتدت من حدود المغرب إلى إيران، ومن القوقاز والخليج العربي إلى بوابات فيينا، وفي ذروة صعود هذه الإمبراطورية في 1683 شكلت تهديدا حقيقيا لأوروبا، ولكن بعد أن تقلصت مناطق نفوذ العثمانيين وانتشارهم ، تحولوا بالنسبة للغرب من مصدر تهديد إلى مصدر فضول، وقد انجذبت متعاقبة من الرحالة الأوروبيين من المستكشفين والتجار والسياح والعلماء والفنانين وحتى رسامي الكاريكاتير السياسي إلى هذه الأراضي وخلفوا وراءهم سجلات عن مشاهداتهم هناك.كان ثمة تعاطف لمعرفة الشرق الأوسط والتعرف من كثب على ثقافة أخرى مليئة بالعوالم الأكزوتيكية، وكان عدد من الفنانين البريطانيين البارزين من أوائل الذين سجلوا هذه المشاهدات ومنهم ديفيد روبرتس وإدوارد لير وجون فريدريك ولويس وأوين جونز، ولكن كان هناك أيضا الكثير من الفنانين المجهولين أو غير المشهورين، وتميط لوحاتهم ورسوماتهم وتصويرهم جميعا اللثام عن عالم طواه النسيان إلى حد كبير، وسواء كانت تصور حياة الشارع الصاخبة أو بلاط القصر والحريم أو كانت استعادة رثائية لخرائب بائدة، فإن الصور الكثيرة التي يتضمنها هذا الكتاب تسجل الإمبراطورية العثمانية بصورة مفعمة بالحياة. مقدمة تيم ستانلي وتعليقات شارلز نيوتن تعطي خلفية ثقافية وتاريخية حية تكمل الصورة الأوسع لثقافة لا تزال تسحر الغرب إلى حد كبير، حيث يشير تيم ستانلي في مقدمته للكتاب إلى أن وجود الفنانين في الإمبراطورية العثمانية طارئ، فقد كلف عدد من الإيطاليين في مراحل مختلفة من قبل السلطان محمد الثاني الذي حكم بين 1451 ـ 1481 ولا يخلو الأثر المادي لإقامتهم في اسطنبول فتهيمن على المشهد بورتريهات السلطان.ويوضح ستانلي أن العثمانيين لم يعزلوا أنفسهم عن الإنتاج الفني وأبدى بعضهم اهتماما كبيرا بمختلف أنواع الصور المنتجة في أوروبا أو التي أنجزها فنانون أوروبيون مقيمون في ربوع الإمبراطورية، وقد تمكنوا من فعل ذلك جزئيا بسبب وصول الطباعة التي جعلت الوصول إلى الثقافة البصرية الأوروبية أكثر سهولة في الشرق الأوسط كما كان في أوروبا، وكنتيجة لذلك بدأت تظهر عناصر أوروبية تتضمن التصنيف بحسب الموضوع من قبيل التصوير البانورامي للموانئ والمدن، كما التصاوير الفردية التي بدأت تظهر في الفن العثماني.ويلفت إلى أن التبادل الفني بين العثمانيين وبقية أوروبا أحد مناحي التواصل السلمي الذي جرى بين الطرفين، لكن الحرب أيضا لعبت دوراً مهما في العلاقة، كما نجد في الحط من شأن العثمانيين لأغراض دعائية.يقسم نيوتن صوره المنتقاة ليس وفقا لموضوعات اللوحات ولا الرسامين، ولكن وفقا لهؤلاء الذين استخدموا الفن والفنانين بادئاً بالسفراء (فقد رغبوا أن يأخذوا لدى عودتهم إلى بلادهم صورا تلتقط بدقة أكبر الطبيعة الخاصة للثقافة التي خبروها من كثب، وقد كان الموقع المميز لكبار الموظفين المرتبطين ببلاطات القصور والبعثات الدبلوماسية ـ وهم عادة من الأثرياء ـ يتيح لهم توظيف رسامين لتسجيل تفاصيل مهمتهم، وقد منحتهم مكانتهم الفرص التي يحرم منها سواهم، على سبيل المثال كان يمكنهم الحصول على فرمان من السلطان لكي يرسلوا رساميهم إلى أمكنة لا تتوفر عادة للتاجر أو الرحالة العادي). ومن نماذج هذا القسم لوحة لموكب السلطان محمد الثاني ـ 1895 ـ في طريقه إلى صلاة الجمعة، وهو يخرج من بوابة الباب العالي بين حرسه الشخصيين (سولاق) وحراس آخرين وموظفين رسميين، ولوحة لمشهد داخلي من مسجد( آيا صوفيا) الذي كان الدخول إليه لغير المسلمين يحتاج إلى مرسوم من السلطان “1809”، ولوحة زيارة سترافورد كانينغ في زيارة لتكية الصوفية الرفاعية “1809”، لوحة لعائلة مترجم البلاط العثماني “1750”، وامرأة تركية تدخن على الكنبة 1714 ـ 1715.ثانياً: الرحالة والفنانون، حيث مكنت نهاية التوسع العسكري العثماني في بداية القرن الثامن عشر تدفقا أكبر للسياح إلى تركيا، كما توج الغزو الفرنسي لمصر في 1798 والانهيار التالي للمماليك غزو آخر من الزوار والعلماء وعلماء الآثار السياح، ونتج عن هذا المزيد من التوظيف والتكليفات لفنانين كثر. وفي المقابل قام بعض الفنانين بتصوير رحلاتهم الخاصة، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر قام عدد واسع من الرحالة بنشر صور رحلاتهم. إضافة إلى ذلك كان هناك الهواة الذين يمارسون الرسم لمتعتهم الشخصية. وفي هذا القسم يقدم لوحة لمركب خنجة بجانب الضفة الشرقية للنيل في الأقصر “1840” وهي للفنان والكاتب والألسني وعالم الآثار والرحالة والمهندس أشيل كونستانت ثيودور، ولوحة لمنظر حصن موراني وجلالي عند مدخل ميناء مسقط “1793” لوليام دانيال وهو واحد من قلة من الفنانين الأوروبيين الذين زاروا مسقط، ولوحة لسبيل توفان باسطنبول “1829” والسبيل بناه أحمد أغا عام 1732 وهو مهندس عمل في خدمة السلطان محمد الأول، كان يقع قرب ضفة الماء على رصيف الميناء المزدحم بجوار التوفان أو الترسانة، لكن منطقة الرصيف البحري هذه ردمت وتغيرت جذريا، فالآن أصبح السبيل بعيدا عن البحر واختفت السوق، أيضا يضم هذا القسم لوحة للأمير جريجوري غارغين ابن السفير الروسي إلى روما، وهو يصور فتاة راقصة من شيماكا الواقعة إلى الغرب من باكو ـ عاصمة أذربيجان. يلي ذلك أقسام الحرب والتجارة ومجال المخيلة، وقد التزم تشارلز نيوتن أن يقدم تأريخا لموضوع اللوحة، ويلقي الضوء على ما تقدمه من معلومات خاصة بالحياة في زمن رسمها، كما يعرف بالفنان ما لم يكن مجهولاً.الكتاب صدر عن مشروع (كلمة) التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث بترجمة الشاعر والروائي اللبناني سامر أبوهواش، وجاء في 125 صفحة من القطع الكبير.