الاقتصاد اليمني اقتصاد ريعي ريف صغير ، من السهل أن يتأثر بالصدمات الداخلية والخارجية . كونه اقتصادا غير مؤسسي غير إنتاجي ضعيف الخدمات والبنية الأساسية ، مكشوف الحماية منهك القوى مصادر الموارد. وان كنا نعد ثورات التصحيح والتغيير والانتقال والتحول من الثورات الاجتماعية الضرورية حتما غايتها تجاوز حالات الركود التقليد والجمود والرتابة والتخلف والاستبداد، عندئذ يكون لها مهر وثمن وتكلفة واستحقاق، مقدم على أي اعتبارات لحسابات الخسائر والأضرار العابرة المؤقتة . اذ سرعان ما تتمكن الثورة من تجاوز حال الواقع البائس المنحط، والتفوق على فعل الضرر العابر والتعويق الجاري ، وتعويض كلفة الفرصة البديلة بمقادير أعظم بما لا يقاس مقابل اكتساب الحرية واستعادة الكرامة ، وإطلاق اسر حركة الحياة والنهوض. دعونا ننظر حال الاقتصاد اليوم بعد عام من الثورة في بعديه الإنتاجي والمالي . ونتناول حالته على نحو عام وموجز .وسنركز في هذه التناولة العابرة على القطاع المالي بصورة اكبر، وبالذات المالية العامة (للدولة مجازا) لنرى ونقدر ما وقع عليه من ضرر وخسائر مادية كمية فقط، وهل هي خسائر ضخمة فعلا ، قابلة للاسترداد والتعويض على فرض قاعدة الفرصة البديلة ؟ وهل نجمت تلك الخسائر العينية عن الثورة أصالة وتجريداً، أم ساهمت مقاومة السلطة للأحداث بدور مشهود ضاعف من حجم تلك الإضرار. لقد تأثرت مختلف القطاعات الاقتصادية وفروعها بفعل مقاومة السلطة للثورة ، ومنها قطع الخدمات من كهرباء ومياه ووقود وتقليص حركة النقل والاستيراد. ونهب الموارد والأصول . وذلك فعل عكسي طبيعي مارسته قوى الثورة المضادة وعلى صدرها تقف السلطة تجاه ثورة شبابية سلمية بمعنى الكلمة. إذن هي السلطة من قاوم الثورة ووقف ضدها وحاول كسرها وإفشالها ، مدفوعة بمصالحها الضخمة، وحماية لبقائها غير المشروع. مستخدمة أقصى آيات القوة الغاشمة المفرطة في فرض إرادتها وتثبيت هيمنتها . وبذلك كانت هي السبب والمتسبب في تلك الخسائر المادية والمالية ومن ثمة مضاعفة الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي تقدر اقتصاديا بين (4) و (5) مليارات دولار . وليس كما ذهب البعض مغاليا في التقدير. إذ تركزت معظم إضرارها على ساحات أمانة صنعاء وتعز ، وطالت البنية التحتية والعقارية . فضلا عن خسائر قطع الخدمات العامة .وهي في كل الأحوال والحسابات الاقتصادية والسياسية خسائر صغيرة، قياسا بما تحمله الثورة من ولادة يمن ديمقراطي حر جديد .حتى مثل هذه الخسائر الضحلة كان يمكن تعويضها سريعا خلال عام من عمر حكومة الثورة لو إن اقتصاديات عام الثورة لم يتم نهبها كما سيتضح لاحقا . على صعيد خسائر الناتج المحلي الإجمالي يقدرها احد الاقتصاديين بنسبة 28 % مقارنة مع عام 2010.م. وتعني تلك النسبة تراجع حجم الناتج وانكماشه العائد إلى إعاقة النمو من جهة ، ودك البنية التحتية والعقارية من جهة أخرى وقطع الخدمات العامة ثالثا وذلك انكماش كبير بحسب المصدر ، يصل حجمه إلى 8.4 مليار دولار ، من أصل حجم الناتج المحلي لعام 2010. البالغ 30 مليار دولار . وهو تقدير أولي يحتمل الخطأ والتصويب .ونعتقد انه يفتقر إلى الدقة الحسابية والأرقام الفعلية الإحصائية. وهنالك من يقدر الخسائر الإنتاجية بين (4) و (5) مليار دولار. وذلك بخلاف الإضرار التي لحقت بالبنية التحتية وقطاع الإنشاءات والعقار والعمال والتي لم يجر بعد حصرها وتصنيفها . وكان من الممكن تلافي هذه الخسائر لولا تعنت السلطة وإصرارها على قهر الشعب .كما أن قيمة تكلفة هذه الخسائر قد توفرت خلال عام الثورة كما سيأتي لاحقا .وفي سياق السيولة والعرض النقدي ، فان الاحتياطي من العملات الأجنبية لم يتأثر كثيرا قياسا بالعام الذي قبله . إذ انخفض هذا العنصر من 5.941 مليون دولار عام 2010 م إلى 4.531 مليون بفارق مقداره 1.410.مليون وبنسبة انخفاض تناهز 26 %.ويعزى سبب هذا الانخفاض إلى استخدام المبلغ في تمويل شراء جزء من المشتقات النفطية ، ودفع فاتورة استيراد المواد الغذائية ويبدو أن قيمة بيع النفط والغاز للفترة منذ انطلاق الأحداث لم تورد أو تضاف إلى حساب البنك المركزي وربما جرى استخدامها خارج نطاق الحسابات القومية . إذ هي لم تظهر مضافة إلى رصيد ذلك الاحتياطي المنهك القوى .ورغم أحداث الثورة والصراع الدائر ، لم يتأثر الجهاز المصرفي . واظهر حالة طبيعية مستقرة تنم عن حالة من التماسك والاتساق النقدي . إذ ارتفعت أصول البنك المركزي بنحو 23 مليار ريال عن عام 2010.مرتفعا إلى 1.868 مليون عام 2011 بنسبة 1.2 % وهو مؤشر يدل - ظاهرا على الأقل ومن غير تحليل أعمق - على حالة من الانضباط المالي والنقدي، مرجحا بالتضخم النقدي بهبوط سعر تبادل الريال مقابل العملات الأجنبية الأخرى. وبالمقابل تظهر أرقام العرض النقدي للفترة نفسها ارتفاعا طفيفا يناهز ملياري ريال مرتفعا من 2.266 مليون ريال إلى 2.268 مليون ريال .وهي زيادة لا تعكس قيمة الموارد العائدة من مبيعات النفط والغاز وربما القروض والهبات النقدية والعينية التي حصلت عليها اليمن خلال عام الثورة .مثل المساعدات العينية والنقدية التي حصلت عليها من دول الخليج . ويعني ذلك أن تلك الموارد قد تم حجز تدفقها النقدي خارج نطاق الجهاز المصرفي .وجرى استخدامها خارج مخصصات الموازنة العامة .أما على نطاق السيولة النقدية ، وعلى سياق متصل بالناتج المحلي ومدى صلته بالسيولة النقدية ووسائل الدفع ، فقد شهد العنصران علاقات تضاد وتنافر متعاكسة بين نمو الأول ونمو الثاني. .فقد جرى ضخ سيولة نقدية هائلة مخيفة إلى الأسواق، وذلك بمتوسط نمو سنوي للفترة 2...-2.1. بلغ 12.3 % في حين نما الناتج لنفس الفترة بمعدل وسطي بلغ 4.8 % . وذلك بفارق يناهز 7.5 % . وتنم الزيادة في السيولة النقدية عادة عن درجة عالية من إتباع سياسات التوسع النقدي المطلق ، وممارسة سلوك وفكر الخفة والميوعة والانزلاق للسياسة النقدية والمالية ، التي أفضت إلى إغراق الاقتصاد بكمية نقد ضخمة هائلة ، وإتخام الأسواق بكميات نوت ورقية تضخمية عبر سياسة إصدار نقدي ورقي مكشوف ، ومديونية ضخمة بحيث صارت تشكل عملاقا نقديا ضخما يصارع قزما صغير الحجم من السلع والخدمات المعروضة . حتى باتت مثل هذه الكتلة النقدية الضخمة الهائجة ، تعصف بالاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي ، وتشوه التنمية ، وترفع معدلات التضخم بنفس فارق العلاقة بين الطرفين من جهة ، وتلتهم ثانيا هامش القيمة الشرائية والتبادلية المتبقية للريال .كما أنها ما انفكت تغدق فقرا على فقر وبؤسا على انحطاط، وتستمر عاتية الحركة تعيد توزيع الثروة والدخول لصالح الفئات المثرية والطفيليين والفاسدين ، وتزرع مزيدا من الفقر والبطالة والتطرف متعدد الألوان . ويعكس ذلك الضخ النقدي الهائل هزال وضحالة وعقم السياسات المالية والنقدية . وذلك أمر كارثي خطير يستدعي الوقوف والمساءلة والمحاسبة ومن ثمة إعادة تقويم سياسات وعمل وسلطة وصلاحيات وكفاءة السلطتين النقدية والمالية . اللافت للنظر هنا أن السيولة النقدية المتداولة ( البنك نوت ) قد ارتفعت من 547ملياراً ريال عام 2010. إلى 815 ملياراً خلال الأشهر الثمانية من عام 2011 بفارق يصل إلى 268مليار، وبمعدل تضاعف مرة ونصف ، ويؤكد ذلك الارتفاع المتضاعف للسيولة مدى الإفراط النقدي الذي يجتاح شرايين الاقتصاد ويعصف باستقراره، ويبدد فرص نموه . وهو إعصار يجتاح قنوات التبادل والتوزيع ، والاستهلاك ، يتمم الإجهاز على قيمة العملة الوطنية ، ويقض امن وعافية واستقرار وتماسك المجتمع . المثير للقلق هنا والمنافي للسياسات الاقتصادية ارتفاع حجم الإفراط النقدي إلى الناتج المحلي من 48.2% عام 2010. إلى 89.3 % نهاية أغسطس من عام 2011 . ومن مدركات السياسة الاقتصادية النقدية أن يسمح بعلاقة زيادة السيولة النقدية السنوية بمقدار يضاهي ويماثل معدل النمو الاقتصادي . وأي زيادة تنداح أكثر عن ذلك المعدل ستهب عاصفة تضخمية كاسحة تعصف بالموازين الاقتصادية الكلية الداخلية منها والخارجية ، كما تعمل على عضد وتعميق وتوسيع دوائر الفقر المدقع والملق الاجتماعي وتضيف إلى البطالة والاضطراب الاجتماعي والسياسي زخما حادا .المفارقة المدهشة المزعجة في آن واحد ، تتمثل في درجة علاقة التناقض والتضاد القائمة بين درجة الإفراط النقدي المتضاعف مرة ونصف مرة وبين حالة انكماش الاقتصاد بنسبة 28 % . في حين كان من منطلق الفرض المنطقي الاقتصادي أن تعمل زيادة الكتلة النقدية على رفع معدل النمو الاقتصادي السنوي ، وليس بعكس الحالة بسقوط الاقتصاد في دائرة الانكماش . وذلك أمر غريب عجيب لا يستقيم اقتصاديا ، وليس له صلة بالقانون الاقتصادي العام ، بقدر ما يفضح فقه الفساد السائد في جهاز الدولة العفن الفاشل ومدى عقم السياستين النقدية والمالية والتنموية . وعلى أي حال فان الراجح أن مقدار الخسائر غير المباشرة التي تكبدها الاقتصاد تقدر بين (4) و (5) مليارات دولاركما سلف القول . وهي تعادل نسبة 17% بينما حجم الموارد التي تدفقت على البلد خلال عام الثورة قد بلغت 15.246مليون دولار .قادرة على تمويل كلفة مثل هذه الخسائر والإضرار بثلاثة إضعاف . ونتابع هنا مصدر تلك الأرقام من خلال الوقائع التالية . ما برحت الضرائب تشكل نسبة 30. % من هيكل الموارد العامة ( تعادل 36. مليار ) ونحو 7.5 % من هيكل الناتج المحلي الإجمالي . في حين تقدر مصادر انخفاض عوائد الضريبة العامة نهاية عام 2011 بنسبة 6. % ( 36. -6.% = مليار 26. ) بصافي حصيلة متوقعة الوصل والتحصيل تبلغ 1.. مليار ريال .(تعادل 416 مليون دولار ) هذا وتقدر فائض الزيادة من عوائد النفط فقط ارتفاعا بنسبة 6. % صاعدة من 2.4 إلى 4.8مليار دولار . كما أن مبيعات المشتقات النفطية قد ارتفعت بنسبة 22. % من 2.4 مليار دولار إلى 5.28 . إضافة إلى تجميد مخصصات الاستثمار البالغ حجمها 36. مليار ريال، بحيث تعد بحكم الفائض ( تعادل 1.5 مليار دولار ) . علاوة على قيمة المعونات العينية والنقدية من دول الخليج، التي تقدر بنحو 1.5 مليار دولار هذا إلى جانب حصيلة ما استدانته الحكومة من الجهاز المصرفي البالغ 227مليار ريال بما يعادل ( 1..3مليار دولار ) في حين أن عجز الموازنة قد بلغ بالدولار 72. مليون .قد جرى تمويله عبر الإصدار النقدي المكشوف . وينبغي إضافته إلى جملة الموارد المحصورة آنفا . إذن تشكل جملة هذه البنود المختلفة مبلغ 15.246 مليون دولار . بينما قدرت موازنة عام 2011 بنحو 7.1 مليار دولار .هذا وتدعي مصادر رسمية أن عجز الموازنة للفترة ذاتها مبلغ 7.8 مليون دولار. وبإضافة حجم العجز المعلن إلى جملة الموارد المشار إليها آنفا ، تكون الحكومة قد صرفت فعلا خلال عام الثورة مبلغ 15.246 مليون دولار، وذلك بفارق فائض مالي يفوق مخصصات الموازنة العامة للفترة، بمبلغ 8.146 مليار دولار . وهو فارق يماثل مرة ونحو عشرين اعتماد الموازنة . إذن يتضح جليا أن الثورة لم تؤثر على موارد المالية العامة بل زادتها مضاعفة ، بل ما حدث هو أن السلطة السياسية قد استغلت ظرف الثورة لتضاعف من مواردها المالية المحلية والخارجية وتحرم الشعب من خدمات الكهرباء والوقود ، لتعود وتستخدم جل الموارد في تمويل نفقات وصفقات عنف مشبوهة غير اقتصادية غير اجتماعية غير ضرورية ، غير معلومة وجهاتها على وجه اليقين. ومن ذلك تمويل نفقات القوة والعنف المفرطين ضد شباب ساحات الحرية والثورة الأمر الذي تسبب في تدمير مساحات من البنية التحتية ومن الثروة العقارية .كما أنها تسببت في عوق انسياب حركة الاستيراد والتصدير .صفوة القول إذن أن الخسائر الاقتصادية متواضعة ولا تزيد في أقصى مداها وحجمها على 5 مليارات أي نسبة 17 % من حجم الناتج.ولا تشكل غير نسبة 72 % من موازنة عام 2011 / في حين أن الموارد المتدفقة على خزينة الدولة بلغت 15.246مليون دولار تشكل نسبة 214.14 % بحيث تكفي لتغطية تمويل نفقات موازنة العام المنصرم ( 5.6 مليار دولار. بعد خصم نفقات الاستثمار 1.5 مليار ) ، وكذلك تمويل نفقات خسائر الحرب في اعلى توقعاتها ( 8 مليار+ 5.6= 13.6 ) ليفيض عن ذلك مبلغ 1.646مليون دولار . وهي موارد مالية اقتصادية مهدورة ومنهوبة تذكرنا بنهب 11 مليار دولار أهدرت كاعتمادات إضافية . [c1][email protected] [/c]
|
آراء
حال الاقتصاد بعد عام من الثورة !
أخبار متعلقة