الجميع يعلم - ماعدا البعض ممن لا يريد الخير لهذا البلد - أن الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها في 21 فبراير الجاري لم تكن في يوم من الأيام غاية أو نهاية لثورة الشباب السلمية بل هي الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف الثورة التي تلتقي مع هذه الانتخابات ولا تتقاطع معها البتة لكونها الخطوة الأولى في إيجاد الأرضية المناسبة والخصبة لتحقيق منطلقات وأهداف الشباب الذين كان لهم الانتصار العظيم في القضاء على النظام السابق ورسم ملامح الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية التي تستوعب كافة الأطر السياسية والاجتماعية النهضوية.وحين أعلن الشباب رفضهم للمبادرة الخليجية وغيرهم الكثير من أبناء الوطن لأسباب مطلبية ذات علاقة بمحاكمة النظام، ومع احترامنا وتقديرنا لهذا الرأي إلا أن مبدأ التسليم به في ضوء خصائص المشهد السياسي للبلاد سيقود إلى متاهات أكبر حيث لم يكن هؤلاء يدركون حقيقة الواقع اليمني بتفصيلاته وتعقيداته المتداخلة والمتنافرة ،التي لا يمكن لأحد التكهن بما سينتج عنها من فوضى يمكنها إعادة إنتاج كوابيس النظام ومآسيه مرة ثانية وثالثة وربما رابعة وهي الحقيقة التي تفصح عنها البلدان التي احتضنت ثورات الربيع العربي والتي مازالت للأسف تعيش في خضم الصراعات والاختلافات المدمرة للأرض والإنسان، فيما البعض منها لم تر ثورتها بصيصاً من النجاح أو أمل الحرية والانعتاق من النظام الذي ثار الشعب ضده وخير مثال على ذلك ما يجري اليوم في سوريا التي تعيش الفوضى والقتل والدمار حتى الساعة.لذلك فإن الانتخابات المضمنة في المبادرة الخليجية ما هي إلا بداية جديدة يجري وفقاً لنتائجها استبدال منظومة كاملة من السياسات والتقاليد والثقافات والعلاقات بأخرى جديدة تختلف في مجملها وأيضا في جوهرها عما كان في السابق.وهو الهدف الاسمى والرئيس للانتخابات الرئاسية المبكرة، وبداية جادة لبناء الدولة اليمنية الحديثة، لأن الانتخابات الحرة والنزيهة المحتكمة للمعايير الدولية هي البوابة الوحيدة للانتقال السلمي للسلطة بغض النظر عن غياب العملية التنافسية، لأن الإجماع الوطني على المرشح التوافقي يعكس رغبة حضارية من أغلبية الأطراف السياسية الفاعلة والمتصارعة على السلطة التي وقعت على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والملتزمة بقرار مجلس الأمن. وبذلك نكون قد انهينا عاماً من القتال الذي أدى إلى تعميق الأزمة الإنسانية وما تخللته من مواقف تقاطعت فيها آراؤنا «المندفعة والمتحمسة» في مجمل الساحات ، مع الأطراف السياسية التي كانت تتصدر المشهد في إدارة المعركة سياسياً مع النظام ، تلك المواقف التي كنا نراها مجحفة في حق ثورتنا ، وعائقاً أمام تحقيق مطالبنا ، بل وصفها بعضنا بـ «الخائنة» لدماء الشهداء، ثم أتت بعد ذلك العديد من الأحداث ، لتكشف لنا حقيقة أن تلك المواقف من طرف قيادات المعارضة العقلانية كانت على العكس مما كنا نظن.إذن يبقى على الجميع الاصطفاف الواعي والمدرك لحقيقة المآلات التغييرية الايجابية التي تمثلها الانتخابات الرئاسية التوافقية المبكرة باختيار المشير عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً والذي بدوره سوف يفتح المجال أمام القوى الفاعلة ومنها الشبابية للمشاركة في بناء الدولة المدنية على قاعدة الانتصار للمواطنة المتساوية والاحتكام لسيادة القانون وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرفاهية والتي سيواكبها بالضرورة إعادة إنتاج قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبما يزيل تلك التناقضات الطبقية والممارسات الخاطئة التي ولدت الحقد الاجتماعي بين شرائح وفئات المجتمع اليمني.وهذه هي المهام المنتظرة أمام الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني في الفترة المقبلة وهي في حقيقة الأمر مهام صعبة وفي الوقت نفسه ليست بالمستحيلة إذا ما توافرت المصداقية والموضوعية والثقة بين طرفي العملية السياسية في إدارة عجلة الزمن للأمام وهو ما يفرض على تلك الأطراف الشروع الجاد والمستوعب لحجم المسئولية الكبيرة الواقعة على عاتقها وهي مسئولية ستحاسب عليها بلاشك في حال فشلها في تحقيق مفرداتها أمام التاريخ.وليفقه الجميع أننا نسير إلى مرحلة نوعية تؤسس لشرعية جديدة تلتقي عندها أحلام وأمنيات طالما حلمنا بها..نعم..أحلام وأمنيات استجاب لدموعها القدر وبات الوصول إلى حقيقة وجودها قاب قوسين أو أدنى، وشتان بين شرعية الأمس المدمرة للأرض والإنسان وشرعية ما بعد 21فبراير المنتشية بعناوين العيش الكريم والآمن..إنهما خياران لا ثالث لهما فأيهما نختار؟؟
شرعية اليوم وشرعية الأمس
أخبار متعلقة