في القرن الـ 19 احكم الأتراك والبريطانيون سيطرتهم على جنوب شبه الجزيرة وتم ترسيم الحدود الجغرافية بين نفوذ كل منهما بما يسمى اتفاق الحدود عام 1914 م وعلى أساسه تم تشكيل سياسي وجغرافي جديد لمنطقة جنوب شبه الجزيرة حيث خضع الجزء الشمالي للحكم العثماني ما عرف في ما بعد بالمملكة المتوكلية اليمنية (الجمهورية العربية اليمنية لاحقاً) والجزء الجنوبي للحماية البريطانية (اتحاد الجنوب العربي ) وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لاحقاً.المجال ليس هنا لسرد التفاصيل التاريخية ولكن للحديث عن الوضع الاجتماعي كمقدمة لحديثي هذا لإخوتي أبناء الجنوب.كانت الهضبة الوسطى وحدة جغرافية واجتماعية بل سياسية احياناً كان آخرها عام 1980 حيث بسطت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية نفوذها الى القرب من ذمار في أواخر عقد السبعينات حيث خضعت مناطق الهضبة الشمالية للحكم الاشتراكي الجنوبي بل وقفت مؤيدةً له .وقبلها في العشرينات وصلت قوات الأئمة الزيديين الى نوبة دكيم قرب الحوطة عاصمة لحج وهكذا دواليك.وظلت الصراعات في هذه الهضبة الجغرافية ، والحركة الاقتصادية والاجتماعية والهجرة في إطار هذه المنطقة داخلها أو إلى خارجها احياناً كما هو الحال في الجزيرة العربية كاملاً .في منتصف القرن العشرين كانت الهجرة الشمالية أكثر إلى الجنوب تزامناً مع النشاط والازدهار التجاري الذي حصل لعدن خلال إدارة بريطانيا لميناء عدن . كانت المناطق الخاضعة للحكم الزيدي في إطار الهضبة ملجأ آمنا للمعارضين و المقاومين للحكم البريطاني لعدن والمحميات وكذلك العكس كانت الجنوب ملجأ للمعارضين لحكم الأئمة الزيديين الذين خلفوا العثمانيين في حكم المنطقة الشمالية بموجب اتفاق دعان. وهناك مئات الآلاف من أبناء الجنوب ترجع أصولهم إلى الشمال وكذلك العكس ولكن لكل منهم أسبابه التي دفعته إلى الهجرة.استمرت الهجرة البينية في إطار الهضبة الى ما بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر.. الشماليون نزحوا بعد حزيران باعتبار ان الثورة ذبحت بعد ان سيطر عليها المشايخ حينها وفي الجنوب تم إقصاء طبقة اجتماعية بعينها من كبار الملاك والأسر الثرية تعرضت للتصفية والطرد بالإضافة إلى السلاطين والمشايخ .انا وغيري كَثر اصولنا شمالية واخترنا ان نكون جنوبيين ومن مواطني جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هاجرت مع أسرتي من بلدتي الحدودية إلى الجنوب في السبعينات واخترنا الجنوب لنا موطناً وانخرطنا في السلك العسكري والمدني واخلصنا لوطننا الجنوب والعالم الله انه كان ولاؤنا للجنوب. ذدنا عن حدودنا وشاركنا وضحينا من اجل الحفاظ على استقلال بلادنا(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) بل كان منا ضحايا كثر في صراعات إخواننا على الحكم في عدن كجزء من المجتمع الجنوبي الذي أنهكته تلك الصراعات.خسرت أنبل واشرف أصدقائي الأبطال في مختلف المعارك سواء دفاعاً عن الجنوب وسيادتها أو في إطار الصراعات الداخلية وواجهنا المؤامرات التي حاولت القضاء على تجربة الدولة الوطنية الجديدة في الجنوب التي كانت نبراس أمل لنعيش بحرية وكرامة على رغم ما شابها من أخطاء ولكنها كانت دولة وطنية حفظت للإنسان الجنوبي كرامته وحققت العدل إلى المستوى المقبول .قد يقول جاهل انتم شماليون سلمناكم زمام أمرنا وانتم لاجئون وأوصلناكم إلى أعلى المناصب والرتب فأقول نحن من أوصلنا أنفسنا إلى أعلى المراتب قولاً وعملاً حباً وايماناً وتضحية في سبيل الدفاع عن مكتسبات ثورة 14 أكتوبر المجيدة اعتبرنا الجنوب وطننا وأبناء الجنوب أهلنا ، هناك من يحملنا كل أخطاء الماضي ومنهم من يقول انتم من كان يتحكم بالجنوب ومصيره تلميحاً للرئيس الشهيد عبد الفتاح اسماعيل على أساس انه هو من خطط ودعا للوحدة اليمنية وعمل على تسمية الجنوب باليمن الجنوبي، دون معرفة ولا دراية بالتاريخ او متعمدين أو متناسين ان أول رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الرئيس الراحل قحطان الشعبي كان وزيراً في حكومة الجمهورية العربية اليمنية لشؤون الوحدة حينها لم يكن لعبد الفتاح أو غيره من أبناء الشمال أي تأثير بالقرار الجنوبي .كم اشعر بالألم وانا ارى كل رفاق فتاح ومن عرفوه وهم يشاهدون حملة تشويه لتاريخه النضالي من أشخاص نكرات ..عبدالفتاح لم يحكم الجنوب ولم يكن صاحب القرار فيه بل استطيع أن اؤكد أن فتاح لم تتلطخ يده بقطرة دم جنوبية خلال رئاسته للجنوب أكثر من سنتين ولم يفرط بشبر من ارض الجنوب ولم يعين أقاربه في الحكم ولم يعمل على تغيير موازين القوة العسكرية لصالحه وعندما ارغم على الاستقالة قال كلمته الشهيرة ان (الجرح لم يندمل بعد) عندما عُرض عليه المقاومة من مؤيدين كُثر في القطاع العسكري والأمني الجنوبي ولكن حبه للجنوب وحرصاً على الدم الجنوبي لم يفرط بقطرةً دم جنوبية في سبيل الحفاظ على كرسي الحكم ومات يرحمه الله مديناً لا يملك لا قليلاً ولا كثيراً. انا هنا لا أدافع عن تجربة الحكم السابق ولكن شهادة لنقاء ونظافة القيادة ولو لم يكن الشهيد علي عنتر ورفاقه على دراية ومعر فة بعبد الفتاح لما اصروا على عودته ليشارك الحكم في الجنوب.مر الجنوب بعدد من دورات الصراع الدامي خلال المرحلة منذ الاستقلال حتى اليوم. كان للجنوبيين من أصول شمالية دور في ذلك الصراع سلباً وإيجابا، هزموا وانتصروا وضحوا في إطار الصراع بآلاف الشهداء في سبيل ما كانوا مقتنعين به .عند إعلان الوحدة كان لكثير من الجنوبيين من أصول شمالية تحفظ على الطريقة التي تمت بها الوحدة وكان الشهيد جارلله عمر ابرز رموز الرفض لتلك الطريقة حيث كان قد قدم وشارك في وثيقة الإصلاح السياسي والاقتصادي في الجنوب بعد 86 وقدم تقريره الشهير للمكتب السياسي عام 89 بعدم جدوى الوحدة مع الشمال خلال 10 سنوات وأول من تبنى الدعوة للتعددية السياسية في الجنوب وتعرض حينها للنقد وبعض المزايدين طالب بمحاكمته. بعد الوحدة كان الجنوبيون من أصول شمالية هم وقود الصراع وللعلم فإن 150 شهيداً خلال الفترة الانتقالية كلهم جنوبيون من أصول شمالية عندما أعلن نظام صنعاء الحرب على الجنوب عام 94 كان لنا موقف في الدفاع والذود عن الجنوب ومواجهة الآلة العسكرية لنظام صنعاء. قد يقول جاهل انه (لم تقرح طماشة من قعطبة شمالاً) ولكن من عاش تلك الفترة كان يعرف تخبط القيادة التي لم تحسم امرها في الصراع في إطار الجمهورية اليمنية ككل أو في إطار الدفاع عن الجنوب وفك الارتباط رغم تحذيراتنا وتقاريرنا للقيادة عن نية الحرب لنظام صنعاء لاحتلال عدن . في حرب عام 94 هناك المئات من الشهداء سقطوا في كل المناطق استماتة في الدفاع عن ارض الجنوب ومواجهة العدوان ، ابو جميل في الشعيب مثلاً وأبناء القمري في حوطة حرير وناجي محسن في الوهط ، وهناك كثير سقطوا في جبهة دوفس وصبر (للاستدلال فقط).ولا انكر أن هناك كثيراً من أبناء الجنوب الشماليين وقفوا مع نظام صنعاء مثلهم مثل كثير من أبناء الجنوب الذين شاركوا قوات صالح احتلال الجنوب.استبشرنا خيراً بالتصالح والتسامح الجنوبي في جمعية ردفان عام 2006 ولكن ما لاحظته أن التصالح والتسامح لم يسعنا ولم نجد من يدافع عنا أو يشاركنا الحفاظ على وطنيتنا الجنوبية التي سلبها النظام رغم أننا شاركنا في أول مظاهرات جنوبية في المهجر ورفعنا علم الجنوب مع الإخوة في قيادة تجمع تاج في عام 2005.التصالح والتسامح الجنوبي وسع من قتلوا ابطال الجنوب ووسع من حاولوا تفجير مصفاة عدن وإحراق عدن في الثمانينات ولم يسع الشهيد عبد الفتاح اسماعيل واسرته .. التصالح الجنوبي وسع الذين دكوا بدباباتهم حصون عدن وفتحوها للغزاة القادمين من صنعاء ولم يسع الشهيد جار الله عمرالذي اوصى بعدم جدوى الوحدة قبل عشر سنوات .. التصالح الجنوبي لن يكتمل ما لم يسع كل أبناء الجنوب بمختلف مشاربهم وأفكارهم وأصولهم.إلى اخواني الباحثين عن وطن ان لم تتسع صدورنا لبعضنا فلن تقوم لنا قائمة ما دمنا نفكر ببناء وطن على أساس عنصري لا يقبله الزمن أو المنطق .. والأهداف النبيلة لا بد ان تكون نبيلة بكل معنى الكلمة.
|
فكر
فليسعنا التصالح والتسامح
أخبار متعلقة