سطور
كتب/ عبدالعزيز بنعبو عندما ينطلق الفنان التشكيلي عمر البلغيثي، من فكرة الفن لأجل الفن. فإنه لا يزايد ولا يبالغ، بل يفصح عن ما يؤمن به، مع الاقتناع الكامل أن ما يروج في المشهد التشكيلي المغربي له ما له وعليه ما عليه، وكما يحتمل الصواب فهو أيضا يحتمل الخطأ، لكنه لا يغالي في بساطته وبساطة لوحاته، فهي الواجهة والعمق معا، حين يصير الحلم واقعا والواقع حلما. بمعنى أن يتمكن المبدع من المزاوجة بين الشكل المرئي واللون المتوفر من جهة وبين السباحة في الخيال والنهل من الحلم من جهة أخرى. أول لقاءاتي مع هذا الفنان، كانت على هامش ندوة لا علاقة لها بالفن لا من قريب ولا من بعيد، وربما مهنته تحتم عليه أن يكون حاضرا في كل الأنشطة والتظاهرات ذات الصلة بالمعرفة العامة. لكنك حالما تصافحه وتحادثه تحس شيئا غريبا في حماسته ولهفته على تفتيت الجملة الوصفية لحالته العاشقة للون والشكل بمعنى أصح عشقه للوحة ولو كانت مجرد بياض. كنت على يقين أنني سأعيش الإبهار مع لوحاته وبالفعل ذلك ما أحسسته وأنا أتأملها، من الوهلة الأولى تظنها متكررة في مناطق أخرى، لكن مع الاقتراب منها أكثر ومعانقة تموجاتها تعيش معها الاستثناء وتحسها مختلفة ومتوحدة في الآن نفسه. وهو ما أسميه الاستثناء من داخل المعتاد. فذلك الفرس أو ذلك الباب أو تلك الباحة أو كل تلك الأشكال اليومية التي نرتادها دون أن ندرك أنها هنا تمنحنا الجمال والامتداد والفخر، يجعلها عمر البلغيثي تتصدر أولوياتنا البصرية ولا نستهلكها بقدر ما نعود إليها ونحس بالانتماء إليها. هذا فيما يخص الفكرة المجردة، أما الاشتغال عليها فالأكيد أن عمر متمرس، وريشته متمكنة، وصيغة تصريفه لخطابه التشكيلي مميزة بناء على ترجمة أحاسيسه وأحاسيس اليومي الذي نعيشه دون أن نلتفت إليه، لذلك فعندما نجد صورا اعتدناها في مصادفاتنا، مرسومة وموسومة بعلامة الإبداع فإننا حتما نحس أن ذلك يستحق العناء. إضافة إلى ذلك فإن ما يميز عمر البلغيثي أن هدفه هو تقريب اللوحة من المتلقي وجعل التشكيل أوكسجينا يتنفسه هذا المتلقي حتى ولو كان بعيدا عن لحظة الإبداع إلا أنه من اللازم على الفنانين أن يقتربوا أكثر ويتواصلوا بشكل أكثر حنو من عموم الجمهور. كما يؤكد أنه في كل معارضه لا يضع نصب عينيه مسألة الربح المادي بل يعرض أعماله ويمضي سعيدا بإقبال الناس عليها. ختاما نؤكد أن لوحات عمر البلغيثي تجسد الرغبة في فتح الأفق والسباحة في يم الإبداع، والتحليق في فضاء الحلم المرتبط بالواقع، وهذه المزاوجة العميقة جعلت من اللوحات عبارة عن تكريس للحظة التأمل من جهة ومن جهة أخرى انفتاح على اللحظات والأشكال الحالمة.