يضم مائة صفحة من رواية غير مكتملة
د. لنا عبدالرحمنتزامنت الذكرى السنوية لميلاده مع إعلان صالة (سوثبي) للمزادات في لندن، عن عرضها لبيع المجموعة الأرشيفية الخاصة بالروائي العالمي نجيب محفوظ، ولم تفصح عن مصدرها أو كيفية خروجها من مصر. وكانت دار (سوثبي) البريطانية، قد أعلنت من قبل عن بيع أرشيف نادر لنجيب محفوظ في مزاد علني بلندن.ويضم أرشيف محفوظ المخطوط مائة صفحة من رواية غير مكتملة بعنوان (قصة من السودان)، يبدو أن محفوظ كتبها في الأربعينيات بقلم حبر، وبعضها بقلم رصاص في كشكول مدرسي. وهناك أيضاً بعض المخطوطات التي تضم تأملات محفوظ عن الفلسفة الإسلامية وتعود إلى الثلاثينيات، كذلك يضم المزاد - الذي ألغي - ملفاً يشمل أربع قصص غير منشورة من بدايات محفوظ الأولى: (الرجل القوي) و(الزفة الميري) و(العود والنرجيلة) و(حدائق الورد). كذلك، يضم ملف آخر قصصاً لمحفوظ تحت عناوين (البحث عن زوج) المؤرخة بعام 1937، ومجموعة قصص (همس الجنون) التي كتبها عام 1938 كذلك مخطوط أصلي لكتابه (أحلام فترة النقاهة)، وتضمن ثلاثين حلماً كتبها بخط مرتعش عندما كان يتدرب على الكتابة بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال، ولا يتعدى كل حلم أكثر من فقرة واحدة. وتعرض (سوثبي) مخطوطات منشورة ومائة وتسع عشرة صورة لمحفوظ مع عدد من الأدباء العرب وصوراً عائلية.وقالت فاطمة نجيب محفوظ، ابنة الأديب العالمي الراحل، إن مخطوطات والدها النادرة مسروقة ولم تخرج من مصر بعلم الأسرة، التي علمت بنبأ البيع منذ فترة تولي د. عماد أبوغازي لوزارة الثقافة والذي وعد بمخاطبة الجهات المعنية لوقف عملية البيع.وأوضحت ابنة نجيب محفوظ بأن الأمر لم يقتصر على حد مخاطبة وزير الثقافة السابق فحسب، بل أيضا عمرو موسى المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، والذي وعد أيضا بالتدخل لوقف عملية البيع، إضافة إلى المحامي الخاص بالعائلة، الذي قام بدوره بمخاطبة دار (سوثبي) البريطانية التي ستجري المزاد، إلا أنهم رفضوا وقف البيع، قائلة: كثيرا ما كتب والدي قبل رحيله عن اختفاء بعض المخطوطات الخاصة به وكان من بينها (أحلام فترة النقاهة) التي أهداها لوالدتي. وأبدت دهشتها مما يحدث قائلة: لا أعرف ما السبب في تمسك هذه الدار ببيع مخطوطات والدي، وعلى الرغم من يقين تلك الجهة بأن هذه المخطوطات (مسروقة).وبعد بذل مساع مشتركة بين وزارة الثقافة والخارجية تم وقف بيع مقتنيات الأديب العالمي نجيب محفوظ في صالة (سوثبي) في لندن.سفير مصر في لندن (حاتم سيف النصر)، قال: (إن جهودا مشتركة من وزارتي الخارجية والثقافة في مصر ومن خلال السفارة المصرية في لندن، أسفرت عن وقف بيع مقتنيات الأديب العالمي نجيب محفوظ في صالة سوثبي في لندن).وعند سؤال د. شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الحالي، قال: (إن الوزارة تدرس كيفية التعامل مع مسألة شراء المجموعة الأرشيفية الخاصة بنجيب محفوظ)، وأوضح أنه سيبحث تشكيل لجنة لتحديد قدرة الوزارة على توفير اعتماد مالي لشراء المجموعة التي أوقفت وزارة الخارجية المصرية بيعها في مزاد، إذا ما أثبتت (سوثبي) خروجها من مصر بشكل قانوني واستأنفت البيع.وكانت صحيفة (الجارديان) البريطانية، قد ذكرت أن وزارة الثقافة المصرية ودار النشر بالجامعة الأميركية قالتا إنهما تفتقران للاعتمادات المالية اللازمة لشراء المجموعة؛ ورفضت مديرة قسم النشر بالجامعة الأميركية نبيلة عقل أي حديث عن إمكانية شراء الجامعة للمجموعة؛ لأنها مسروقة ويجب أن تعاد إلى مصر، وأي سؤال حول بيعها من عدمه يوجه إلى عائلة محفوظ فقط.وفي سياق متصل، قالت الكاتبة سناء البيسي رئيس تحرير مجلة (نصف الدنيا) سابقاً، إنه لا علم لديها عن كيفية وصول النسخة الخطية التي كتبها نجيب محفوظ من كتابه (أحلام فترة النقاهة) إلى لندن للعرض في مزاد بصالة (سوثبي)، ضمن المجموعة المعروضة للبيع، وأشارت إلى أنها لا تزال تحتفظ بمخطوطات الأعمال، التي نشرتها لـ (نجيب محفوظ) الحائز على نوبل خلال فترة رئاستها لتحرير المجلة منذ عام 1990 إلى 2005. وأشارت البيسي - التي تمتعت بثقة نجيب محفوظ - إلى أن ما لديها من مخطوطات لمحفوظ ستتركها إرثاً لأحفادها من نجلها الوحيد هشام منير كنعان، وأنها لم تحتفظ بكامل مخطوطات الكتاب، الذي نشر على حلقات خص بها مجلة (نصف الدنيا)، التي كان ينشر بها كل جديد يكتبه منذ عام 1990 ومنها (أحلام فترة النقاهة) و(أصداء السيرة الذاتية) ومجموعة قصص قصيرة أخرى. ولم يعط مقيم المجموعة د. آلان هاين أستاذ بمدرسة لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، أي معلومات عن مصدر المجموعة، ولكنه قال: (إنه من المثير للغاية دائماً أن تمسك بين يديك بكتابات أصلية لكاتب كبير، خاصة إذا كان من طراز محفوظ). وأضاف أن مخطوطات صاحب (الثلاثية) كانت مميزة بشكل خاص ومن ضمنها مخطوط نصه الشهير (أحلام فترة النقاهة) الذي خص به مجلة (نصف الدنيا) التي تصدرها مؤسسة الأهرام، ويظهر إلى أي مدى تأثرت حالته الجسدية وكتابته بمحاولة اغتياله. وأضاف: (بدون أن أبدو عاطفياً للغاية، أعتقد أنه يمكننا أن نرى الشجاعة والتصميم من خلال خط يديه المرتعش، وتعطي الكتابات المبكرة استبصارات حول الطريقة التي كان يدون بها أفكاره كتابة). أما الباحث في أعمال نجيب محفوظ (د. رشيد العناني) والأستاذ بإحدى أعرق الجامعات البريطانية، فعلق قائلاً: (أنا منزعج للغاية لرؤية كنوزنا الوطنية تخرج من موطنها الأصلي). وأضاف: (أعتقد أن محفوظ كان يوصف بأنه الهرم الرابع، لكني أعتقد بأن شخصا ما قد هرب تلك المجموعة من مصر لعرضها في المزاد).كما أوضح مترجم أعمال محفوظ (رايموند ستوك)، بأنه لا علم لديه عن مالك تلك المجموعة، ولكنه قال إنه كان يعمل مع صديق له مع بائع كتب بنيويورك لشراء أشياء كانا يعتقدان أنها تعود لنجيب محفوظ. وقد ورد اسم الروائي جمال الغيطاني من ضمن الشخصيات التي التقط معها نجيب محفوظ مجموعة من الصور الخاصة والمعروضة للبيع في المزاد، وتقدر بمائة وسبع عشرة صورة شخصية وعائلية. من جانبه قال الغيطاني: (أثار دهشتي هذا العدد الكبير من الصور المسربة للبيع، وكل صوري مع نجيب محفوظ أو غيرنا من محبيه وتلامذته لم تكن لدى أحد منا، وقد كنا نلتقط معه الصور كثيراً).وأضاف الغيطاني: (الذي أعرفه عنه أنه لم يكن يهتم كثيرا بأصول المخطوطات التي كان يكتبها بعد الانتهاء منها، لدرجة أن عملاً عظيما كـ (الثلاثية) ظل ملقى في مكتبة السحار (الكاتب عبدالحميد جودة السحار) لمدة عام كامل دون أن يسترده بسبب رفض السحار وقتها لنشر (الثلاثية) لضخامتها).ويرجح أنه (ربما استطاع البعض أن يحتفظ بهذه الأصول لنفسه بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب، والذي أعرفه أن مؤسسة (الأهرام) و(مطبعة مصر) هما المكانان الوحيدان اللذان كان محفوظ يرسل إليهما أعماله بخط يده. ومن المؤسف حقا أن يخرج هذا التراث إلى خارج مصر دون أن نعرف ونكتشف هذا إلا بالصدفة من خلال مزاد).وقال الروائي يوسف القعيد - وهو صديق مقرب لمحفوظ وعائلته: (إن ابنتي نجيب محفوظ تعتقدان أن هذه المخطوطات قد سرقت من بيت والدهما الذي ما زالتا تقطنان فيه حتى اليوم مع والدتهما، وإذا كانتا تعرضتا لحادث سطو، فلماذا لم تبلغا الجهات الأمنية للقبض على الجناة واستعادة المسروقات التي لم تعد تخص عائلة نجيب محفوظ وحدها، بل تعد تراثا قوميا لكل المصريين؟ لهذا فأنا أحملهما المسئولية ضمنيا عن ضياع هذه المخطوطات). وأضاف القعيد: (أنا شخصيا لم أسمع من قبل عن هذه المخطوطات، وواضح من عناوينها أنها تعود إلى فترات مبكرة من حياة نجيب محفوظ، فمنها مخطوطة بعنوان (قصة عن السودان)، وهي رواية غير مكتملة وتعود، بحسب ما نشر عنها من معلومات لعرضها للبيع، إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي).ونفى القعيد ما تردد عن أن عائلة الكردي - زوج شقيقة نجيب محفوظ- تكون قد باعت مثل هذه المخطوطات قائلا: (كل ما أعرفه أن عائلة الكردي كانت تملك صورا عائلية خاصة لوالدة نجيب محفوظ ووالده، وهو لم يكن يمتلك مثل هذه الصور، ولقد طلب مني نجيب في فترة الثمانينات أن أعطيه منها نسخا مطبوعة بعد أن استرجع زوج شقيقته الأصول مني وقتها؛ في إطار موضوع أرشيفي قدمته دار (الهلال) عن نجيب محفوظ).ويقترح: (إذا لم نتمكن من وقف بيع هذه المقتنيات النادرة، فعلى الأقل على الحكومة المصرية أو رجال الأعمال المصريين شراء هذه المخطوطات المسروقة لأنها تمثل تراثا قوميا. وسبعون ألف جنيه استرليني مبلغ هزيل مقارنة بقيمة محفوظ). تفاصيل أخرىوكشفت فاطمة محفوظ (ابنة نجيب محفوظ) أن (الصفقة المشبوهة تعود تفاصيلها إلى عام 2008، حينما زارتنا سيدة أميركية في المنزل، وقالت إنها من طرف صديق عزيز لوالدي - فضلت عدم الكشف عن اسمه - لأمر يخص جامعة هارفارد الأميركية؛ وحينما استقبلناها فوجئنا بأنها تحدثنا عن حصولها على بعض من المخطوطات المعروضة الآن للبيع، وطالبت بأن تضم إليها مجموعة أخرى من المخطوطات التي لا تزال بحوزتنا حتي اليوم ولم تنشر، أو تلك التي تخص والدتي بصفة شخصية، حيث كان محفوظ قد أهدى لزوجته مخطوطات (أحلام فترة النقاهة)، وهي آخر عمل أدبي نشر لنجيب محفوظ، كتبه استجابة لنصائح الأطباء للتدريب على الكتابة بعد تعرضه لحادث اغتيال على يد متطرف إسلامي.. وقد رفضنا بيع أي مخطوطات أو مسودات تخص والدي بأي حال من الأحوال، وبأي ثمن، وحذرناها من أن ما تملكه من مخطوطات هي مخطوطات مسروقة ولا يحق لها التصرف فيها، كما طالبناها بردها).وتؤكد فاطمة محفوظ أن السيدة الأميركية عادت ونفت علاقتها بجامعة هارفارد، أثناء مفاوضاتنا معهم، حيث أوضحت لهم أنها وسيطة لرجل أعمال أميركي يمتلك مكتبة في نيويورك ويقوم بشراء المقتنيات الأدبية النادرة لبيعها في المزادات العالمية.وقد رفضت السيدة الأميركية الكشف عن الطريقة التي وصلت بها المخطوطات إلى المقتني الأميركي، وهو ما علقت عليه ابنة نجيب محفوظ بقولها إن (كل ما يمكن قوله إن هذه المخطوطات سرقت بطريقتين، الأولى أثناء حياة والدي حينما كان يكتب (أحلام فترة النقاهة)، وتحديدا حينما كان يرسل الأوراق للنشر في إحدى المجلات المصرية، حيث فوجئنا لاحقا بأن بعض الأوراق التي عادت إلينا كانت نسخا مصورة وليست الأصول).وأكدت أن الجزء الأكبر من المخطوطات التي ضمها المزاد، والتي تعود لفترات مبكرة من حياة صاحب نوبل للآداب، كان جزءا من مقتنيات محفوظ حين كان يقطن منزل والدته، وأضافت: (بعد وفاة جدتي ظلت عمتي تسكن هذه الشقة التي تحتوي على العديد من مقتنيات والدي التي لم ينقلها إلى منزل الزوجية لاحقا، إلى أن توفيت عمتي وظلت الشقة مغلقة حتى مطلع السبعينيات، حيث تقرر هدم المنزل وكان علينا إخلاء الشقة من محتوياتها، وقام أحد الأقرباء بنقل محتويات الشقة لكنه رفض لاحقا أن يعطي والدي هذه المقتنيات حينما طلبها منه).وأشارت إلى أن صالة المزادات العالمية (سوثبي) تحاول التفاوض مع الأسرة من خلال المحامي، لكن الأسرة ترفض كل هذه المفاوضات، قائلة: (لقد حذرنا الوسيطة الأميركية من أن ما تقوم به غير قانوني، وأننا لن نسكت على حق والدنا).الشاعر أحمد الشهاوي نائب رئيس تحرير مجلة (نصف الدنيا) الأسبوعية - والتي تصدرها مؤسسة الأهرام - تساءل عبر صفحته على الـ (فيس بوك): (من باع أصول الثلاثين حلما من أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ إلى صالة مزادات (سوثبي) في لندن، التي كنا نشرناها له في مجلة نصف الدنيا: هل أنا؟ أم هو؟ أم..؟ أم..؟)، في إشارة منه إلى الغموض المرتبط بآلية وصول هذه الأصول إلى صالة المزادات بلندن. وتساءل الشهاوي: (أين الثلاثمائة حلم، التي كانت موجودة في درج مكتبه في البيت، التي لم تنشر بعد وكان قد وعدني بنشرها في نصف الدنيا)، مشيراً إلى أن محفوظ قال له آنذاك: (سأعطيك ثلاثة أحلام فقط كل شهر، هو أنت عايز الناس تنساني)، ردا على طلب من المجلة بمنحها المزيد من الأحلام.وفي لندن، قالت دار (سوثبي) في بيان لها: (إن عملية البيع متوقفة حتى اتضاح الأمور). ورفض مسئولوها التعليق أو التنبؤ باحتمال عرض الأرشيف للبيع مرة أخرى. لكن الدار لم تفصح عن هوية البائع، واكتفت بالقول إنه قريب من عائلة محفوظ. وأضافت الدار في بيانها: (على الرغم من أنه واضح لدينا أن البائع قد اشترى وثائق نجيب محفوظ من أحد أعضاء أسرة الأديب، فإن باقي أعضاء الأسرة قاموا بالاعتراض على عملية البيع. إن (سوثبي) تأخذ الأمر بجدية تامة، لهذا فقد قررنا سحب المخطوطات من المزاد حتى إيجاد حل للمشكلة).