نبض القلم
الأصل في الشيء هو تحكيم العقل في كل ما يعرض للإنسان من أمر، والمراد بالعقل هو الذي استوفى شروط الفهم التي تؤهله لفهم ما يقال له، أو ينقل إليه. والقرآن الكريم يبين أن العقل نعمة كبرى، وأ نه لابد من استخدامه ، واللجوء إلى حكمه في كل شيء، فيقول في تذييل كثير من الآيات القرآنية : (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (الرعد/ 4 )، (النحل /12 ،67 )، (الروم /24). وفي الوقت نفسه ينعى القرآن الكريم على الذين يهملون موهبة العقل ولا يستخدمونها، وذلك في قوله: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون) (الأنفال 22)، ويعيب على الذين لا يستخدمون عقولهم الاستخدام النافع، فيضلون عن سبل الهداية والرشاد، فيقول متسائلاً في شأن هؤلاء: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) ( الفرقان/ 44). فالقرآن الكريم يدعونا إلى الاحتكام إلى العقل في كل شأن من شؤون حياتنا، وينعى على من لا يستعمله لتغيير نمط حياته، بل إنه جعل عدم استعمال العقل في حل المشكلات الطارئة سبباً لعذاب الآخرة، في قوله على لسان بعض الذين ألغوا عقولهم، ولم يحتكموا إلى العقل والمنطق في حل مشكلاتهم، ولم يسمعوا إلى نصائح الناصحين، ليكفوا عن عنادهم: ( قالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير) ( الملك/ 10). وليس بخاف مدى ارتباط العقل بالعلم والإيمان، وكلاهما يرفضان التقليد والمحاكاة، فالتقليد معناه: قبول قول الغير دون المطالبة بحجة أو بينة، والمحاكاة معناها القيام بما يقوم به الغير، دونما حاجة إلى ذلك، ولاسبب يستوجب القيام به. والتقليد والمحاكاة لايقتصران على القول أو الفعل، بل يشملان منهج الحياة الذي يسير عليه الإنسان متبعاً فيه غيره، معتقداً أن ما يفعله الآخرون أو ما يقولونه هو عين الحقيقة، من غير تدبر أو تأمل في اختلاف الظروف والحالات والأسباب، فالمقلد في هذه الحالة يكون قد جعل قول الآخرين أو أفعالهم قلادة في عنقه، لذلك لا عجب إن رأينا حركة الشباب المعاصرة، أو ما تسمى بالثورة الشبابية في بعض الأقطار العربية، تحاكي كل منها الأخرى، سواء من حيث الأهداف، أو المسار، أو الشعارات المرفوعة، بصرف النظر عن اختلاف الظروف بين هذا البلد أو ذاك، أو اختلاف الحالات بين الشعوب. وقد استنكر القرآن الكريم التقليد غير الواعي، والمنافي لمنطق العقل، فقال في المقلدين: ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) ( البقرة، 17 ). وإذا كان الشباب قد خرجوا إلى الساحات للمطالبة بحقوق مشروعة، والمناداة بمكافحة الفساد في المجتمع عموماً وأجهزة الدولة خصوصاً، فإنهم من غير وعي قد وقعوا فريسة للتضليل الناجم عن التقليد والمحاكاة لأقوال الآخرين وأفعالهم. ومما يؤسف له أن بعض السياسيين في بلادنا قد استغلوا غريزة الاندفاع الثوري لدى الشباب، وحماسهم للتغيير، فدخلوا في أوساطهم، وحرفوا مسارهم، واستثمروا ثورتهم، فأضحت ثورتهم مقلدة لا مبدعة، والتقليد أمر مستنكر في ديننا الإسلامي الحنيف. فالمسلم الحصيف هو الذي يرى بعين بصيرته، لذلك مطلوب منه أن يهتدي بالقرآن والسنة، ويجتنب التقليد الأعمى في حل مشكلاته، بل عليه أن يستنبط حلولاً واقعية لمشكلاته، ويبحث عن وسائل ميسورة ومتاحة لمعالجتها. فالتغيير مطلوب من الإنسان دوماً بهدف البحث عن الأفضل، لأن الحياة متغيرة باستمرار، غير أن التغيير المنشود ينبغي أن ينظر بعين البصيرة لكل عناصر التغيير من مدخلات وعمليات ومخرجات، لا أن يكون التغيير لمجرد التغيير. [c1] خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]