ثقافة قرآنية
بداية ينبغي معرفة وتحديد المعنى الملتبس لمصطلح (ولي الأمر ) والمتأرجح بين الأمراء والعلماء حتى تتضح الرؤية بصحة الفهم. فإذا كانت المقدمات والمنطلقات سليمة وصحيحة فإننا بإذن الله تعالى سنصل في النهاية إلى نتائج سليمة وصحيحة وأول شيء نبدأ به لفهم هذا المصطلح هو اللسان العربي الذي يفيدنا بأن: أولو: جمع بمعنى ذوو: أي أصحاب، واحده (ذو) بمعنى صاحب، تقول: جاءني أولو العلم. الأمر: جمعه أوامر: طلب إحداث الشيء ( وفعل الأمر ) صيغة بها يطلب فعل شيء وهو نقيض النهي وضده. ومن معاني الأمر: الشيء نحو: (لأمر ما كان كذا ). ومن معانية أيضاً: الشأن نحو: (ما أمر فلان ) أي ما شأنه. والأمير: جمعه أمراء: وهو الآمر الذي يتولى أمر قوم، وهو المشاور قال الله سبحانه وتعالى: ( وأمرهم شورى بينهم) كان ذلك هو الفهم القاموسي والمعجمي لمصطلح (ولي الأمر) فهل يا ترى يتطابق هذا المعنى وهذا الفهم مع ما يعنيه هذا المصطلح في القرآن الكريم؟! يقول علماء التفسير إن أفضل تفسير للقرآن الكريم هو القرآن الكريم نفسه فما جاء مجملاً في موضع جاء مبيناً في موضع آخر أو جاءت السنة النبوية الصحيحة مفسرة ومبينة له.وبالرجوع إلى الآيات القرآنية التي ورد فيها مصطلح ( ولي الأمر) نجده مقروناً بطاعة الله وطاعة الرسول، ونجد واو العطف قبل مصطلح ( وأولي الأمر ) لا تسبقه لفظة ( طاعة ) المثبتة قبل لفظ الجلالة والمثبتة قبل لفظ الرسول مما يدل على أن طاعة ولي الأمر مقيدة ومشروطة بطاعته هو لله وطاعته لرسوله وأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول..) (النساء /59)لاحظ أخي القارئ كيف أن الآية السابقة لم تذكر (أولي الأمر) عند التنازع بل ذكرت الرجوع إلى الله وإلى الرسول فقط وهذا معناه أن ولي الأمر عليه أن يرجع بالأمة إلى الله وإلى الرسول وإلا فلا طاعة له !!ومعناه أن على ولي الأمر أن يكون مسلحاً بالعلم الشرعي إلى جانب إلمامه وفطنته بأمور الحكم والسياسة الدنيوية، والدليل على أن ولي الأمر هو العالم الرباني الذي يسترشد الناس به قول الله تعالى في الآية (83) من سورة النساء: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم..) والمستنبط هو العالم بالشرع وهو من الذين قال الله تعالى فيهم ( فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (الأنبياء 7) وهذا يدلنا على أن ولي الأمر هو الذي يجمع بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية. قارن أخي القارئ اللبيب بين الآيات الآنف ذكرها من سورة النساء خاصة الآية (59) وبين الآيتين (66 ،67) من سورة الأحزاب اللتين يقول الله عز وجل فيهما: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولوني باليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) وقارن بين تلك الآيات وقول الله تعالى عن فرعون وهو ولي أمر وملك على قومه وعلى بني إسرائيل ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) (طه 79) ومثل ذلك قول الله تعالى: ( فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد ) (هود 97). من خلال المقارنة بين الآيات السابقة يتبين للمتدبر أن المقصود بولي الأمر في القرآن الكريم هو الذي يجمع بين أمور الدنيا والدين ومشكلتنا في الزمن الحاضر أننا نفهم مصطلح (ولي الأمر) بطريقة واقعنا المعاش الذي يعتمد على نظام الفصل بين السلطات وننسى بأن الخليفة الراشد هو أمير وفقيه في الوقت نفسه من اجل ذلك قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ - قال الراشدين من بعدي فاشترط الرشد حتى لا يورد قومه المهالك فالدنيا مربوطة بالآخرة وبطاعة الله وطاعة الرسول. وقال عليه الصلاة والسلام: ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ). ومن البديهي أن يكون أمير رسولنا الكريم منقاداً ومطيعاً لأوامر الله ونواهيه ومنقاداً ومطيعاً لأوامر رسوله ونواهيه ولولا ذلك لما أختاره نبينا العظيم أميراً له إن لم يكن مؤهلاً للجمع بين علم الدنيا والدين. جاء في تفسير الآية (59) من سورة النساء عن قوله تعالى: (أطيعوا الله ) أي اتبعوا كتابه.. ( وأطيعوا الرسول ) أي خذوا بسنته.. ( وأولي الأمر منكم ) أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصيته فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأمور الدنيا بأكملها وكل صغيرة وكبيرة فيها إن لم تكن خالصة لله ولوجهه الكريم ومرضاته فإنها هباء منثور، قال الله عزوجل: (ومحياي ومماتي لله رب العالمين) ، (الأنعام 162). قبل أن نختم مقالتنا المقتضبة هذه حول محاولة فهم مصطلح (ولي الأمر) في القرآن الكريم والسنة الصحيحة واللغة والثقافة الإسلامية تبين لنا أن مصطلح (أولي الأمر منكم) عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء لكنها في الإسلام مشروطة فقوم ملكة سبأ يقولون لملكتهم: (والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) (النمل 33). والعلماء (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).. وتبين لنا أيضاً أن مصطلح ( الحكم ) في القرآن الكريم ليس له علاقة بأمور السياسة التي نعرفها بل له علاقة بالقضاء والفصل بين المتخاصمين كما يحدث في المحاكم الشرعية والحاكم الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى: (إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين) (الأنعام 57). ختاماً أتمنى من قارئ هذه المحاولة لفهم مصطلح (ولي الأمر) أن يتدبر الآية (58) من سورة النساء التي تسبق الآية (59) وأن يحاول الربط بين الآيتين وسياقهما لكي يتأكد من أن الحكم ليس هو السياسة بل هو القضاء والفصل بين المتخاصمين وأداء الأمانة إلى أهلها قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ..) ثم تأتي الآية التي بعدها ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) وذكرت الآية اليوم الآخر لتبين أن الدنيا بكل ما فيها من سياسة وغيرها هي من أجل طاعة الله ومرضاته في الدنيا والآخرة.. والله أعلم وأحكم.