الفتنة في اللغة هي الابتلاء والاختبار والبلاء والعذاب، وفتنت الذهب بالنار: إذا امتحنته، والفتان: الشيطان، كأن الآية أعلاه تريد أن تقول للمسلمين جميعاً محسنهم ومسيئهم اتقوا المعاصي فهي أسباب الفتن والمحن فإنها إذا نزلت كانت عامة وشملت المحسن أيضاً. وما نبتلى به في الدنيا كثير كالقحط والغلاء وتسلط الآخرين وفقد الولد ونقص المال بالآفات، والزروع بالهلاك، وليست أسبابها إلا معصية الله بترك أوامره وفعل نواهيه. وهناك تفسير آخر للآية الآنفة يقول: واحذروا معصية لايقتصر ضررها على مرتكبيها فقط بل يعمكم جميعاً كالمنكر الذي يجاهر به ولاينهى عنه وكالفتن القومية التي تهد كيان الأمة وتزلزل أركانها أو الخلافات السياسية والدينية وكظهور البدع والتقاعس عن مجاهدة النفس الأمارة بالسوء والالتواء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه فتن لاتصيبن أصحابها فقط بل تلتهم نيرانها الأمة جميعاً، إذ هم بين رجلين: رجل فعل المعصية وقارف الإثم ورجل سكت عنه ولم يمنعه فهو شريك له فيه قال الله عز وجل: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم ..) يحذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين جميعاً أن ينزل بهم فتنة: أي اختبار ومحنة يعم بها المسيء وغيره لايخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب فقط بل يعمهما حيث لم تدفع المعاصي ولم ترفع. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الله المؤمنين أن لايقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب ..).وروى الإمام أحمد عن حذيفة بين اليمان أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم ..). وفي رواية أخرى:(ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم ..) انطلاقاً مما سبق يبين أن الفتنة هي ما يبين به حال الإنسان من الخير والشر والمراد ابتلاؤه واختباره ليعلم صبره على البلاء وإيمانه بالقضاء ويعرف حبه لله ومدى تعلقه بالدنيا ومدى فهمه لحكمة السراء والضراء والسعادة والشقاء.قال الله تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).وبالعودة إلى الآية الكريمة عنوان مقالتنا فإن التحذير فيها يشمل عامة المسلمين من التساهل في أمر الاختلافات الداخلية التي تهدد وحدتهم وتوجب شق عصاهم واختلاف كلمتهم ولا تلبث دون تحزبهم أحزاباً وتبعضهم أبعاضاً وتكون السلطة والحكم لمن غلب منهم.
