أضواء
معظم العرب لديهم قناعة راسخة بأن الإعلام الغربي كله متعاطف مع إسرائيل، وهذا الكلام غير صحيح بطبيعة الحال. ومن الأمثلة أن هيئة الإذاعة البريطانية أو «بي بي سي» عندما اتهمت بانحيازها في سنة 2005، قامت بتشكيل لجنة مستقلة لنظر الاعتراضات والاتهامات على تغطياتها. وكان أن كلفت اللجنة جامعة «لافبرا» البريطانية بعمل دراسة حول الموضوع، وطلبت من جهات غيرها تقديم إحصاءاتها وتقاريرها وقراءاتها. ومن هذه الجهات: الراصد الإعلامي العربي، والرابطة الانغلواسرائيلية، ومنظمة «بيكوم» المعنية بخلق أجواء مؤيدة لإسرائيل في بريطانيا، و«كابو» أو مجلس الصداقة العربية البريطانية. وقد خرجت اللجنة بتقرير مفصل نشر وانتشر في أبريل 2006، وانتصرت نتيجته لدقة وعدالة «بي بي سي» في تغطياتها، مع وجود جوانب ضعف ومناطق رمادية. فقد أشارت جامعة «لافبرا» في دراستها، إلى غياب الأمانة والتوازن في تناول الهيئة البريطانية للجانب التاريخي في الصراع العربي الإسرائيلي، وما قيل لا يعني أنها كانت متحاملة بشكل كامل. فالقضية تقبل تفسيرات كثيرة. من بينها احتمال عدم وجود علاقة حقيقية بين الخلفية التاريخية والحدث المعروض. أو ربما لضيق الوقت أو المساحة المخصصة له. إضافة إلى أن الأزمة نفسها قديمة ومتكررة وبلا نتائج أو اختلافات تستحق الاهتمام. أو أحيانا ليس لها قيمة إخبارية خارج دائرة السياسة. أو من وجهة نظر الأطراف غير المشاركة فيها بصورة مباشرة، ولا يغير فيما كتب حضورها شبه الدائم في كل اجتماع عربي.بالتأكيد الإعلام الغربي قد يتعمد أحيانا صناعة واقع يخاطب تمنياته أو تخميناته. خصوصا في بعض الأخبار العربية حتى لا أعمم وأتهـم. ولعل السبب أن العقلية الغربية جاهزة تماما لاستقبال السلبيات العربية والتـرحيب بها بدون مناقشة، وقد تكون هناك أسباب أخرى. وأتذكر من ندوة لندنية حضرتها في سنة 2008، وتكلم فيها وولتر برامهورست، الذي كـان زميلا في مرحلة الدكتـوراه على الأقل في تلك الأيام، عن السيوف والرجال الملتحين وصورة العالم العـربي في أفلام الكرتون الأمريكية.وقد فوجئت فعلا بالخلط الحاصل فيها بين إيـران ودول الخليـج. وتصويرها للـرجل في الحالتين، وهو يلبس الزي الخليـجي والمشلح، ويأمر وينهى ويعبث، محاطا بقبيلة من «الحريم» أو «الجواري». والمشهد يقترب من نمط حياة «البلايبوي» الأمريكي مع الفارق الكبير بينهما. كما أن المقاطع عموما أبرزت الجمل والصحراء والنفط، كرمز ثقافي يختصر العرب والفرس في قالب واحد. الكرتون كان بالأبيض والأسود، وظهر لي أن المعالجة الإخراجية المستخدمة فيه بدائية، وقال وولتر إنه نادر ولا يمكن الحصول عليه بسهولة. أيضا ناقش وولتـر مفهوم النـزاهة وربطه بمنظومة القيم والبناء الثقافي في المجتمع، واعتبر أن أهل أمريكا وبناء على ماسبق، قد يعتقدون بصدقية أفكارهم عن العرب وعدالتها ولو لم تكن كذلك.ثم لماذا نوجه أصابع الإدانة والتجني ونحمل العالم مسؤولية التشويه، ونحن نؤكد أحكامهم وتصوراتهم ــ المغلوطة نسبيا ــ في مناسبات لا تعد. وقرأت في رواية: «شرق الوادي» للدكتور تركي الحمد، كيف أن عبدالرسول حشي نصح جابر السدرة. (وكلاهما شخصيـتان من خيال الراوي). باعتبار علاقته المحـرمة مع إيثل الأربعينية إذلالا للأمريكان، وأنها في حكم الجارية لأنها كافرة والزنا لا يكون إلا بمسلمة، ولو قامت حرب وحسمت لصالحه، لأصبحت من السبايا وحل الدخول بها بدون زواج، ثم طالعت شيئا مشابها، تحول فيه الخيال إلى واقع. فقد نشرت جريدة الوطـن الصادرة من الكويت، نقلا عن موقع يوتيوب ،. أن ناشطة كويتية اسمها سلوى المطيـري ــــ بدا من صورتها أنها كبيرة في السن ــــ طالبت بفتح مكاتب للجواري على طريقة مكاتب الخدم لحماية الرجال من الزنا وفتنة النساء.وبررت أن الدخول بهن لا يحتاج إلى عقد ولا إلى موافقة لأنهن ملك يمين، وأتصور ما لم أكن مخطئا، أن الجارية تهدى وتباع ويستفيد من خدماتها كل سيد أو مالك جديد، والاتجار بالبشر أو «الهيومن ترافكينغ» يدخل في خانة الجرائم الخطيرة والمعاقب عليها دوليا، وفيه امتهان لكرامة المرأة كإنسان وتسليع واضح لها. مالم ينطو على استخفاف برأيها وإرادتها الحرة، ويكرس لمبدأ التعامل معها وكأنها دمية أو لعبـة أو «طفاية» بلا روح. ولا أدري بصراحة في أي زمن تعيش هذه المرأة، ومن يقف وراءها بالضبط. فالخبـر أورد أن رجال دين يؤيدون مطلبها. ولماذا لم يخبرها أحد بأن الكويت وقعت على اتفاقية «السيداو» لتمكين المرأة ومساواتها بالرجل، وأن الأخذ بكلامها أو الموافقة عليه جزئيا، يحرج دولتها ويضر بسمعتها المتفوقة عربيا في مجال الحريات وحقوق المرأة. ولا أريد الدخول في النوايا، فالجارية لا ترث مالم تعتق وتتزوج من سيدها..العرب ليسوا مجبرين على إقناع المخالفين لهم في الفكر والثقافة بوجاهة مواقفهم، ولا خلاف على وجود خصوصيات عربية وإسلامية لا بد من أن تحترم وتقدر، وعلى أن الإمـلاءات الخارجية غيـر مقبولة. ولكن وللأمانة، المجتمعات العربية أو الخليجية تحديدا لم تحسم أمرها وتقرر مصيرها، ولازالت حائرة بين الانكفاء على الذات واستقبال اللكمات والضربات تحت الحزام، وبين الانسجام مع الآخر بشروط وضوابط معقولة ومقنعة.[c1]عن صحيفة (عكاظ) السعودية [/c]