في دراسة تحليلية ميدانية عن الآثار الديموغرافية - الاجتماعية للهجرة الداخلية في اليمن
وفي حالة الجمهورية اليمنية بناء على بيانات التعداد العام للسكان في العام 1994م والتعداد العام الثاني في عام 2004م نجد أن عدد السكان قد ارتفع من 15.831.757 نسمة إلى 21.385.161 نسمة أي بزيادة 5.553.404 نسمة، وبهذا تكون الزيادة السكانية بين التعدادين خلال السنوات العشر وصلت إلى 35 %.وقد أشار أحد الباحثين إلى أن اليمن يواجه تحدياً كبيراً لأن الزيادة في عدد السكان في السنة الواحدة بلغت 558.986 نسمة وفي اليوم الواحد 644 وفي الساعة 10.7 نسمة، وهذه الزيادة تتطلب من المخططين لبرامج التنمية أن يدركوا في خططهم وبرامجهم مدى أهمية استيعاب الزيادة السنوية لعدد السكان، حيث يشكل هؤلاء رقماً جديداً في حياة الشعب اليمني فكل مولود في كل يوم أو ساعة يحتاج إلى الأكل والكساء والدواء والمياه والصحة والتعليم وغير ذلك من الخدمات الأساسية في شتى جوانب الحياة.ولفتت الدراسة إلى أن الهجرة الداخلية من العناصر المؤثرة في نمو سكان المدن، وتؤكد كثير من الدراسات أن الهجرة من الريف إلى المدينة تسهم في النمو السكاني في معظم الدول النامية، وما زالت تمثل دوراً مهماً في النمو الحضري، أما النمط السائد للهجرة الداخلية في الهجرة اليمنية فقد أجمع الباحثون على أنه يتمثل في الهجرة من الريف إلى المدينة.وأشارت الدراسة إلى أن الباحث يجد صعوبة كبيرة في الحصول على بيانات شاملة ودقيقة لهذا النمط من أنماط الهجرة الداخلية (ريف - مدينة) في الجمهورية اليمنية للأسباب التالية:- لم يشمل كتاب النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت ديسمبر 2004م (التقرير الثاني - الخصائص الديموغرافية للسكان) حركة الهجرة الداخلية ضمن المحافظات الأخرى. - اقتصرت حركة الهجرة الداخلية في الكتاب المشار إليه على حركة الهجرة بين المحافظات فقط، المغادر منها والوافد إليها، دون تحديد أي توصيف حالات المغادرة والوصول سواء من الريف إلى الحضر أو العكس أو غيرها من حالات المغادرة والوصول (ريف - ريف) أو (مدينة - مدينة).- حدوث تغييرات عديدة في مكونات التقسيم الإداري خلال فترة ما بين تعدادي ( 1994م و 2004م)، حيث تم تحويل بعض المراكز إلى مديريات وتقسيم بعض المديريات إلى مديريتين أو أكثر واستحداث محافظات ومديريات جديدة وكذلك تحويل بعض المديريات والعزل إلى محافظات أخرى.ووفقاً للدراسة فإن محافظات الجمهورية يمكن تقسيمها إلى مجموعتين المجموعة الأولى المتجاوزة للمعدل الوسطي للنمو وتشمل كلاً من (الأمانة، المهرة، عدن، صعدة، الضالع، الحديدة، حضرموت)، وجميع تلك المحافظات باستثناء الضالع محافظات جاذبة بمستويات متفاوتة إلى حد ما بدليل أن صافي الهجرة فيها موجب والمجموعة الثانية تشمل المحافظات الأربع عشرة الأخرى التي حافظت على المعدل العام للنمو وما دونه خلال فترة ما بين التعدادين فمحافظات حجة، ذمار وريمة بلغ فيها مستوى معدل النمو السكاني السنوي 3.0 % وهو المعدل العام للنمو على مستوى الجمهورية، وبالنسبة لبقية المحافظات في هذه المجموعة فقد كان دون مستوى المعدل العام للنمو ووصل في بعضها إلى أدنى مستوى له مثل البيضاء والجوف وأبين (2.4 %) ومحافظة صنعاء (2.1 %) ومحافظة عمران (1.8 %) وجميع المحافظات التي شملتها المجموعة الثانية باستثناء محافظة مأرب التي تعتبر من المحافظات الطاردة وصافي هجرتها سالب.وأوضحت الدراسة أن سكان محافظات المجموعة الأولى السبع بلغ إجمالي تعدادهم وفق تعداد 2004م (6.777.552) نسمة ويشكلون نسبة 34.4 % من إجمالي السكان المقيمين أي أكثر من ثلث سكان الجمهورية في حين أن 65.6 % من السكان يتوزعون على أربع عشرة محافظة بنسب متفاوتة.وأشارت الدراسة إلى أن أمانة العاصمة وجميع عواصم المحافظات قد شهدت زيادة عددية سكانية متصاعدة خلال السنوات العشر ما بين التعدادين (1994م - 2004م) بنسب متفاوتة باستثناء عاصمة محافظة ريمة، الجبين التي شهدت تراجعاً في سكانها مقارنة بتعداد 1994م، وحينها لم تكن عاصمة للمحافظة بعد، بل تم استحداثها بعد هذا التاريخ، ما يلقي بظلال من الشك على واقعية تلك الأرقام الواردة (الزيادة الحاصلة في سكان محافظة ريمة خلال الفترة ما بين التعدادين بلغت 102.915 نسمة وبنسبة 35 %، في حين بلغ تراجع سكان عاصمتها خلال الفترة نفسها بـ 2822 نسمة وبنسبة 63 %).وبينت الدراسة أن سكان عواصم ست محافظات فقط هي (الأمانة، عدن، تعز، الحديد، حضرموت، إب) بلغ عددهم 3.393.728 ويشكلون نسبة 87.7 % من إجمالي سكان عواصم جميع محافظات الجمهورية البالغ عددهم 3.865.747 نسمة والنسبة الباقية التي تشكل 12.3 % والبالغ عددهم 472.019 نسمة فيتوزعون على عواصم المحافظات الخمس عشرة الأخرى.بمعنى أن سكان عواصم المحافظات الست المذكورة آنفاً يشكلون نسبة 60 % من إجمالي سكان الحضر في الجمهورية اليمنية وفق تعداد 2004م البالغ عددهم 5.637.756 نسمة.وخلصت الدراسة إلى أن للهجرة الداخلية وعلى الأخص الهجرة من الريف إلى المدينة دوراً مؤثراً في النمو الحضري، على الرغم من تبعاتها وكلفتها المجتمعية في ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية إلا أنه نظراً لأهمية النمو الحضري وحتميته لا نتفق والآراء المؤيدة لفكرة إيقاف الهجرة إلى المدن والمراكز الحضرية حيث أن ذلك يتعارض مع الحق الإنساني في الهجرة ويتجاهل إيجابيات النمو الحضري فمن الناحية الديموغرافية على سبيل المثال لا الحصر فإن انتقال السكان من الريف إلى المدينة يمكن أن يؤدي إلى تقليص نسبة الخصوبة، ففي الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر يلاحظ أن مستوى الخصوبة في الريف أعلى منه في الحضر لهذا فإن المهاجرين سيقتبسون من البيئة الحضرية بعض مظاهر السلوك الإنجابي المغاير لما شاهدوه في الريف وهكذا ينشأ لدى هؤلاء المهاجرين سلوك إنجابي وسط بين سلوك الريف وسلوك الحضر.إن النمو الحضري في الجمهورية اليمنية لا يشكل معضلة أو أزمة حقيقة عامة في الوقت الراهن فالزيادة العددية للسكان ما زالت تأتي لصالح سكان الريف، وأن تكدس النمو الحضري في ست مدن رئيسة فقط بنسبة 87.7 % من إجمالي سكان عواصم محافظات الجمهورية اليمنية يكشف واقع الفجوة الحضرية الهائلة الناتجة عن انعدام المساواة الحضرية وعدم القدرة على إدارة تلك المراكز الحضرية.وعليه فإن دقة الإحصائيات والبيانات الخاصة بالحراك السكاني وعلى وجه الخصوص حركة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة ومعرفة حجمها وتياراتها تكتسب أهمية كبيرة في إدارة النمو الحضاري من جهة ومواجهة الاختلالات السكانية في المناطق الريفية من جهة أخرى.[c1]أثر الهجرة الداخلية على التركيب النوعي والعمري للسكان[/c]وذكرت الدراسة أن الهجرة تعتبر من المنظور الديموغرافي إنتقائية بطبيعتها فهناك ميل لدى عناصر معينة من السكان للهجرة أكثر من غيرهم فالعمر يعد أكثر العناصر الديموغرافية انتقائية في الهجرة الداخلية والخارجية، حيث نجد أن غالبية المهاجرين من الشباب الذين يتكيفون بسرعة وسهولة مع البيئات الجديدة أكثر من غيرهم في الفئات العمرية الأخرى، غير أن ذلك يتعارض أحياناً مع هجرة المسنين المتقاعدين أو مع هجرة الأسر، وقد ذكر البعض أن هناك اختلافاً بين الدول المتقدمة والنامية من حيث انتقائية الجنس فيزيد عدد الإناث بين المهاجرين في الدول المتقدمة في حالة الهجرات قصيرة المسافة والعكس في حالة المسافات الطويلة، أما في الدول النامية فإن غالبية المهاجرين هم من الذكور، أما في ما يخص التوزيع النسبي للمهاجرين حسب النوع في الجمهورية اليمنية وفقاً لتعداد 1994م نجد أن أغلب المهاجرين عادة ما يكونون من الذكور أما هجرة الإناث فقد ارتبطت في أغلب الأحيان بالزواج أو هجرة الأسرة بأكملها إذ بلغت نسبة الذكور المهاجرين من الريف إلى الحضر 54 % مقابل 46 % من الإناث.وأوضحت الدراسة أن الدراسات الاجتماعية المحلية المتناولة لظاهرة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة في اليمن قد أشارت إلى الآثار الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها المهاجرون سواء في مناطقهم الريفية المرسلة أو المدن المستقبلية، إذ أن الهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى المدن تهدف في محصلتها الأخيرة إلى تحقيق حياة معيشية أفضل للمهاجرين، حيث يحل نمط الحياة المدنية محل نمط الحياة الريفية باعتبار المدن المستقبلة تؤمن عملية الحصول على مختلف السلع الاستهلاكية والخدمات بيسر بعكس المناطق الريفية، بالإضافة إلى أن العيش في العاصمة والمدن الرئيسية الأخرى يفتح آفاقاً رحبة أمام إمكانيات واقعية في تحقيق نجاحات اجتماعية ومكانة مرموقة في سلم الحياة الاجتماعية أفضل بكثير مما هو عليه الحال في المناطق الريفية وتبعاً لذلك من الطبيعي أن تتغير أدوار ومكانة المهاجرين ذكوراً وإناثاً في مواطن إقامتهم الجديدة وبالمقابل فإن المناطق الريفية تتأثر بنتيجة مختلفة لذلك وعلى الرغم من إبراز الآثار الاجتماعية للهجرة الداخلية من قبل العديد من الباحثين إلا أن تلك الدراسات افتقرت إلى تتبع وتقييم دور المرأة وعملية التغيرات في العلاقات والأدوار الاجتماعية للسكان ذكوراً وإناثاً في جميع مراحل عملية الهجرة الداخلية.وأبرزت الدراسة بعضاً من أهم ملامح الآثار الاجتماعية على النوع الاجتماعي في عملية الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة في المجتمع اليمني والتي كان من أهمها أن الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة أما أن تكون فردية ذكورية لأغراض متعددة منها العمل أو الدراسة أو أن تكون مع جزء أو كل أفراد الأسرة النووية وفي حالات قليلة مع بعض من أفراد الأسرة الممتدة وفي كل تلك الحالات فإن الفئة العمرية النشطة هي السائدة في عملية الهجرة سواء من الذكور أو الإناث المرافقات كزوجات ويترتب على هذه العملية على صعيد المدن انتشار ظاهرة البطالة بين تلك الفئات القادرة على العمل سواء المهاجرين أو المحليين وعلى صعيد الريف أدت هذه العملية إلى تأنيث الأسرة اليمنية الريفية وبروز دور المرأة في أداء مهامها ومهام زوجها المهاجر في المنزل والحقل، بالإضافة إلى انتشار عمالة الأطفال في الريف وخاصة الإناث منهم، أضف إلى ذلك نقل بعض مظاهر الأنماط السلوكية الحياتية المرتبطة بالعادات والتقاليد الريفية إلى المدن وتأثريها على السكان المحليين، كما أن المرأة المهاجرة إلى المدن تواجه استبعاداً اجتماعياً كذلك الذي كانت تواجهه تقليدياً في المناطق الريفية بحكم الترييف المادي والروحي للمدينة، علاوة على الاستبعاد الاقتصادي.ولم تستطع الهجرة إلى المدن إحداث تغييرات ملموسة في الإدارة والوظائف الاجتماعية للرجل والمرأة على السواء بفعل الإرث الثقافي التقليدي الذي أصبح سائداً إلى درجة كبيرة في المدن.