غضون
* يفكر اليمني دائماً بهذه الطريقة: أريد وظيفة لدى الغير أخدمه من خلالها لكي احصل على مرتب مقابل هذه الخدمة.. أنا موظف اخدم الحكومة مقابل راتب شهري. أعمل لدى صاحب الشركة الخاصة ولا مصلحة لي سوى المرتب. وهكذا يتم تصور العلاقة: خادم يخدم مقابل أجر محدد ولا مصلحة له سوى ذلك. وبالتالي ترسخت في الأذهان فكرة “المرتب” كفكرة جوهرية، ولا بأس أن أقصر في أداء الخدمة المطلوبة كلما كان ذلك ممكناً، فلماذا اخلص لعملي الحكومي ما دمت مجرد خادم يخدمها ولا أمل لي في الترقي وزيادة الأجر باستمرار، ولماذا أقدم أفضل ما عندي لشركة يملكها شخص آخر لا مصلحة لي معه سوى راتب محدد مقابل خدمة محددة وانتهى الأمر.. والفكرة الشائعة عن القبائل أن القبيلي يدعو دائماً: يا رب ارزق الشيخ لكي يشغلني معه.. حارساً أو مرافقاً أو خادماً ما دام شيخاً وبعدها “يفرجها الباري”. * الخبير الدولي الشهير في مجال إدارة الأعمال “بريان ترايسي” يقول غيروا هذا النمط من التفكير.. فعنده إن أضخم خطأ يمكنك ارتكابه على الإطلاق هو أن تظن أنك تعمل لصالح أي شخص آخر سواك، فالحقيقة هي أنك ـ دائماً وأبداً ـ تعمل لحسابك الشخصي ابتداء من الوقت الذي تتسلم فيه وظيفتك الأولى حتى الوقت الذي تتقاعد فيه، بصرف النظر عن الشخص الذي يوقع كشوفات الرواتب، فإنك تعمل لصالحك الخاص وأنك رئيس شركة الخدمات الشخصية المساهمة والتي بها موظف واحد فقط هو أنت نفسك، وعلى المدى البعيد، ونتيجة للأمور التي تنجح أو تفشل في القيام بها فإنك تحدد مقدار ما تجنيه، وإذا أردت أن تحدد راتبك فإن بوسعك الذهاب إلى أقرب مرآة تتفاوض مع “رئيسك الخاص”.* وفكرة “بريان ترايسي” التي اطلعت عليها في كتابه (غير تفكيرك، غير حياتك) فكرة واضحة.. إنك عندما تعمل لدى الحكومة أو هيئة تابعة لها مثل هذه الصحيفة أو في شركة من الشركات العامة والخاصة والمختلطة فأنت لا تعمل لدى شخص آخر بل تعمل لحسابك الشخصي، وبوسعك زيادة الدخل والترقي من خلال التفاني في العمل والاجتهاد والمبادرة وتقديم الأفضل، فكلما تحسن أداء هذه الإدارة أو المؤسسة أو الشركة أو تلك وزادت مواردها تحسنت ظروفك.وفكرة “بريان ترايسي” بدت لي للوهلة الأولى جديدة. لكن لو أعدنا النظر في ما يدور في الواقع اليمني سنجد أنها ليست كذلك. فعلى سبيل المثال هناك مئات الآلاف من الموظفين يذهبون إلى مواقع أعمالهم يومياً، لكن المميزين والذين يترقون ويحصلون على أجور إضافية قليلون، هؤلاء هم المبدعون والمخلصون، وهذا ليس بالمطلق لأن بعضهم يصلون إلى هذا المستوى عن طريق المحسوبية والقرابة والمحاباة وغيرها من أشكال الفساد.