غضون
* العنوان الوارد قبل اسمي هو مثل يمني مشهور.. وحكايته أن زوجا كان إذا جلست زوجته الأولى على يساره والثانية علي يمينه، وضع يده اليمنى على إحداهما واليد اليسرى على الأخرى ويقول: فديت من يدي فوقها!.* وبذلك أوهم كل واحدة منهما انها الأحب إليه كما قال الأكوع، بينما ليس للمرء قلبان.. وصاحب الحبين كذاب كما يقول الصوفيون. وإذا كان هذا النوع من النفاق المرضي مقبولاً من زوج اثنتين وفي العلاقات الاجتماعية والعائلية، فإنه غير مقبول في السياسة وفي القضايا الفكرية التي تتطلب تحديد مواقف وآراء واضحة وحاسمة من أجل الفرز والتمييز بين الحق والباطل والعلم والخرافة، في كل الأوقات وخاصة في الأوقات التي يجب أن يكون الصدق فيها مع النفس ومع الغير اوجب الواجبات.. وهناك مثل يمني إيجابي يقول إن (كل شيء في وقته مليح) بمقابل مثل إيجابي يقول: (كلمة الحق ما خلت لي صاحب).. وفعلا أن صاحب الزوجتين الذي يوازن بين القوتين العظميين بقوله (فديت من يدي فوقها) لو قال الحق لما بقيت له زوجة، لكن هذا شأن مختلف كما قلنا. ويمكن أن يقبل من زوج الأربع فله أيضا رجلان.* بعض بل جل السياسيين والمثقفين عندنا لسان مقالهم (فديت من يدي فوقها)، يجمعون بين ولاءين ويوفقون بين خيارات متضادة ويوازنون بين الحق والباطل والعدل والظلم، والاستقامة والتطرف، ويسمون ذلك «الوسطية».. والوسطية في التراث العربي والإسلامي لا وجود لها، وقد عبر شاعر عربي عن تراثنا الأصيل: نحن قوم لا توسط عندنا، فالوسطية مفهوم يوناني محض تم أسلمته خطأ. الوسطية في القرآن الكريم لا علاقة لها بذلك التراث اليوناني.. الوسطية ليست الوقوف في الوسط بين طرفين، ولا الجمع بين حب علي ومعاوية، أو أن تداهن وتتخلص من الموقف بالقول أنا مع السلطة ومع المعارضة أيضاً.. أو أن تهرب بالقول هذا مخطئ وهذا مخطئ، فهذا مثل القاضي الأحمق الذي يضرب الخصمين المتنازعين لأنه لم يتمكن من معرفة العدل، وتمييز الظالم عن المظلوم منهما.هذا النوع من النفاق تم التأصيل له بما ورد في القرآن.* قالوا «أمة وسطاً» أي أنها وسط بين أمتين.. و«الصلاة الوسطى» قالوا العصر وقالوا المغرب وقالوا الصبح وقالوا الظهر وقالوا العشاء، وفي الأخير لا وسطى بعينها. ولو نظروا في ذلك بعيداً عن التراث اليوناني الذي تسرب إلى ثقافة المسلمين، سيجدون أن القرآن يعني بالصلاة الوسطى الصلاة الفضلى و«أمة وسطا» أمة نصيرة للحق.. فلا توسط بين خير وشر، وحق وباطل، وعدل وظلم، ويسار ويمين، وصدق وكذب، وسلطة ومعارضة، وعلم وخرافة. إما أن تكون هنا أو هناك دائماً، يا أبيض أو أسود.. فالوسطية والرمادية نفاق وتمييع وضياع للحق، وفديت من يدي فوقها.