خطر داهم ووحشية مروعة ..
تقرير / وهيبة العريقي:توالت سنوات وعقود كثيرة واليمن لا تزال ترزح تحت وطأة مرض البلهارسيا الذي يرتبط ظهوره وانتشاره وتمكنه بسهولة من إصابة الإنسان والانتقال إلى داخل جسمه بوجود مصادر مياه راكدة أو بطيئة الجريان كثير ما يساء استخدامها وينالها التلوث بالمخلفات الآدمية، من بول أو غائط مع أنها تشكل - مع الأسف- عصب الحياة لكثيرٍ من سكان القرى والأرياف على طول البلاد وعرضها، لافتقارهم - إلى حد كبير- إلى المياه النظيفة والآمنة.يذكر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية أن البلهارسيا في اليمن ذات توطن عال، ويقدر فيها المصابون - بحسب إحصاءات سابقة- ب(3ملايين ) شخص.وعلى المستوى العالمي، تقدر منظمة الصحة عدد المصابين بالبلهارسيا ب(200 مليون) مصاب ويشكل من هم في سن المدرسة نسبة (80 %) ما مثل عبئاً وتهديداً على الأصعدة المختلفة. وأوضح د. أحمد يحيى الصعفاني- استشاري الأمراض الباطنية، في وصفه حقيقة انتشار هذا المرض أنه شائع في مجتمعنا، حتى صار معروفاً في الأوساط الشعبية بمرض التبول الدموي، كون المصاب به يشكو من خروج قطرات من الدم مع البول أو في نهايته. وقدم د.الصعفاني حقائق تاريخية نقلنا من خلالها إلى حقبة اكتشاف مرض البلهارسيا في نهاية القرن التاسع عشر بعد عصور متلاحقة ظل خلالها مجهولاً تماماً، وذلك عندما كشف عنه النقاب العالم(تيودور بلهارس) لدى اكتشافه الطفيلي المسبب للمرض في جثة أحد الموتى في كلية الطب بمدينة الإسكندرية.وفي سياق اهتمام وزارة الصحة العامة والسكان والبنك الدولي بمشروع المكافحة يؤكد د . عبد الحكيم الكحلاني- مدير عام الترصد الوبائي ومكافحة الأمراض ، أنه آن للمرض أن يتصدر الأولويات طالما جهود مكافحة هذه الآفة متواصلة تباعاً حتى التخلص تماماً من هذا الداء ، مشيراً إلى أن قضية مكافحة مرض البلهارسيا لم تحظ باهتمام كبير على مدى سنوات طويلة ولا باهتمام وسائل الإعلام عبر توعية المواطنين، وهذا جزء من المشكلة على خلاف الأوبئة الأخرى، حيث البلاغات ترفع عنها والأصوات تتعالى . وواصل القول : «لا ريب أن هذا الإهمال كان مشتركاً ؛ فالمرافق الصحية - على الأرجح- لم توفر المكافحة المطلوبة في حينها، والإعلام- سلفاً - لم يعط دوره. كذلك خطباء المساجد لم يكن لهم قبل الحملات أي دور في توعية الناس ؛ وأيضاً المدارس قصرت في تعليم الطلبة منذ الصغر عن مرض البلهارسيا وطرق انتقاله والوقاية منه ؛ ولذلك جعل تضافر هذه العوامل من مشكلة البلهارسيا شائكة وواسعة». ويصف د. رشيد الشامي- نائب مدير البرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا، ما تشكله البلهارسيا - لدى إهمال أو غياب المعالجة من البداية- بالخطر الداهم الذي قد يكلف المصاب حياته.وقال: « للإصابات المزمنة بالبلهارسيا علامات مرضية واضحة، مثل فقر الدم الشديد، وتضخم الطحال والكبد. إلى جانب ما تسببه للأطفال من سوء التغذية وضعف البنية والهزال وانخفاض مستوى الاستيعاب والذكاء. أما المضاعفات الناتجة عن الحالات المزمنة، فهي كثيرة وأسوؤها وأخطرها الفشل الكلوي وسرطان المثانة وسرطان القولون ونزيف الشريان البابي للكبد المؤدي إلى الوفاة ».ونوه د.الشامي إلى حقيقة تأثير مرض البلهارسيا على الحالة الاقتصادية للبلد لما يمثله علاج الحالات المرضية المزمنة من مسؤوليات إضافية على البلاد تستنفد الكثير من مواردها المالية، ولأن وفاة عائل الأسرة بسبب إهمال علاج المرض ، له بالغ الأثر على الوضع الاجتماعي والمعيشي للأسرة.ويبرر د. الشامي صعوبة القضاء على داء البلهارسيا باستعمالات الناس غير الحذرة للمياه الموبوءة بالمرض وعدم تسلحهم بالوعي الكافي حياله، ما يجعلهم بعيدين كل البعد عن معرفة الإجراءات الوقائية والالتزام بها ؛ لافتا إلى أن ما يزيد المشكلة امتداداً صعوبة تأمين المياه النظيفة والآمنة كما هو الحال في الكثير من الأرياف- لأسبابٍ ترتبط بظروف الأرياف المتناثرة على قمم وسفوح الجبال وجوانب الأودية الصعبة.وإحصائياً تؤكد الدراسات أن القرى التي تزيد فيها نسبة الإصابة بالبلهارسيا، تقل لديها المياه الصالحة للشرب وبناء المساكن فيها والمرافق الصحية والحمامات. ويرى د.أحمد علي قائد- استشاري الأمراض الوبائية، أن الناس في المناطق الموبوءة قادرون على أن يكونوا فاعلين في مكافحة البلهارسيا، من خلال نهجهم السلوكيات الصحية الكفيلة بالحد تماماً من الإصابة بالمرض ، بما يؤمن ويعزز القضاء عليه، والدفع بمساعي وزارة الصحة العامة والسكان نحو التخلص منه واجتثاثه.وفي معرض استنكاره للسلوكيات غير الصحية السائدة في أغلب الأرياف يقول د.أحمد علي : « إن الاستحمام والوضوء والسباحة والشرب وغسل الأواني والملابس وغيرها من الاستعمالات المباشرة لمياه برك الأمطار المكشوفة والحواجز المائية والسدود والغيول الجارية البطيئة الجريان وغيرها، يبقي الناس عرضة للإصابة بالبلهارسيا، وأفظعها اقتراف أعمال قبيحة لا أخلاقية، كالتبول والتبرز في مصادر المياه أو على مشارفها». ودعا إلى أهمية الالتزام بالنظافة الشخصية واتخاذ المراحيض لقضاء الحاجة، وإلا ما جدوى معالجة البلهارسيا بمعزلٍ عن الالتزام بقواعد الوقاية للقضاء على هذا الداء الوخيم.وتابع : « إن تنفيذ حملات وطنية للتخلص من البلهارسيا في اليمن لن يكفي بمعزلٍ عن ترسيخ القيم والسلوكيات الوقائية. التي تعتبرً مقياس النجاح لبلوغ هدف التخلص من البلهارسيا والقضاء عليها.. وفي سياق متصل أشار نائب مدير برنامج مكافحة البلهارسيا إلى أن ثمة حملة للتخلص من البلهارسيا تستهدف معالجة المرضى ووقاية غير المرضى من عموم أفراد المجتمع من عمر (6 أعوام فما فوق) بالمديريات المستهدفة وعددها (44) مديرية تتوزع في خمس محافظات هي (الحديدة، عمران، إب، لحج، حجة)، في الفترة من (12-9 أبريل 2011م). حيث تتخذ المرافق الصحية والمدارس موقعاً لتنفيذها وإعطاء العلاج للمستهدفين. وفي معرض دعوته للمواطنين بالمديريات المستهدفة لتلقي المعالجة ضد البلهارسيا خلال الحملة، دعا الدكتور/ عبد الحكيم الكحلاني الناس إلى التوجه إلى أقرب مرفق صحي أو مدرسة من مساكنهم و تناول الطعام قبل المجيء لأخذ العلاج، و اصطحاب من يمت لهم بصلة قرابة أو رحم أو صداقة طالما ينتمي إلى الفئة العمرية من ( 6أعوام فمافوق)..مشيراً إلى أن علاج البلهارسيا في الحملة مجاني لجميع المستهدفين، وأن إعطاءهم الجرعة المضادة للبلهارسيا يعتمد على قياس طول الجسم، إلى جانب أنهم سيتلقون جرعة علاجية ووقائية- في الوقت نفسه- ضد الأمراض المنقولة بواسطة التربة.وواصل د.الكحلاني القول: تستهدف الحملة معالجة نحو ما يزيد على(2,5مليون) شخص في الفئة العمرية من (6 أعوام فما فوق) بمديريات(السبرة- الحزم- حبيش- ذي السفال- العدين- القفر- السدة- النادرة- الفرع- جبلة- مذيخرة- المشنة- المخادر) بمحافظة إب، ومديريات ( شهارة- صوير- السود- السودة- قفلة عذر- حبور ظليمة- المدان- بني صريم- خمر- خارف- حوث- عيال يزيد- حرف سفيان) بمحافظة عمران، ومديريات (الجميمة- مبين- مدينة حجة- كحلان الشرف- الشاهل- كشر- كحلان عفار- شرس- المغربة- نجرة- المحابشة- الشغادرة) بمحافظة حجة، ومديريات (برع- السخنة- جبل راس) بمحافظة الحديدة.كما ذكر أن طابع هذه الحملة التسهيل على المواطنين في المناطق المستهدفة وتقريب المسافات لبلوغهم مواقع المعالجة القريبة من مساكنهم أو أعمالهم.. مشيداً بالبنك الدولي الذي مول حملات البلهارسيا بما فيها هذه الحملة، ومثمناً جهوده وإبداءه الاهتمام بالتصدي لهذا المرض، نحو تحقيق الخلاص منه والانتقال إلى مصاف الدول التي تخلصت من تهديداته للمواطنين.[c1]*المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان[/c]