أضواء
يعرف أهل الإعلام ودارسوه أن هناك مدرسة أو نظرية شهيرة في الإعلام تعرف بالمسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، وهي نظرية أخلاقية تعتبر أنه ليس هناك حرية مطلقة للصحافة، وإنما حرية مسؤولة تقوم ـ أو يجب أن تقوم ـ على مبادئ وأخلاق إنسانية نبيلة على الصحافة أن تتقيد بها وتحترمها حتى لا تنحرف عن رسالتها الأساسية وهي خدمة الصالح العام، هذه هي خلاصة النظرية التي ما عاد الإعلام العربي أو الخليجي يلقي لها بالاً إزاء التوغل الرأسمالي الذي صار الحكم والفيصل فيما يتعلق بالتوجهات والرسائل والمضامين التي يعمل الإعلام على توجيهها للناس على مدى الأربع والعشرين ساعة دون التفات أحيانا كثيرة للمعايير الأخلاقية التي تحكم منظومة مجتمعات تعتبر الأخلاق مرجعية ثقافية مقدسة بل وأكثر من ذلك .إن الجمهور الذي يأتي إلى التلفزيون أو يقرأ الصحيفة وتحديداً في الخليج ليس جمهوراً سلبياً كما يظن القائمون بالاتصال في وسائل الإعلام، أو كما يحلو لهم ويريحهم أن يعتقدوا ذلك ، وهو ليس ساذجا وضحلا وهو بالتأكيد لا يتقبل كل ما يقذف به الإعلام من برامج ومسلسلات وأفلام ومقالات رأي وصور مستفزة أحياناً وأشكال صحفية تافهة ككثير من التحقيقات السطحية والآراء التي لا تسمن ولا تغني من جوع وصور الفنانات الأقرب للعري و... الخ .الإعلاميون الذين يظنون أن الجمهور المتلقي يتقبل ذلك كله برضا وبهجة وامتنان مخطئون تماماً وهم للأسف لا يعرفون توجهات جمهورهم بشكل دقيق، وهذا الفهم الخاطئ مبني في حقيقة الأمر على أرقام تزودهم بها شركات تقييم أجنبية وتجارية تبتز الأموال وتبيعهم هراء لا قيمة له، وعليه فإن هذا الإعلام مطلوب منه أن يتوقف ويعيد حساباته لخدمة أهدافه التجارية على الأقل إن لم يكن للقيام بدوره المسؤول كما تنص عليه نظرية المسؤولية الاجتماعية التي قدمنا بها هذا الحديث بداية.مشكلتنا في الإعلام وجود المتاجرين والمتطفلين والذين دخلوا المهنة من باب أنه “لقمة عيش” ولاعتقاد البعض أن الإعلام يمكن أن يكون مهنة من لا مهنة له ، بينما يصدق البعض نظرية متهاوية جدا هو أن الخليج بلا إعلاميين وبلا علم وبلا مختصين في الإعلام .... الخ ، وانه يمكن التكسب منهم بترويج برامج تافهة وتوجهات تتنافى مع معايير المجتمع على اعتبار أننا مجتمعات حداثية ومعاصرة ونتقبل التجديد والجديد، حتى لو كان هذا الجديد من طراز مسلسل يروج لخطيئة كبرى حين يرسم علاقة شاب بزوجة عمه ضمن حلقات طويلة راسما كل تفاصيل العلاقة المحرمة بين الشاب الوسيم والزوجة الفاتنة.إن للإعلام مسؤولية كبرى تجاه المجتمع حتى لو غلب عليه الطابع أو التوجه الاستثماري وحتى لو صنف ضمن القطاع الخاص، فهو في النهاية يتوجه إلى مجتمع لديه خطوط حمراء لا يجوز القفز عليه بهذه الطريقة في حين يتناسى هذا الإعلام واجبه تجاه تبني قضايا اجتماعية خطيرة يتوقف عليها بقاء المجتمع وتماسكه ومنظومته القيمية كالتعليم وحقوق الفئات الاجتماعية والتوعية بقضايا الحقوق والواجبات والبيئة وخدمة المجتمع وثقافة التطوع والإصلاح ... الخ .إن كل هذه القضايا السابقة تشكل استقطابا جماهيريا يقود إلى نجاح أي برنامج أو مسلسل يتعرض لها ويناقشها فلماذا نستقطب جماهيرنا بأشكال إعلامية مهينة ومبتذلة يا ترى ؟ هناك خلل في أصحاب المسؤولية الإعلامية بلا شك وهذا يستدعي مساءلة حقيقية.[c1]عن/ جريدة (الاتحاد) الإماراتية [/c]