عندما بدأ دور حركات التغيير، التي يطلق عليها أيضاً الحركات الاحتجاجية، يزداد في مصر منذ عام 2005، استهان كثير من السياسيين والمراقبين بها. ووصف رئيس أحد الأحزاب السياسية أعضاء هذه الحركات بأنهم صغار لا أهمية لهم، أو على حد تعبيره بالعامية المصرية «شوية عيال».وكان ذلك عندما دعا بعضهم إلى إضراب عام في السادس من أبريل 2006، وأسسوا حركة اتخذت من ذلك اليوم اسماً لها. ورغم أن تلك الدعوة كانت قفزاً على الواقع في حينها، فقد ساهمت في خلق الأجواء التي مهدت لحالة جديدة في مصر بعد أقل من خمسة أعوام. وقد شهدت تلك الفترة تنامي حركات احتجاجية شتى يعتمد معظمها على الشباب، رغم أن بدايتها كانت تقليدية على أيدي سياسيين كانت لهم تجاربهم في أحزاب وحركات سياسية ومنظمات مدنية. فكانت هذه هي حال «الحركة المصرية من أجل التغيير» (كفاية)، التي أُعلنت في نهاية عام 2004، ويعتقد أنها أول حركة من هذا النوع في مصر. غير أن إرهاصات ظاهرة الحركات الاحتجاجية الهادفة إلى التغيير، وليس إلى تحقيق مطالب معينة فقط، بدأت في أوائل عام 2003 عبر إعلان «حركة 20 مارس من أجل التغيير».ورغم أن تأسيس هذه الحركة ارتبط بالعدوان الأميركي على العراق، فإنها انطلقت من التنديد بالقهر الذي قالت إن مؤسسيها تعرضوا له خلال مظاهراتهم ضد هذا العدوان.وكان بيان تأسيس تلك الحركة هو الأول الذي حمل خطاب التغيير الجذري، إذ أكد أنه «أصبح من الصعب أن يستمر الوضع على ما هو عليه»، ودعا إلى بناء «حركة مفتوحة أمام الجميع تعبر عن أوسع تحالف يقوم على مبدأ التغيير مع الناس ومن أجل الناس».كانت هذه إذن، هي بداية ظهور نمط جديد من العمل العام في مصر يختلف عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في شكله وطابعه واتجاهه، وهو نمط الاحتجاج المنظَّم على الأوضاع القائمة والعمل من أجل التغيير الديمقراطي عبر البيانات والمؤتمرات، ثم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي لجأت إليها «كفاية» منذ تأسيسها أواخر عام 2004 تحت شعار «لا للتمديد... لا للتوريث».ولعل اقتران دور هذه الحركة بالتظاهر، الذي ظل مرفوعاً من التداول في مصر منذ عام 1954 إلا في انتفاضات طلابية، هو سبب شيوع الاعتقاد بأنها حركة التغيير الأولى في مصر. لذلك غطت شهرتها على حركة أخرى لم تختلف عنها في طابعها، ولا حتى في اسمها باستثناء كلمة واحدة، وهي «الحملة المصرية من أجل التغيير». تزامن تأسيس الحركتين اللتين اختلفتا في منهج العمل الذي ميز إحداهما عن الأخرى بسبب جرأتها في النزول إلى الشارع مستثمرة أجواء القلق الرسمي حينئذ من المشروع الأميركي لتغيير المنطقة. فقد اضطرت السلطات إلى التسامح مع مظاهرات «كفاية» لكي لا يجد الأميركيون منفذاً للتدخل في شؤون البلاد الداخلية، قبل أن يزول القلق من هذا التدخل بعد غرق الولايات المتحدة في المستنقع العراقي.ولذلك ارتبط نمط العمل الاحتجاجي باسم حركة «كفاية» حتى بعد أن تراجع دورها تدريجياً منذ عام 2006 بسبب الخلافات الداخلية فيها. فقد عانت هذه الحركة من الأمراض نفسها التي تفشت في الساحة السياسية المصرية، وفي مقدمتها الميل إلى التشرذم، وكثرة الصراعات الصغيرة، بينما نشأ عدد من الحركات الأخرى التي لم تحظ بشهرة واسعة؛ مثل «الحركة المصرية من أجل الديمقراطية -شركاء» التي ركزت على مواجهة التداعيات السلبية للتعديلات الدستورية عام 2007، وحركة «تضامن» التي اختارت طريق «التحرك الجماعي المنظم: ابدأ في شركتك، في مدرستك، في مصنعك... نظموا أنفسكم ووحدوا صفوفكم».غير أن الحركة التي أحدثت بداية التحول في مصر هي تلك التي اقترنت بالدعوة إلى إضراب 6 أبريل 2006، وهي حركة «شباب مصر شباب حر شباب 6 أبريل». فرغم فشل الدعوة إلى ذلك الإضراب، حققت الحركة التي أسسها الداعون إليه نجاحاً تدريجياً عبر دورها الرائد في استثمار «الإنترنت» في خلق شبكة انضم إليها عدد متزايد من الشباب الذين وجدوا وسيلة فاعلة للتواصل.وإذا أردنا فهم كيف نجح شباب في الدعوة إلى مظاهرة 25 يناير التي توسع نطاقها وتحول إلى انتفاضة شعبية، لا يمكن إغفال دلالات البيان التأسيسي لحركة 6 أبريل: «نحن مجموعة كبيرة من الشباب لا يجمعنا إلا حب هذا البلد والرغبة في إصلاحه... كانت بداية جمعتنا في 6 إبريل... جمعتنا الرغبة في إنقاذ هذا الوطن بعدما أدركنا جميعاً فداحة الوضع الراهن... ورغم أن الغالبية العظمى منا لا تنتمي إلى أي تيار سياسي، فإننا مصممون على إكمال الطريق. ونحن نعلن غضبنا وتمردنا على هذه الأوضاع التي لم تترك أخضر ولا يابساًً».وشهدت السنوات الأربع الأخيرة تأسيس عدة حركات جمع بينها طابعها التغييري واعتمادها على شبكة «الإنترنت» وبراعة أعضائها في امتلاك تقنيات التواصل الإلكتروني.ويعرف من تابعوا الدعوة إلى مظاهرة 25 يناير أن هذه الحركات هي التي أطلقتها وخططت لها، وأن نشطاءها هم الذين قادوها إلى مشهد لا سابق له في تاريخ مصر الحديث، قبل استخدام القوة ضد المتظاهرين وتفريق أكثر من عشرين ألفاً اعتصموا في ميدان التحرير مساء ذلك اليوم بعنف شديد.ورغم أن الحديث عن حركات التغيير الشبابية لم ينقطع منذ 25 يناير الماضي، لم يتحدث أحد عن ماهية هذه الحركات وكأنها أشباح تلوح من بعيد رغم أن أعضاءها انتقلوا من فضاء «الإنترنت» إلى أرض الواقع.فإلى جانب حركة 6 أبريل، هناك حركة الإصلاح المصري التي جمعت حركات عدة ارتبطت بحركة «كفاية» في مرحلة صعودها ثم انفصلت عنها بعد أن انحسر دورها. فقد شهد عام 2005 تأسيس حركات تضم كل منها مجموعة تنتمي إلى فئة معينة، وحمل كل منها اسم هذه المجموعة (أدباء وفنانون، محامون، أطباء، صحافيون، طلاب..) مضافاً إليها عبارة «من أجل التغيير».وهناك أيضاً حركة شباب العمال التي جمعت عدداً كبيراً من شباب الحركات العمالية في الفترة بين 2004 و2007، مثل عمال غزل المحلة، ولجنة التضامن العمالي، ولجنة التضامن مع عمال الأسبستوس، وغيرها. وهذا فضلاً عن حركة «الشباب الأحرار» المنشقة عن حركة 6 أبريل، وحركة «شباب القضاة»، وحركة «شباب مصر»، و«مجموعة خالد سعيد» التي تنسب إلى شاب قتلته الشرطة السرية في الإسكندرية العام الماضي خلال محاولة لتوقيفه.هذه الحركات هي التي صنعت حالة جديدة في مصر تفتح أمامها الآن طريقاً أفضل إلى المستقبل رغم التعقيدات التي تواجه مرحلة الانتقال الصعبة الراهنة.[c1]* رئيس مركز (الأهرام) للترجمة والنشر في مصر[/c]
|
فكر
شباب التغيير في مصر .. من هم؟
أخبار متعلقة