غضون
* من الظلم المظلم الذي نمارسه بحق عبارة «مؤسسات المجتمع المدني» أن نسمي بها ما عندنا من نقابات وجمعيات ومنظمات أخرى غير حكومية.. أكانت مهنية أو سياسية أو حقوقية أو ثقافية أو اجتماعية أو غيرها.فعبارة أو مصطلح «مؤسسات المجتمع المدني» ت عني بكلمات بسيطة الأطر والتجمعات التي ينتظم ويتنظم داخلها مجموعة من الأفراد والفئات على أسس مدنية حضارية غير عصبوية، وبهدف تحقيق نفع عام ومن أجل تنمية المجتمع والارتقاء به، ومن أجل كسر احتكار السلطة.. وهي عادة تكون مستقلة عن الحكومة وغير خاضعة في تصرفاتها لأحزاب أو أي تأثيرات أخرى.. وتحكمها لوائح وأنظمة تسير عليها ولذلك تسمى «مؤسسات»، ولأنها ذات نفع عام فإنه من الضروري أن تخضع تصرفاتها المالية وتوجه وتحكم بنظام لا يسمح لأي مسؤول في الجمعية أو المنظمة أو النقابة أن يستغل موارد المنظمة أو أي شيء من شؤونها لتحقيق مصلحة شخصية أو عائلية أو غيرهما من المصالح غير المشروعة.* وعندنا هنا في اليمن.. ليست هذه مؤسسات لأنها تخضع لمزاج صاحبها وليس لأنظمة مؤسسية.. ليست ذات نفع عام بل ذات نفع شخصي، فأصحابها يحصلون على أموال من مانحين ومتبرعين باسم «النفع العام» لكنهم يتصرفون بها لمصالحهم.. حتى أن بعض الأذكياء والمحتالين الذين لا يحسنون أي «مهرة» يلجؤون إلى إنشاء جمعيات ومنظمات وباسمها يتسولون المانحين والمتبرعين ويجمعون الأموال باسم النفع العام والبر وفعل الخير والتوعية والدفاع عن الوحدة وحقوق الإنسان والحريات.. و.. و.. وفجأة ينتقلون من حالة العطالة والبطالة والفقر إلى أثرياء ويشار إليهم بالبنان.. وهي أيضاً ليست «مؤسسات مجتمع مدني» بل أطر عصبوية فئوية قبلية في لسان حالها ومقالها.. وهي ليست ثقافية ولا تنويرية بدليل أنها تغش المجتمع وتروج للتخلف.. وهي ليست حقوقية ولا تعنى بالثقافة القانونية بل تنتهك الحقوق وتجهل القانون.. وهي ليست مستقلة لأنها تضع نفسها في خدمة من يدفع أكثر سواء السلطة أو المعارضة أو المانحين.* ومن الإنصاف عدم التعميم.. ففي البلاد جمعيات ومنظمات جيدة وقليلة الفساد وتقدم خدمة للمجتمع.. لكن عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين في أحسن تقدير.. ومع ذلك لا ترقى إلى مستوى «مؤسسات المجتمع المدني».إن السلطة والمعارضة في بلادنا أفسدتا «المجتمع المدني» أو قل زادتاه فساداً. فالطرفان العصبويان يستقويان ضد بعضهما بعضاً بهذه الكيانات ويحولانها إلى «عصبويات» بعد قطع الطريق عليها للتحول إلى مؤسسات وإلى «مدنية».. ومظاهر ذلك واضحة للجميع.. ويستطيع أي مواطن عادي أن يصنف هذه الجمعيات والمنظمات والنقابات من خلال البيانات التي تصدرها.. ويعرف أن هذه سلطوية وتلك معارضة وتلك تنادي «نحن هنا» فهل من ممول يدفع أكثر.