إلى أين سيمضي بنا (اللقاء المشترك) ؟!( 2 ـــ 4 )
وإذا استبعدنا تكتل أحزاب التحالف الوطني الذي يفتقر إلى هوية واضحة وخطاب سياسي وإعلامي محدد المعالم والأبعاد والأهداف، بوسعنا القول إنّ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب المعارضة المنضوية في إطار (اللقاء المشترك) يعد الأكثر حضوراً والأقوى صوتاً في معارضة الحزب الحاكم، ناهيك عن حضوره الملموس في مجلس النواب بنسبة لا بأس بها من المقاعد البرلمانية التي فازت بها أحزاب (اللقاء المشترك) في انتخابات 2003م، كما تتمتع هذه الأحزاب بحضور صاخب في الساحة الإعلامية من خلال ترسانة من الصحف الحزبية والمواقع الإليكترونية التي تديرها وتنطق باسمها إلى جانب عدد من الصحف المستقلة التي تحظى بدعم وتمويل من حزب التجمع اليمني للإصلاح بما هو الحزب الذي يقود زيوجة تكتل (اللقاء المشترك ) .وبالنظر إلى الدور القيادي لحزب التجمع اليمني للإصلاح في إطار تكتل (اللقاء المشترك) بوصفه أكبر أحزاب المعارضة والقائد الميداني والمحرك والممول الأساسي لنشاط وحراك تكتل «اللقاء المشترك»، فإنّ الإمكانات المالية والقدرات اللوجيستية التي يمتلكها هذا الحزب بوصفه الواجهة العلنية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ـــ والذي يعمل في اليمن بصورة سرية وغير قانونية ـــ تعتبر رصيداً احتياطياً لمختلف المناشط السياسية والإعلامية والتعبوية لأحزاب (اللقاء المشترك) التي يقودها حزب (الإصلاح)، حيث يدير هذا الحزب عدداً من الاستثمارات والشركات التجارية، كما يستحوذ في الوقت نفسه على موارد عدد كبير من الجمعيات الخيرية التي تنشط في مجال جمع التبرعات تحت يافطات إنسانية مثل رعاية اليتامى والفقراء، ويافطات سياسية مثل دعم المجاهدين في فلسطين وأفغانستان ولبنان والصومال والعراق والشيشان، بالإضافة إلى حرص حزب التجمع اليمني للإصلاح على توظيف أعضائه وأنصاره من خطباء وأئمة المساجد ومدراء مدارس تحفيظ القرآن لدعم نشاطه الحزبي والتعبوي، واستثمار خطب الجمعة لأغراض الدعاية الحزبية ومهاجمة سياسات الحزب الحاكم وحكومته والتحريض ضد كل من يخالفهم في الرأي والفكر، بذريعة أنّ من حق خطباء وأئمة المساجد ممارسة ما يسميه الأخوان المسلمون «النقد البناء» عبر منبر الجامع !!!من نافل القول إنّ الخطاب السياسي والإعلامي والديني لأحزاب (اللقاء المشترك) استهدف تحقيق مكاسب وأهداف سياسية وحزبية خلال المحطات الانتخابية 1997 - 2003 - 2006م، حيث كان هذا الخطاب - ولا يزال - يسعى إلى إضعاف الحزب الحاكم، وتشويه صورته داخلياً وخارجياً، وصولاً إلى رسم صورة سوداء وقاتمة للواقع في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.صحيح أنّ ثمة محاور ثابتة في هذا الخطاب تتلخص في تسويق طائفة نمطية من الاتهامات التقليدية لحكومة المؤتمر الشعبي العام، وأبرزها اتهامها بالعجز وعدم الجدية في مكافحة الإرهاب والفساد والفقر، إلى جانب اتهامها بممارسة القمع والاستبداد وتضييق مساحة الديمقراطية، وهو ما درجت أحزاب (اللقاء المشترك) على تسويقه في المؤتمرات والأحاديث الصحفية واللقاءات السياسية مع ممثلي السلك الدبلوماسي الأجنبي والمنظمات غير الحكومية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك المقالات والتناولات المختلفة التي اعتادت على نشرها صحف « اللقاء المشترك» وأخواتها بصورة دائمة. بيد أنّ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب (اللقاء المشترك) أفرط في تسويق عدد من المطالب التي تنطوي على اتهامات مباشرة وغير مباشرة للحزب الحاكم على هامش المحاور الأساسية السالف ذكرها، بهدف تقديم صورة مشوهة للعملية الديمقراطية الجارية في البلاد، على النقيض من الصورة الإيجابية التي يقدمها الخطاب السياسي والإعلامي للحزب الحاكم.والثابت أنّ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب «اللقاء المشترك» حرص في كل محطة انتخابية على شحن محاوره الأساسية بطاقة إضافية من المفردات والمطالب مثل تحييد الوظيفة العامة والمال العام والإعلام الرسمي، ثم يرتفع سقف هذه المطالب تدريجياً بعد كل فشل يلحق بهذه الأحزاب في المحطات الانتخابية المختلفة، وما يترتب على ذلك من عجز عن تحقيق النتائج التي تسمح لها بالانفراد في الحكم أو المشاركة فيه ، حيث يلجأ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب « اللقاء المشترك» إلى المطالبة بتوسيع المشاركة السياسية في إدارة شؤون الحكم بعيداً عن صندوق الاقتراع، والإفراط في المطالبة بتأجيل انتخابات السلطة التشريعية للمرة الثانية بعد ان كان مقررا إجراؤها قبل عامين ثم جرى تأجيلها بموجب اتفاق فبراير تحت ضغط أحزاب المعارضة المنضوية في (( اللقاء المشترك )).ثمة مؤشرات تدل بوضوح على أنّ أحزاب ( اللقاء المشترك) تبدي ميولاً لاستخدام بعض الأدوات والميكانيزمات المدنية التي تتيحها العملية الديمقراطية لإثبات وجودها في الحياة السياسية، وتجاوز الخسائر التي تلحق بها على صعيد الممارسة الواقعية بعد كل محطة انتخابية، كتجسيد لإصرارها على الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها بكل السبل الممكنة. وتتجلى هذه الميكانيزمات في المعارك اليومية التي تحرص أحزاب (اللقاء المشترك) على خوضها ضد الحزب الحاكم في الفترات الفاصلة بين المواسم الانتخابية.ولئن كانت هذه الميكانيزمات تأخذ مداها عبر اكتساب مهارات الاستيلاء على منظمات المجتمع المدني، وتحضير الشارع وتحويله إلى ساحة مفتوحة وساخنة لخوض معارك يومية ومتواصلة بهدف إنهاك وإضعاف الحزب الحاكم ومنع حكومته عن تنفيذ برنامجه الانتخابي، واستخدام مختلف الأساليب والضغوط لجره إلى هذه المعارك اليومية بهدف إفشاله وتجريده من ثقة ناخبيه، فإنّ ذلك ينعكس أيضاً على الخطاب السياسي والإعلامي والديني لأحزاب «اللقاء المشترك» التي تسعى - تحت ضغط حساباتها التكتيكية وأهدافها الإستراتيجية - إلى تصعيد هذا الخطاب باتجاه تأزيم البيئة السياسية على نحو ما حدث ويحدث منذ فوز الحزب الحاكم بأغلبية أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية لعام 2003م، والانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م . ويزيد من حدة الخطاب السياسي المعارض شعوره بالخيبة من صدمة الفشل في الانتخابات الرئاسية والمحلية التي أصابت أحزاب «اللقاء المشترك» بعد أن راهنت على فوز مفترض، الأمر الذي كشف النقاب عن خلل خطير في طريقة قراءة هذه الأحزاب للواقع، وعجزها عن التكيف مع مفاعيله وامتلاك ناصية تغييره.من نافل القول إنّ المشهد السياسي الراهن ينطوي على مفاعيل وميول متناقضة منذ انتهاء المباراة الساخنة التي خاضتها كافة الأحزاب والقوى السياسية في الانتخابات الرئاسية والمحلية التي تمت في أجواء ديمقراطية غير مسبوقة من حيث الشفافية والتنافس والتعددية والنزاهة والمشاركة الواسعة للناخبين أفراداً وجماعات، ثم أسفرت بعد ذلك عن فوز ساحق للبرنامج الانتخابي لمرشح المؤتمر الشعبي العام في انتخابات الرئاسة، والبرنامج الانتخابي لمرشحيه في انتخابات المجالس المحلية. ومما له دلالة عميقة أنّ أحزاب «اللقاء المشترك» هددت بعد فشلها في تلك الانتخابات باللجوء إلى الشارع، ثمّ تظاهرت بالتراجع عن خطتها التي لم يكن المناخ ملائماً لنجاحها، خصوصاً وأنّ الحزب الحاكم - بما هو خصمها اللدود - كان ولا يزال محتفظاً بلياقته وديناميكية حضوره بين ناخبيه الذين كانوا ولا يزالون يمتلكون طاقة دفع قوية لدعمه ومناصرته.والحال أنّ مفاعيل المشهد السياسي الراهن أبرزت إصرار أحزاب (اللقاء المشترك) على اللجوء إلى الشارع كخيار أخير دونه السقوط المريع، وذلك من خلال استيلائها على مقدرات بعض منظمات المجتمع المدني بوسائل تكتيكية مختلفة، والانخراط في برامج نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، التي تمولها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بواسطة عدد من المنظمات والهيئات الأجنبية غير الحكومية. وبوسعنا القول إنّ أحزاب (اللقاء المشترك) تراهن على توظيف هذه الأدوات جنباً إلى جنب مع تسخير ماكنتها الإعلامية التي تضم ترسانة من الصحف الحزبية وشبه المستقلة والجمعيات الخيرية وخطباء وأئمة بعض المساجد، لتفعيل خطابها السياسي والإعلامي والديني وتحويله إلى طاقة دفع لحراك سياسي يتعاطى مع قضايا جديدة لم يسبق طرحها في المحطات الانتخابية السابقة.بدأ الحراك المشترك في الشارع يتعاطى في بادئ الأمر قضايا من نوعٍ جديد بدءاً باتهام الأطر الدستورية والقانونية للنظام السياسي بإنكار مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتقنين التمييز ضد المرأة، وانتهاءً بنقد الأسس التي قام عليها النظام السياسي الديمقراطي التعددي بعد تحقيق وحدة الوطن اليمني أرضاً وشعباً في الثاني والعشرين من مايو 1990م، وما ينطوي على هذا النقد من تسويق لفكرة إصابة النظام القائم بعجز بنيوي لا يؤهله لإدارة شؤون الحكم وبناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة وموحدة يتمتع المواطنون في ظلها بحقوق المواطنة المتساوية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية.على هذا الطريق بدأ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب المعارضة تسويق عدد من الرسائل متعددة الأبعاد إلى الداخل والخارج عبر مواقعها الإليكترونية وصحفها الحزبية بهدف توسيع دائرة المعارضة تمهيداً لتوسيع المواجهة بكل الاتجاهات. ولوحظ أنّ هذه الرسائل تميزت هذه المرة بطرح قضايا حقوقية ومطلبية تنطوي على ما يشبه الإدانة للأطر الدستورية والقانونية للدولة، وإثبات عجزها عن بناء دولة وطنية ديمقراطية موحدة لمواطنين أحرار متساويين في الحقوق والواجبات.المثير للدهشة أنّ صحف أحزاب (اللقاء المشترك) وأخواتها أبدت خلال النصف الأول من عام 2007م اهتماماً ملحوظاً بنقد التعديلات الدستورية التي تمت بعد حرب صيف 1994م لجهة شطب المواد التي كانت تنص على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات أمام القانون، وتحول دون وجود أساس دستوري لتقنين التمييز ضد المرأة ، وتجاهلت هذه الصحف المسؤول الحقيقي عما جرى من تعديلات لبعض القوانين بعد الحرب تنفيذا لمطالب وضغوط حزب التجمع اليمني للإصلاح أثناء مشاركته في السلطة ، وهي تعديلات أدت إلى تشويه صورة الوحدة ، وأصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة والنظام السياسي والمجتمع. وبالقدر ذاته أبدت صحف (اللقاء المشترك) وأخواتها اهتماماً ملحوظاً بالدعوة لإعادة الاعتبار إلى هذه المواد التي كان يتضمنها دستور دولة الوحدة ، والتأكيد على أنّ الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق في ظل دستور لا ينص على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ، ويوفر غطاءً دستوريا لتقنين التمييز ضد المرأة .وبالنظر إلى مخاطر الإفراط في المراهنة على الوصول إلى السلطة والمشاركة فيها من الأبواب الخلفية عبر تأزيم الحياة السياسية ، يتوجب تحليل مضمون الاتجاهات المدمرة للخطاب السياسي والإعلامي المعارض قبل وبعد المحطات الانتخابية التي جرت في البلاد وشاركت فيها كل الأحزاب بدون استثناء، خلال السنوات السابقة وبالذات انتخابات 1993م، وانتخابات 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة في عام 2006م. وبوسع المحلل الموضوعي لاتجاهات الخطاب السياسي والإعلامي والديني المعارض في جميع تلك المحطات الانتخابية أن يلاحظ « قواسم مشتركة « تجمع القوى السياسية التي تنزع إلى تأزيم المشهد السياسي في البلاد، سواء من حيث إطارها الزمني بما ينطوي عليه من عدم قبول لنتائج العملية الديمقراطية بعد كل محطة انتخابية في الأعوام 1993 و 2003 و2006 ، أو من حيث إطارها السياسي الذي يشير إلى اغترابها عن الواقع ونزوعها إلى القفز عليه ، وعجزها عن إعادة قراءته بعد كل فشل يصيبها في المباريات الانتخابية، وإصرارها على اجترار واستعادة قوالب التفكير الجامدة التي تعجز عن صياغة المهام القابلة للتحقيق .في هذا السياق لا يمكن فصل الهجوم المسعور للنائب الاخواني محمد الحزمي على مشروع التعديلات الدستورية لجهة تخصيصه 44 مقعداً للنساء في مجلس النواب ، عن أجندة سياسية وحزبية كان الحرس الكهنوتي القديم في حزب ((الإصلاح)) قد دشن الاعلان عنها قبل ثلاث سنوات من خلال الدعوة إلى إقامة ما تسمى ((هيئة الأمر والنهي)) سيئة الصيت ، حيث شن شيوخ وملالي حزب (الإصلاح) هجوما مسعورا على مبادرة تقدم بها رئيس الجمهورية تنفيذا لبرنامجه الانتخابي الذي حاز على ثقة ملايين الناخبين في الانتخابات الرئاسية لعام 2006م ، وناشد فيها الأحزاب المعارضة الى إدارة حوار لبلورة مشروع للإصلاح السياسي يتضمن تخصيص نسبة 15 % من مقاعد البرلمان للنساء، حيث وزع منظمو ملتقى هيئة (الأمر والنهي) كتيباً أفتى فيه بعض السياسيين من رجال الدين وخطباء المساجد وعقال الحارات الحزبيين، ، بتحريم مشاركة المرأة في الانتخابات وتولي وظائف الولاية العامة والانخراط في العمل ، ودعا هؤلاء في بيانهم الأسود إلى بقاء المرأة في المنزل وحصر وظيفتها بإمتاع زوجها وتربية أطفالها وتنظيف منزلها ، كما طالبوا الدولة والحكومة بمنع اختلاط النساء والرجال في الجامعات والمصانع والوزارات ومواقع العمل والإنتاج والمطارات والموانئ والأسواق والمستشفيات بذريعة مضحكة زعموا فيها ان هذا الاختلاط (( يؤدي إلى الفسوق وكثرة أولاد الزنى )) ، على نحو يعيد إلى الأذهان تجرِبة نظام ((طالبان)) سيئ الصيت الذي أقدم على تسريح كافة النساء العاملات من العمل وحرمان الفتيات من التعليم في المدارس والجامعات بحجة أنّ الشريعة الاسلامية لا تجيز عمل وتعليم المرأة ، وتأمر بدرء المفاسد التي تنجم عن ذلك !!ويبقى القول إنّ موقف الحرس الكهنوتي القديم في حزب ((الإصلاح)) من الحقوق السياسية والمدنية للمرأة ليس جديداً، إذ أنه يعد امتداداً لوعي سياسي مقيم في الماضي ، قاوم من خلاله الخطاب الديني التقليدي كل التحولات التي فرضها العالم الواقعي منذ قيام الثورة الصناعية في عصر النهضة ، لأن هذا الخطاب المقيم بصورة دائمة في الماضي ، لا يجد في كتب التراث الفقهية وموروث الأسلاف إجابات عن الأسئلة الجديدة التي تطرحها تحديات الحياة في الحقبة الراهنة من الحضارة المعاصرة، وهو ما سنتناوله في الحلقة القادمة من هذا المقال .[c1] صحيفة ( 26 سبتمبر )