وضاح اليمن
أسمه عبدالرحمن بن إسماعيل، يرجع نسبة إلى حمير، ولقب بوضاح اليمن لجماله وبهائه، مات أبوه وهو طفل، فانتقلت أمة لتعيش مع أهلها، ثم تزوجت رجلاً من الفرس، وشب وضاح في حجر زوج أمه، فجاء عمه ومعه جماعة من أهل بيته من حمير يطلبونه، فأدعى زوج أمه أنه ولده، فحاكموه فيه، فحكم به الحاكم لهم، ثم مسح رأسه بيده قائلاً له:”أذهب فأنت وضاح اليمن لا من أتباع ذي يزن” يقصد بذلك الفرس الذين جاء بهم سيف بن ذي يزن لنصرته..ووضاح اليمن من شعراء العصر الأموي، غلب على شعره النسيب والتغزل بالنسوة الجميلات اللواتي كن معجبات بحسنه، ولذا كان يرد مواسم العرب مقنعاً يستر وجهه من العين وحذراً على نفسه من النساء، شأنه في ذلك شأن المقنع الكندي وأبى زبيد الطائي. وأشهر قصائده الغزلية تلك القصائد التي تغزل فيها بامرأة من أهل اليمن كان يهواها يقال لها “روضة” وكان قد خطبها من قومها فمنعوه إياها، فاستبد به الحزن ولاسيما حين زوجت غيره، ومن أشهر تلك القصائد قصيدته اللامية المطولة التي عبر في مطلعها عن تعلقه بها وتعلقها به.حبذا من إذا خلونا نجياقال: أهلي لك الفداء وماليوهي الهم والمنى وهوى النفسإذا اعتقل ذو هوى باعتلالثم انتقل إلى بيان شدة هذه الحب الذي لم يسمع بحب يماثله:لم أجد حبها يشاكله الحب ولا وجدنا كوجد الرجالكل حب إذا استطال سيبلى وهوى “روضة” المنى غير باللم يزده تقادم العهد إلاجدة عندنا وحسن اتصالوالتفت ليخاطب الذين يعذلونه على حبه الذين تمكن من نفسه قائلاً:أيها العاذلون كيف عتابيبعدما شاب مفرقي وقذاليما ملكت الهوى ولا النفس منيمنذ علقتها فكيف احتياليإن نأت كان نأيها الموت صرفا أو دنت فثم يبدو خباليإلا أن غزل وضاح اليمن لم يقتصر على روضة، أي أنه لم يكن من فئة الشعراء العذريين مثل جميل بثينة، وكثير عزة، وقيس بن ذريح عاشق لبنى، بل كان شعره شبيهاً بشعر عمر بن أبي ربيعة، فقد اقترن اسمه باسم “أم البنين” بنت عبدالعزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبدالملك الخليفة الأموي، وقصته معها مشهورة كما سنرى، كما شبب بالمغنية “حبابة” التي سمع غناءها في الحجاز قبل أن يشتريها يزيد بن عبدالملك وله شعر غزلي في امرأة تدعى “سلمى” وكثيراً ما كانت النساء يطلبن منه التغزل بهن ليشتهرن.أما قصته مع “أم البنين” فقد رواها الأصفهاني في كتابه “الأغاني” وذلك أنها استأذنت زوجها الخليفة في الحج فأذن لها ثم كتب يتوعد الشعراء جميعاً إن ذكرها أحد منهم ولكنها أرسلت إلى وضاح اليمن واستمعت إلى شعره فتعلق بها، ونظم فيها قصائد عديدة في الغزل، من أشهرها قصيدة يقول فيها واصفاً حسنها:أصحوت عن أم البنين وذكرها وعنائهاقرشية كالشمس أشرق نورها ببهائهازادت على البيض الحسان بحسنها ونقائهاوقيل إنه تبعها إلى دمشق وكان يقصد دارها فتكرمه وتتوسط له عند الخليفة الذي مدحه بقصيدة موفقة ولكنه حين شبب بفاطمة بنت عبدالملك، وكانت زوجة عمر بن عبدالعزيز، بلغ غزله مسامع الخليفة الوليد فاشتد غضبه وقال:”أما لهذا الرجل مزدجر عن ذكر نسائنا وأخواتنا، ولا له عنا مذهب؟” ثم دعابه فأحضر وأمر ببئر فحفرت ودفن فيها حياً.ويشير صاحب الأغاني إلى حكاية نسجها أحد الخدم في قصر الوليد وكانت أم البنين قد وبخته وشتمته، ومفادها أن أم البنين كانت تعشق وضاح اليمن وتستقدمه إلى حجرتها وتخفيه في صندوق إذا ما أحست باقتراب أحد مما دفع الوليد إلى دفن الصندوق نفسه في حفرة وكان وضاح اليمن مختبئاً فيه، ثم يبين أن الحكاية ملفقة، أخترعها أحد زنادقة الشعوبية في العصر العباسي انتقاماً من خلفاء بني أمية ولوضاح اليمن شعر في الرثاء كرثاء أخيه وأبيه، ولكن الغزل كان الغالب عليه، مما دفع مؤرخي الأدب إلى ذكر أسمه بين شعراء النسيب والغزل...