في ظل مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة .. تونس تحتفل بالذكرى الـ ( 53 ) للاستقلال
عرض / رمزي الحزمي : تحتفل الجمهورية التونسية يوم 20 مارس 2009 بمرور ثلاثة وخمسين سنة على استقلالها، وهي ذكرى خالدة، ومناسبة وطنية مجيدة، تحييها بكامل النخوة والاعتزاز، ذكرى يوم تاريخي عظيم تخلصت فيه تونس من الاستعمار، واستعادت سيادتها، فكان ذلك اليوم تتويجا رائعا لكفاح شعبها الأبي من أجل الحرية والعزة والكرامة إن احتفالات الشعب التونسي بهذه الذكرى المجيدة، تأكيد متجدد لوفاء الأجيال المتلاحقة الدائم لدماء الشهداء وتضحيات المقاومين والمناضلين، وهو احتفال يستحضر فيه التونسيون مآثر الشعب وأمجاده الناصعة، معتزين بتاريخه النضالي وبذاكرته المجيدة، التي تنهل منها الأجيال الحاضرة معاني التعلق بتونس والولاء لها دون سواها.[c1]استقلال تونس [/c]ولقد كان الاستقلال ثمرة كفاح شعبي طويل، انطلقت شرارته الأولى منذ أن وطئت أقدام الاستعمار أرض تونس في جبال خمير، فتصدى لجيوشه منذ اللحظة الأولى وطنيون أحرار في جبل ماكنة، بكل ما لديهم من سلاح وشجاعة. وكان صمودهم ملحمة متواصلة عبر سائر الجهات، لم تتوقف على امتداد خمس وسبعين سنة، قدم فيها الشعب التونسي أغلى التضحيات وأروع البطولات.وإنها لملحمة غذاها وعي وطني جذوره نابعة من حركة الإصلاح التونسية، شاركت فيها مختلف فئات الشعب وكل القوى الوطنية، وتمازجت فيها النخب بالجماهير، واضطلع فيها الحزب الحر الدستوري التونسي بدور قيادي رائد في جميع المراحل، إلى جانب المنظمات الوطنية العتيدة والوطنيون الأبرار من كل المشارب.وإذ يستحضر الشعب التونسي اليوم بعميق الإجلال تضحيات الأجيال المتلاحقة من الشهداء الأبرار والمقاومين والمناضلين، مترحمين على أرواحهم الزكية، فإنه يعبر عن عظيم تقديره لزعماء الكفاح وقادته، وإكباره لما تحلّوا به من وطنية صادقة وإقدام على البذل والتضحية وتحمل الاضطهاد وعذاب المنافي والسجون، فكانوا خير تعبير عن ضمير الشعب والوطن، وفي مقدمة الجميع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، رائد الحركة الوطنية وأول رئيس للجمهورية التونسية.وقد أكد الشعب التونسي أن الوفاء لإنجازات السابقين، إنما يكون بإثرائها وتعزيزها بما أن الاستقلال أمانة تتوارثها الأجيال المتعاقبة. ومن هذا المنظور أقدم الرئيس زين العابدين بن علي على إنجاز تحول السابع من نوفمبر 1987، وفاء لدماء الشهداء، وصونا لحرمة الوطن وأمجاده، وإنقاذا للبلاد مما بلغته من ضعف ووهن، وما بات يتهددها من مخاطر كادت تعصف بكيانها وتذهب بمكاسبها، وتجعلها من جديد عرضة للطامعين.[c1] التحول الديمقراطي في تونس:[/c]بتوليه الحكم في 7 نوفمبر 1987 وضع الرئيس زين العابدين بن علي حدا لما كان يتهدد الدولة والمجتمع من أخطار وفي مقدمتها ترهل المؤسسات وتدهور الاقتصاد. ونجح في كسب رهان التحول الديمقراطي في إطار دولة المؤسسات و مجتمع الوفاق الوطني.وقد استلهم المشروع الحضاري لتحول السابع من نوفمبر من الحركة الإصلاحية التحديثية التي أسهم في تشكيل أدبياتها وإثراء مضامينها عدد هام من رموز النهضة الحديثة في تونس من أمثال أحمد بن أبي الضياف وخير الدين باشا والبشير صفر وسالم بوحاجب وغيرهم، ليتواصل السند في الإصلاح من خير الدين إلى زين العابدين بن علي مرورا بالطاهر الحداد و عبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة...، ومن دستور سنة 1861 إلى بيان 7 نوفمبر 1987.وتم وضع الأسس الكفيلة بإرساء ديمقراطية حقيقية تدريجيا وبثبات وانسجام، بعيدا عن الهزات. كما تم احترام المواعيد الانتخابية. وبفضل التحول الديمقراطي دخلت أحزاب المعارضة لأول مرة مجلس النواب التونسي سنة 1989. كما جرت لأول مرة انتخابات رئاسية تعددية في أكتوبر 1999.وفي 26 مايو 2002، تم ولأول مرة تنظيم استفتاء في تونس مكّن الشعب من التعبير عن إرادته في كنف الحرية والسيادة حول الإصلاح الجوهري للدستور.وأعيد انتخاب الرئيس زين العابدين بن علي رئيسا للجمهورية في الانتخابات الرئاسية التعددية الثانية التي جرت في 24 أكتوبر 2004.وقد اعتمدت تونس مقاربة نموذجية بهدف تكريس الخيار الديمقراطي حيث تؤمن أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية دون تنمية، ولا تنمية دون ديمقراطية.وتستعد تونس خلال السنة الجارية لاستحقاقات انتخابية هامة، وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية.[c1]السياسة الداخلية [/c]تجسمت تطلعات الدولة التونسية المستقلة الفتية في قرارات تمثلت في توحيد القضاء على أساس القانون الوضعي وفي إعلان الحريات الفردية وإصدار “مجلة الأحوال الشخصية” التي تعد ثورية في العالم العربي الإسلامي لما تضمنته من مبادئ تكرس حقوق المرأة وتلغي تعدد الزوجات والطلاق التعسفي. وتم في عام 1957 انتخاب مجلس قومي تأسيسي ألغى النظام الملكي وأعلن قيام الجمهورية. كما تم وضع دستور للبلاد التونسية في 1 يونيو 1959 يضمن الحريات الأساسية [c1]وينظم الحياة العامة [/c]على أساس الفصل بين السلطات وينطلق من مبدأ السيادة للشعب يمارسها عن طريق مؤسساته المنتخبة.إلا أن الأوضاع في البلاد قد شهدت بعد فشل تجربة التعاضد وتأرجح صحة الرئيس الحبيب بورقيبة ابتداء من أواخر سنة 1970 ، أزمات مختلفة ووهناً تم استغلاله من طرف تيارات متطرفة سنة 1986 هددت السلم الاجتماعية والحياة الآمنة في البلاد وكادت تعصف بالمكاسب الوطنية لولا إنقاذ البلاد بقيادة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الذي حقق التحول المبارك و تولى مقاليد الحكم يوم 7 نوفمبر 1987 وفق أحكام الدستور التونسي، وفتح عهد جديد في تاريخ تونس المعاصر. ومنذ بيان السابع من نوفمبر 1987، تم تأسيس ديمقراطية حقيقية كفيلة بضمان الحريات وحقوق الإنسان.وأقام نظام العهد الجديد علاقات وطيدة مع كل مكونات المجتمع التونسي وانخرط في إطار مسار وفاقي ضمن إصلاحات عميقة للحياة السياسية وللمؤسسات، وهو ما أدى خاصة إلى إصدار قانون للأحزاب السياسية الذي نظم إجراءات تكوين الأحزاب وأرسى المعالم الأولى لحياة تعددية متطورة. وقد دخلت المعارضة ولأول مرة في تاريخ تونس منذ الاستقلال إلى البرلمان اثر انتخابات مارس 1994. ومنذ الانتخابات التشريعية لسنة 2004، يضم مجلس النواب 37 نائبا يمثلون 5 أحزاب معارضة.وقد أعلن الرئيس بن علي منذ الأيام الأولى للتغيير إلغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية. كما ألغى محكمة أمن الدولة وخطة الوكيل العام للجمهورية، وخفض مدة الإيقاف التحفظي بما يتماشى والمعايير الدولية، وأجرى تعديلات على قانون الصحافة باتجاه دعم حرية الرأي والتعبير، وأصدر العفو على مساجين الرأي.وبتاريخ 7 نوفمبر 1988، دخلت تونس مرحلة جديدة بإمضاء «الميثاق الوطني»، القاسم المشترك الذي ينظم العلاقات السياسية بين كل الفاعلين في المجتمع المدني من أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية ومهنية. ويحدد الميثاق الوطني قواعد الديمقراطية ويجمع التونسيين حول التمسك الجماعي بالقيم الأساسية للمجتمع والمصلحة العليا للبلاد.وقد مكن الاستفتاء الشعبي، الذي نُظم، لأول مرّة في تاريخ تونس، يوم 26 مايو 2002 حول الإصلاح الجوهري للدستور الذي وقعت المصادقة عليه في غرة يونيو 2002، من قطع أشواط جديدة على درب الديمقراطية والحريات.[c1] الإصلاح السياسي في تونس: التحديات والرهانات[/c] تعيش تونس على وقع حراك سياسي كان من بين أوجهه الحركية الكبيرة التي تشهدها مختلف مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، فضلا عن القرارات والإجراءات الصادرة من أعلى هرم السلطة والتي رافقت هذا الحراك وعززته. وعندما يؤكد الرئيس بن علي أن «بناء المجتمع الديمقراطي التعددي قوامه حرية الرأي واحترام حق الاختلاف والتعبير وثقافة سياسية راقية تحترم علوية القانون ومبادئ الجمهورية. وهو مشروعنا الذي دأبنا على التقدم به خطوة بعد أخرى منذ فجر التغيير”، فان ذلك يعد التزاما بمواصلة المسيرة الإصلاحية والتحديثية لرواد الإصلاح ومن أبرزهم خير الدين باشا والطاهر الحداد والزعيم الحبيب بورقيبة، وهو ما يؤكد أن حركة الإصلاح السياسي في تونس هي عملية متجذرة منذ القرن التاسع عشر، جاء تغيير السابع من نوفمبر 1987 ليضيف إليها ويثريها تدعيما لقيم الجمهورية ولسيادة الشعب. وبالفعل فإنه إذا كانت الحرية والديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان وبناء حياة سياسية حديثة ومتطورة هي الأهداف الأساسية في المشروع الحضاري الجديد، فقد صاغ «التحول» في تونس هذه القيم والأهداف وكرّسها من منطلق وطني، من موقع القناعة بأن هذه القيم والمفاهيم ليست غريبة عن تراث الشعب التونسي وعن رصيده التاريخي ولا عن أفكار مصلحيه وتطلعات نخبه ومطالب مناضليه، بل هي حية و متجذرة في الضمير الجماعي للشعب بالرغم من أن ظروفا عطلت بلورتها وتجسيمها كاملة في السابق. ويطمح التونسيون اليوم في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إلى الغاية ذاتها وهم يتوقون إلى «جمهورية الغد» التي يؤمنون بأنها ستكون فرصة متجددة لاختبار قدرة الشعب على المشاركة الفاعلة في تجسيم قيمها وترسيخ مقوماتها بالمزيد من الجد والابتكار. ويتوقون كذلك إلى أن تكون الممارسة المدنية في أشمل معانيها منسجمة مع المتغيرات العالمية التي تحف بمسائل حوار الحضارات والتفاعل بين الثقافات ليزداد انغراس جمهورية الغد في تربتها المستقبلية، ويتدعّم إسهامها في هذا الجدل الكوني في انسجام مع مقتضيات التآلف والترافد ونبذ البغضاء والتنافر. فالإصلاحات الاقتصادية مهما بلغت والتعديلات الهيكلية مهما استوفت من مقومات فعالة تلبث قاصرة عن تحقيق النماء المستدام وتوفير الأمن والاستقرار وضمان التوازن الاجتماعي ونشر العدالة بين الناس إذا لم تشفعها فلسفة رشيدة في الحكم، تراعي الشمول في معالجة الظواهر بما ينسجم مع الحاجات الإنسانية الأصيلة. لذلك كانت الأفكار والمشاريع غير مقتصرة على جانب وحيد أو جوانب محدودة من الإنسان والحياة بل امتازت بالشمول والإحاطة وسعت إلى مراعاة التوازن والتكامل بين كل الأبعاد الروحية والمادية والأخلاقية والفكرية المتجسّمة في الممارسة السياسية والتنمية الاقتصادية والمشروع الثقافي والتحول الاجتماعي الرصين.[c1] نحو مزيد من المشاركة والتعددية[/c] إن من بين مظاهر نجاح التجربة التونسية هو تطوير النظام السياسي والخروج به بكل حكمة وثبات ما تردى فيه قبل تحول السابع من نوفمبر 1987 من خلل. وقد جاء هذا التطوير متناسقا ومتناغما لا وجود فيه لأي قطيعة مع الشرعية الدستورية القائمة كما حصل في أكثر الدول النامية وفي غيرها من الدول، وجاء محققا لطموحات شعب بأكمله بل أكثر من ذلك مطورا لهذه الطموحات. وقد مثّل إرساء الديمقراطية ودعم الحريات وصيانة حقوق الإنسان والسعي إلى توسيع رقعتها ومجالاتها في تونس، سعيا متواصلا منذ زهاء عقدين إيمانا بأن كسب رهان الديمقراطية والحريات لا يقل أهمية عن كسب معركة التحرير والسيادة الوطنية بل هو العنصر الطبيعي والمكمل. وفي هذا الخصوص، لا يمكن تصور أدنى حظوظ النجاح للتنمية ما لم يشعر المواطن بأنه معني بها مباشرة بحكم إسهامه من خلال المؤسسات في صنع القرار وتحديد الاختيارات وبأنه مسؤول عن مردودها. وشهدت الفترة القليلة الماضية إجراءات وتدابير تهدف إلى مزيد تطوير الحياة السياسية وإثراء المشهد السياسي التعددي. وفي هذا السياق، ولما كانت الأحزاب السياسية في الحكم وفي المعارضة تعتبر أطراف المعادلة الديمقراطية والتنافس النزيه، فقد جاءت دعوة الرئيس بن علي سنة 2006 الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والحساسيات الفكرية إلى تعميق التأمل في حاضر البلاد ومستقبلها وتقديم آرائها ومقترحاتها للاستئناس بها بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين للتحوّل. وتوجه الرئيس التونسي في هذه الذكرى (7 نوفمبر 2007) التي جاءت حافلة بالقرارات والتدابير إلى الأحزاب السياسية بالقول «إذ نشكر لهم مساهماتهم ونقدر ما تقدموا به من آراء ومقترحات لقيت لدينا كل الاهتمام، فإننا نؤكد للجميع عزمنا الراسخ على مواصلة الارتقاء بمنظومة الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية ومزيد تطوير آلياتها وممارستها إيمانا منا بأن تونس للجميع يملي علينا حبها واجب الولاء لها والتضحية من أجلها ويعطي كل تونسي وتونسية حق المشاركة في بناء مصيرها”. وفي ذات الاتجاه، تم في مفتتح هذا العام مضاعفة المنحة القارة المخصصة لتمويل الأحزاب الممثلة بمجلس النواب بما سيساعدها على تعزيز دورها وتكثيف نشاطها فضلا عن الترفيع في المنحة المخصصة لصحفها دعما لقدراتها على إبلاغ صوتها والتعريف ببرامجها وآرائها. كما دعا الرئيس التونسي في نوفمبر الماضي إلى تكثيف فضاءات الحوار في القنوات التلفازية ودعم حضور المعارضة في الملفات حول القضايا الوطنية والمستجدات العالمية وذلك حرصا على إثراء تعددية المشهد الإعلامي الوطني ومزيد تكريس تنوع الآراء والمواقف. وفي إطار العمل على توسيع مجال المشاركة في الشأن العام بمختلف الوسائل المتاحة ولاسيما بواسطة الانتخاب الذي يعد من أهم مظاهر النضج السياسي في الأنظمة الديمقراطية تم تخفيض السن الدنيا للانتخاب من عشرين سنة إلى ثماني عشرة سنة لتمكين شباب تونس من المشاركة على أوسع نطاق في الانتخابات العامة. كما أقر الرئيس التونسي ضرورة دعم تركيبة المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات بحضور مختصين في القانون وشخصيات وطنية مشهود لها بالاستقلالية والكفاءة وذلك تعزيزا لمقومات الشفافية والسلامة في العمليات الانتخابية. وتظل الإرادة السياسية راسخة كذلك في توسيع حضور التعددية بالمؤسسات الدستورية إذ تم إقرار مراجعة المجلة الانتخابية بما يكفل الترفيع في عدد المقاعد المخصصة للمستوى الوطني في انتخابات أعضاء مجلس النواب إلى مستوى 25 بالمائة فضلا عن مراجعة النصوص المنظمة للمجالس العليا الاستشارية لتمكين الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من عضوية كافة هذه المجالس بما يعزز تقاليد التشاور وتبادل الآراء والأفكار بخصوص سير مختلف القطاعات وإثرائها. كما أقر تنقيح المجلة الانتخابية في اتجاه النزول بالسقف المحدد لعدد المقاعد بالنسبة إلى القائمة الواحدة بكيفية لا تسمح لأي قائمة بأن تتحصل على أكثر من 75% من المقاعد بالمجالس البلدية مهما كان عدد الأصوات التي تحصلت عليها. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الرئيس بن علي قد حرص في التشريع وفي الممارسة على صون حرية الرأي والتعبير وحماية الملكية الفكرية وحقوق المؤلفين فكان أن أقر في هذا الصدد إلغاء الرقابة الإدارية على الكتب والمنشورات والأعمال الفنية عند الإيداع القانوني وجعل الرقابة وإصدار قرارات المنع من النشر من أنظار القضاء وحده مع الحفاظ على الإيداع من أجل صيانة الذاكرة الوطنية.العلاقات التونسية- اليمنية [c1] التاريخ:[/c]يشهد التاريخ على عمق العلاقات بين تونس واليمن منذ القدم، إذ تشير بعض الدراسات إلى الأصول اليمنية لبعض قبائل البربر في بلدان المغرب العربي التي هاجرت قبل الفتوحات الإسلامية. كما يسجل التاريخ مشاركة أهل اليمن الهامة ضمن الجيوش الإسلامية التي فتحت إفريقية وهجرة قبائل بني هلال اليمنية إلى شمال إفريقيا وخاصة إلى تونس. ولم يستطع الزمن محو وطمس الهوية اليمنية للمهاجرين رغم اندماجهم مع الشعوب المحلية ومساهماتهم في البناء والتعمير في بلاد المغرب العربي وهو ما يؤكده تشابه العادات والتقاليد واللغة بين أهل تونس وأهل اليمن. وثبت أنه يستعمل، في وقتنا الحاضر، أكثر من مائتي مصطلح لغوي مشترك في تونس وفي اليمن. كما يشترك التونسيون واليمنيون في عدة مظاهر اجتماعية وخاصة الألقاب العائلية الحضرمية )حولي 45 عائلة ( ، وفي الأسلوب المعماري واللباس والأكل، وكذلك أسماء بعض المناطق من ذلك مدينة أريانة التونسية ومدينة سوسة التي كانت تسمى حضرموت.و يذكر التاريخ الحديث رحلة الشيخ التونسي المناضل عبد العزيز الثعالبي ﴿1876-1944﴾ إلى اليمن سنة 1924 وسنة 1926، وهو من رواد التنوير في أوائل القرن العشرين وزعيم الحزب الحر الدستوري التونسي في عهد الإستعمار الفرنسي. وقد وصف اليمن بالأرض السعيدة وأهلها بالكرماء. كما قام بمساع لدى المسؤولين اليمنيين والمدنيين، وفي مقدمتهم الإمام يحيى وسلطان لحج عبد الكريم بن فضل وعدد من شيوخ القبائل اليمنية، لإقناعهم بعقد مؤتمر قومي عام للنظر في سبل توحيد اليمن وتخليصه من الهيمنة الأجنبية.[c1] الحاضر:[/c]دعم وتعزيز الحاضر من خلال التناصر والمساندة المتبادلة للشعبين الشقيقين، فالجمهورية التونسية من أوائل الدول التي اعترفت بقيام الجمهورية اليمنية. كما شهد أول سفير تونسي باليمن وجه الوحدة اليمنية على جبين الشعب اليمني الواحد سنة 1990.، . وتعزز هذا التمشي في ظل القيادتين الرشيدتين لسيادة الرئيس زين العابدين بن علي وأخيه فخامة الرئيس علي عبد الله صالح اللذين يرتبطان بعلاقات وثيقة واحترام متبادل، وتحدوهما إرادة راسخة من أجل مزيد دفع علاقات الأخوة والتعاون وتطويرها بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين.وتجسدت هذه الإرادة من خلال تكثيف التشاور والاتصالات والزيارات بين المسؤولين، حيث تطابقت وجهات نظر البلدين في العديد من القضايا ﺬات الاهتمام المشترك.وتشهد العلاقات التونسية اليمنية خلال هذه الفترة نقلة نوعية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تواترت دورات اللجان المشتركة التي تؤطر التعاون بين تونس واليمن لتصل إلى عشر لجان تم التوقيع خلالها على أكثر من ثمانين اتفاقية تعاون. ويستعد البلدان لانعقاد الدورة الحادية عشر للجنة المشتركة التونسية اليمنية في صنعاء.وبمناسبة انعقاد الدورة العاشرة للجنة المشتركة التونسية اليمنية بتونس خلال شهر أبريل 2008، حظي معالي الدكتور أبو بكر القربي بشرف مقابلة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، حيث سلم إلى سيادته رسالة خطية من أخيه فخامة الرئيس علي عبد الله صالح، تضمنت دعوة سيادته لزيارة بلده الثاني اليمن، ونقل إليه تحياته وخالص عبارات شكره وتقديره لما يبذله سيادة الرئيس زين العابدين بن علي من جهود حثيثة لتوطيد أواصر التعاون بين البلدين الشقيقين وتمنياته لسيادته بموفور الصحة والسعادة وللشعب التونسي الشقيق مزيدا من التقدم والرفاه.وقد حمل سيادة الرئيس زين العابدين بن علي معالي الدكتور أبو بكر القربي أصدق مشاعر المودة والتقدير لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح وتمنياته الصادقة للشعب اليمني الشقيق باطراد التقدم والازدهار. وبفضل الرعاية الشخصية التي يوليها قائدا البلدين الشقيقين للعلاقات الثنائية، تكثفت خلال الفترة الماضية اللقاءات والزيارات بين المسؤولين، بما يعكس بصفة ملموسة الرغبة المشتركة التي تحدو تونس و اليمن لتبادل الخبرات والتجارب في مختلف المجالات. كما أن تونس المتمسكة بعروبتها وببعدها القومي، لم تتوان عن تقديم حصيلة تجاربها لخدمة العديد من القطاعات في الجمهورية اليمنية بما يدعم مسيرتها على درب النمو. فالتعاون التربوي والتكويني بين البلدين ينمو بشكل مطرد من خلال احتضان المعاهد والجامعات التونسية لعدد هام من الطلبة والمتدربين اليمنيين. كما توثق التعاون في مجال الإعلام والإدارة والشباب والرياضة والبيئة والنقل والشؤون الدينية والفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة والكهرباء وتكنولوجيات الاتصال و المعلومات وصيانة الأرشيف والصحة الإنجابية وغير ﺬلك، حيث تقام سنويا عدة دورات تدريبية في تونس لوفود يمنية. إلا أن حجم التبادل التجاري يبقى دون المنشود مقارنة بالإمكانيات والفرص المتاحة في كلا البلدين.وبلغ حجم التبادل التجاري في موفى سنة 2008 قرابة ثلاثة مليون دولار في الاتجاهين، حيث تصدر تونس إلى اليمن مواد غذائية ( أجبان وبسكويت ومواد مخبزية ومعجون طماطم وتمور وزيت زيتون ...) ومواد إنشاء وتعمير وأدوية وزيوت وموّاد مكتبيّة وموّاد خزفية ومشتقات الفسفاط. وتستورد من اليمن الأسماك والمنتجات البحريّة ، فضلا عن المواد الدهنية والزيوت الطبيعيّة وقطع غيار السيارات.وتسعى تونس إلى الرقي بالتبادل التجاري مع اليمن الشقيق من خلال تكثيف مشاركاتها في الفعاليات الاقتصادية اليمنية والزيارات المتواترة لوفود رجال الأعمال والمستثمرين التونسيين في مختلف القطاعات.وفي هذا الإطار، ستشارك تونس للمرة الثالثة في معرض صنعاء الدولي خلال شهر جوان 2009، كما سيزور اليمن بالمناسبة وفد هام من رجال الأعمال التونسيين للالتقاء بنظرائهم اليمنيين بهدف النهوض بالتبادل التجاري وإحداث شراكات في العديد من القطاعات، وكذلك استكشاف فرص جديدة للتعاون في المجالات الاقتصادية.