شفاء منصر قصة (عين في رقبة) للقاص عبد الفتاح العودي التي نشرت في الصفحة الثقافية قصة بديعة ومؤثرة كنت قد سمعت عن أحداثها المروعة تروى ويتناقلها الناس منذ زمن واستمتعت بقراءتها كعمل أدبي على الورق..والقصة التي تدور في الريف اليمني توجز مأساة تخلفنا الاجتماعي الذي يقودنا إلى مصير قاسٍ ومدمر وهي تتحدث عن طفل اضطر من دون قصد إلى أن يفقأ عين بقرة جاره الجامحة وهو يحاول إبعادها عن (حمى أهله) فيثور صاحب البقرة ويقسم أمام الجميع على أن يثأر لبقرته بأن يقطع رقبة الصبي. ولا تجدي كل محاولات أهل القرية لاثنائه عن عزمه إلى أن يتوصل عقلاؤها إلى حل غريب وهو أن يكتفي الرجل الموتور ليبر بقسمه بتمرير شفرة السكين على رقبة الصبي بطريقة تمثيلية فيوافق الرجل على الفكرة المقترحة وفي اليوم المحدد لحل المشكلة يقوم صاحب البقرة بخداع الجميع ويجز رقبة الصبي لتنفجر معركة دامية تلطخ وجه القرية الهادئة بالدم..وقصة (العودي) التي تدور حول جريمة ثأر مجنونة أثارت لدي إنفعالات ومشاعر مذعورة وتداعيات حزينة كانت مبعثاً لتفكيري بالكتابة عنها ليس للوقوف عند أسلوب القاص ودراسة أساليبه التعبيرية في كتابة فن القصة القصيرة التي أتركها للنقاد.. ولكن لقراءة سريعة في تداعيات مثل تلك الجرائم على واقعنا اليمني والعربي المثقل بجرائم الثأر وفصول الدم التي عمرها (قرون) بدءاً من الحلقات الأولى من مسلسل داحس والغبراء والبسوس... التي اشتعلت بسبب مرعى أو عنزة أو خلاف عائلي بسيط وإنتهاء بجرائم الثأر الاجتماعية في زمننا التي تطورت كما تقول غادة السمان إلى جرائم (برلمانية وسياسية) ترجع غالباً إلى الفهم الخاطئ للنص القرآني الذي يقول :»العين بالعين والسن بالسن ..الخ« وإلى روح الجاهلية التي بعثت من جديد لتجعل الموتور يعيد أحياء العادات القديمة المتخلفة التي كان يتبعها صاحب الثأر ليأخذ بثأره بأن يحرم نفسه من مباهج الحياة حتى يدرك ثأره..وفصول الدم التي مازالت تعرض على مسارح مدننا وقرانا تبدو كأنها نار نحرص على ألا تنطفئ أو قدر عربي لأفكاك لنا من قبضته وجبروته قدر يسلمنا إلى التمزق والتخلف بحيث ننشغل عن قضايانا المصيرية الكبرى بخلافاتنا الصغيرة التي أهدرت طاقات الأمة (والغت إحساسنا بالخطر) مما هو مختبئاً لنا في غياب المجهول من ويلات ستسلمنا إلى الضياع والتلاشي دون أن نفعل شيئاً يذكر لنتخلص من ميراث تخلفنا العتيق.
|
ثقافة
فصول حزينةمن تداعيات قصة الثأر
أخبار متعلقة