حب الحياة جبلة يشترك فيها الإنسان والحيوان معاً. كما أن حب الحياة هو الأس الأول الذي تقوم عليه الحضارات منذ أن عرف الإنسان الحضارات، وعندما تصبح الحياة بلا معنى أو قيمة يصبح (التعلق) بالموت مهوى أفئدة المحبطين الذين هم في واقع الأمر (مرضى نفسيون)؛ لذلك حرّم الإسلام (الانتحار)، لأن حياة الإنسان ليست ملكه، وبالتالي لا يجوز له التحكم بها. والانتحار ظاهرة (انهزام) وإن بدت في أعين بعض البسطاء السذج، وكأنها دليل ( شجاعة) أن تعجز عن مواجهة الواقع، وتستسلم للإحباط وتنكسر أمام الفشل، فإن أسهل الطرق للهروب من المواجهة هو (الانتحار) وإيذاء الآخر (المنتصر) كما يفعل الانتحاريون الصحويون. وقد عرفت أمم أخرى ظاهرة الانتحار، في العصر الحاضر ثوار التاميل في سيرلانكا هم أكثر من (فجروا) أنفسهم في عمليات إرهابية من حيث العدد، كما أن طياري ( الكامكازي) اليابانيين بعد أن شعروا ب(هزيمتهم) قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية لجؤوا إلى (الانتحار) بتفجير طائراتهم في البوارج الأمريكية. وقد أجريت الكثير من البحوث والدراسات (النفسية) المتخصصة لدراسة هذه الظاهرة في محاولة لرصد أسبابها وبواعثها وتفكيك قناعات من يُقدمُ عليها، وكيف تخلص من غريزة (حب الحياة) وأقدم على الانتحار.أغلب الدراسات التي بحثت في هذا الشأن تميل إلى أن الباعث (الأهم) ليس (فقط) التطرف في الإيمان الديني، وبالتالي البحث عن (التطهر) كما يتصور البعض، أو الإيمان بقضية ما فيضحي بنفسه من أجلها، قد تكون هذه عوامل مساعدة أو مساندة، إنما (السبب) يعود في دافعه الرئيس إلى (مرض) نفسي عضال؛ يقول الدكتور روري أو كونور من جامعة ستراثكلايد والبروفيسور نول شيهي من جامعة كوينز في بلفاست: (إن هناك أدلة على وجود حالة من اليأس والضغوط النفسية التي لا تطاق عند تسعين في المائة من الذين يقدمون على الانتحار أو يفكرون فيه). كما يؤكد أوزجان بشار في مقال له تحت عنوان: (طقوس وأسباب وأشكال الانتحار عبر التاريخ) أن المريض - المنتحر يفقد توازنه، وإحساسه بقيمة (الأنا) أو هو: ( لا يستطيع أن يبلور طاقاته الدفاعية كي يتعامل مع الناس ومع واقعه)؛ إلى أن تصل دفاعاته إلى الفشل في الدفاع عن غريزة حب الحياة نفسها، فيقدم على (الموت) رغبة في الانسحاب السهل والمريح في الوقت ذاته من معاناته، ومن خلال رصد حالات الانتحار اتضح أن الشخص الذي يقدم على الانتحار يكون في الغالب: (لديه ضعف في الصور الخيالية، فالصحة النفسية السوية تتميز بأنها (تنفس) الطاقات المكبوتة والضغوطات عن طريق (الخيال) أو (التخيّل)، لذا فإن الشخص الذي يلجأ للانتحار يكون لديه ضمور وعدم قدرة على التنفيس، وضعف في الطاقة التخيلية). كما لاحظ المختصون -أيضاً- أن من أهم ملامح التاريخ النفسي للشخص المنتحر: (أن شخصيته تتميز باللامسؤولية؛ إذ يبدو وكأنه (مراهق أبدي)، لا يمتلك الاستقرار العاطفي والنفسي، ويعيش في حالة فراغ مستمرة، ويشعر بشكل يتزايد مع مرور الوقت بالاكتئاب). وعادة: (ما يكون المنتحر عاجزا عن رؤية الحلول، مع العلم بأن الحل موجود دائماً، لكنه وصل إلى درجة لا يرى فيها غير الانتحار حلاً مناسباً). ويتحدث المتخصصون عما يسمونه ب(مثلث الكآبة) كقاعدة أساسية وضرورية لأي عمل انتحاري. في مثلث الكآبة هناك ثلاثة أضلاع: الضلع الأول: نظرة سوداء للذات. الضلع الثاني: نظرة قاتمة للمحيط. الضلع الثالث: نظرة متخوفة من المستقبل. أما كيف استطاع الصحويون (الثوريون) توظيف هؤلاء المرضى النفسيين لتنفيذ مشاريعهم السياسية فهو ما سوف أتحدث عنه لاحقا.[c1]نقلا عن / صحيفة (الجزيرة) السعودية [/c]
الانتحاريون
أخبار متعلقة