لغز «القاعدة» وإسرائيل!
لعلنا مجبرون اليوم قبل الغد على أن نفكر في القول المأثور «احتفظ بالقرش الأبيض لليوم الأسود». كنا، في الخليج، لسنوات خلت نحلم فقط بأن يصبح برميل النفط بخمسين دولارا، لكي نستطيع أن نقيم بنية تحتية قادرة على البقاء بعد عصر النفط، وقد فاق تصوراتنا مع بداية العام 2008 أن بلغ سعر برميل النفط لأول مرة 100دولار بالكمال والتمام. بالطبع هذه مئة الدولار تحتاج إلى تفسير ثلاثي الزوايا، الأول أنه ليس كل برميل نفط بمئة دولار، فهناك براميل (ابن ناس) بمئة، وهناك براميل أخرى بأقل من هذا السعر، حسب النوعية، والثاني أن القيمة الشرائية لمئة الدولار اليوم ليست هي قبل سنوات خلت، فقيمة مئة الدولار اليوم تعادل خمسين دولارا على الأكثر في العام 1990، والثالث، وهو الأهم، أن هذا التدفق المالي الكبير سوف يذهب جلّه للاستهلاك لا الاستثمار، وهنا الطامة الكبرى على منتجي النفط وخصوصا العرب دون غيرهم.لعل مئة الدولار تصبح حقنة منعشة لنا لكي نعرف ما حولنا ولا تتحول كما حصل مع غيرنا إلى حقنة مخدرة تفقدنا الوعي بما حولنا. من المتوقع حسب مصادر غربية مطلعة أن يرتفع سعر البرميل في حال قيام نزاع مسلح بين إيران ودول غربية إلى 125 دولارا، والمرجح أن يحدث ذلك فيما بين 2009 و2010 أو بعد ذلك بقليل، إلا أن هذه الطفرة المالية الكبرى سوف تتراجع حيث يقدر الخبراء، أن يتراجع سعر برميل النفط إلى أقل من 50 دولارا بعد انتهاء ذلك النزاع. هذا من جانب، أما من الجانب الآخر والمهم، فإن التكنولوجيا البديلة للطاقة أخذت تطل برأسها في بعض التجمعات الصناعية المتقدمة، فالعطش النفطي، كما أصبح يسمى في الأدبيات الغربية، سيتحول إلى ارتواء بنوع آخر من الطاقة، وقد غادرت تلك التجارب المعامل لتستخدم في بعض القطاعات الإنتاجية.وعليه فإننا في الوقت الذي نفرح بارتفاع أسعار النفط إلى 100دولار يجب أن نقيم «مجلس عزاء» يتقبل فيه أهل النفط التعازي الحارة ببدء فقدانهم التاريخي لثروة طائلة لم يستطيعوا توجيهها نحو أفضل ما يمكن التوجيه إليه، وهو الاستثمار في رأس المال البشري الذي اكتشف أهميته أهل الرأي من سنغافورة إلى كاليفورنيا، فقد أصبحت جامعة لي كوان يو في سنغافورة من الخمس والعشرين جامعة دولية الأولى في العالم، فيما بدأت سنغافورة التنمية فقط في الستينيات من القرن الماضي، كما أصبح اقتصاد الهند والصين يشارف على العولمة، حيث تشارك الشركات الوطنية في هذين البلدين القامات العالية لشركات الصناعة والخدمات الدولية. وتتحول دول شرق آسيا من «راكب» في قطار العولمة إلى «مشارك في القيادة»، بسبب اعتناء واضح وكامل بالبعد البشري، والتعليمي خاصة. في العام 2000 استولت بعض الشركات الهندية على خمسين شركة عالمية بلغت قيمتها 957 مليون دولار، وفي العام 2006 استولت شركات هندية على أكثر من 164شركة عالمية بلغت قيمتها 120مليار دولار. وهي شركات يديرها في الغالب بشر من الشعب الهندي الذي يتكلم سبعين لغة تجمع بينهم الإنجليزية. كل هذا يشير لنا بوضوح إلى أن المال المتوافر، إن لم يستخدم اليوم بشكل حصيف في ترقية التعليم وتجويده، فإن مدننا في الخليج سوف تصبح مثل مدن الذهب في أميركا اللاتينية بعد ما يهجرها « المغامرون» الذين استخرجوا الذهب وصدروه، ولم يتركوا لغيرهم غير التراب.[c1]* عن/ جريدة ( أوان) الكويتية[/c]