صباح الخير
الضجة التي أحدثتها فتوى إرضاع الكبير.. والمستندة إلى حديث في صحيح مسلم ملخصه أنّ سالم مولى أبي حذيفة كان قد تبنّاه أبو حذيفة فلما كبر وجدت امرأة أبي حذيفة حرجاً من الظهور على سالم لغيرة عند أبي حذيفة.. فشكت ذلك للرسول (صلى الله عليه وسلّم) فأمرها أن ترضعه فتصير بذلك محرمة عليه ويمكنه الدخول عليها كأحد محارمها.. ثمّ ذهب بعضُ العلماء يقول إنّ ذلك خاص بسالم مولى أبي حذيفة ولا تُعد تشريعاً في إرضاع الكبير(؟!) .. لكن هذا الرأي غير ملزم في ميزان أصول الفقه.. وليس أحد من الناس يلزمه قول عالم ما مهما علا شأنه لكون المشرع هو الله تعالى وحده بواسطة رسوله (صلى الله عليه وسلّم)، ولذلك رفض الألباني مرجع محدثي الدعوة السلفية الوهابية المعاصرة رفض اختصاص الحديث بسالم فقط وقال تستطيع أي امرأة حتى لا تكشف ثدييها أن تفض مكان خروج اللبن " الحلمة " (!!) فيرضع منه الكبير ويصير مثل محارمها وهي طريقة "فنية" مبتكرة من أعجب ما أنتجته السلفية في تاريخها الطويل والعقيم من حيل المخارج!!!والآن أعود إلى ما بدأت به فأقول : هذه الضجة هي رد فعل طبيعي تعكس مستوى النضج الذي بلغه العقل البشري في عصر المستقبل، عصر المعلومات والطاقة والتنمية.. كما تكشف هشاشة وضحالة الفكر السلفي وعُقم انتاجاته.. وإن ما يُحاط به من هالة تضخم أمره وتثني على سعيه ما هي إلا كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.. ووجد الله عنده فوفاه حسابه.. وأساس هؤلاء متعصبو أهل الحديث الذين أصروا ويصرون على أن يجعلوا من كلام جمعوه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلّم) بأكثر من مائة عامٍ في مستوى القرآن المجمع على سلامة ما بين دفتيه.. بل ذهبوا أبعد من ذلك فأجازوا نسخ القرآن بالسنة – سبحان الله!! بل ذهبوا إلى أسوأ من ذلك فقال قائلهم – وهو يحيى بن أبي كثير : السنة قاضية على القرآن .. وليس القرآن قاضياً على السنة!! وهذا كلام تقشعر له الأبدان السليمة.. وتستنكره العقول الحليمة!!.. حتى سُئل أحمد بن حنبل رضي الله عنه : عن قول يحيى بن أبي كثير هذا، فقال : لا أجسر أن أقول هذا (!!)، ولكن أقول : السنة تفسر القرآن وتبيِّنُه!!!وأزمة الحديث وأهله أنّ واضعي فنونه وأحكامه بشر يرفضون الاعتراف بإمكان حدوث الخطأ من بشر وإلا لما أحاطوا هذا الفن بهذه ا لهالة التي هي في بعض عقدها أشبه ببالونه تنفجر هباءً منثوراّ كهذا الحديث حديث إرضاع الكبير، وغيرها أحاديث كثيرة يشيب لها الوليد،.. منها على سبيل التمثيل لا الحصر حديث أبي هريرة في مسلم أنّ الله خلق السموات والأرض في سبعة أيام مع أنّ القرآن يقول في ستة أيام !! والحديث في منتهى الصحة يا سادة!! ومنها أنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن (!!!) نعوذ بالله من الخذلان والتشبيه ومع ذلك تُنتج قريحتهم المتبلدة تفسيراً فيقولون إنّ له تعالى صورة كصورة الإنسان ولكن ليست كالصور (!!) وهو المهرب الذي اخترعه ابن تيمية ومن قبله ابن بطة (!)، ومنها حديث الأئمة من قريش .. فيجعلون الدين سلالية.. ومنها حديث لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة.. ثمّ ينكرون على الشيعة الاثنا عشرية اعتقادهم بالأئمة المستند على هذا الحديث عند أهل السنة!! ومنها حديث يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود!! فجعلوا المرأة سواءً مع الحمار والكلب الأسود!!وغير هذه الأمثلة طوام كثيرة يمر عليها بعض الدعاة الذين ينجذبون إلى الحديث بدافع الحفاظ على الشرف والوجاهة مرَّ الكرام ويؤثرن الصمت.. بينما ينطلق السلفيون بكل فخر يصيحون لله صورة كصورة آدم ولكن ليست كالصور (!!).. وحديث غمس الذباب في الشراب ثم شربه بعد غمسه.. بل سمعت خطيباً يصيح أنّ حديث إرضاع الكبير لا غبار عليه.. فهل هذا هو الدين الذي نصر على تقديمه للعصر والإنسان في زمن لم يعُد شيئاً محرماً على الفكر والتفكير؟!ولست أدري إلى الآن وأنا أصول وأجول في شتى ميادين الكتب والفكر الديني والإسلامي منذ أكثر من ربع قرن من الزمان ما الذي جعل أهل الحديث يرفضون معياراً من أهم المعايير في ثبوت الحديث خرج من فم النبوة الطاهر رغم روايتهم له على استحياء وهو قوله (صلى الله عليه وسلّم) : إذا جاءكم الحديث تطمئن له قلوبكم وتلين له أبشاركم فهو مني وأنا منه .. وإذا جاءكم الحديث عني تستنكره قلوبكم وتقشعر منه أبدانكم فليس مني ولست منه" ، فهل أحاديث إرضاع الكبير وتشبيه صورة آدم بصورة الله تعالى وخلق السموات والأرض في سبعة أيام وغيرها مما تلين له القلوب والأبدان أم أنّ الأمر يجب أن يستوي ويقف عند حد قول الزمخشري المعتزلي – رحمه الله :إذا سألوا عن مذهبي لم أبُح بهواكتمه، كتمانه لي أسلمُفإن حنفياً قلت، قالوا بأننيأُبيحُ الطلا، وهو الشرابُ والمحرمُوإن مالكياً قلتُ، قالوا بأننيأُبيح لهم أكل الكلاب، وهمْ همُوإن شافعياً قلت، قالوا بأننيأُبيحُ نكاح البنت والبنت تحرمُوإن حنبلياً قلت، قالوا بأننيثقيلٌ، حلوليٌ، بغيضٌ، مجسمُوإن قلت من أهل الحديث وحزبهيقولون تيسٌ؛ ليس يدري ويفهمُتعجبت من هذا الزمان وأهلهفما أحدٌ من ألسُن النار يسلمُوأخّرني دهري وقدّم معشراعلى أنعم لا يعلمون، وأعلمُومُذْْ افلح الجُهّال أيقنت إننيأنا الميم، والأيام افلحُ اعلمُوالأفلح هو مقطوع الشفة السفلى والأعلم هو مقطوع الشفة العليا وشبه الزمخشري إخفاء الزمان له مثل "ميم « الأيام» عندما ينطق رجل افلح أعلم كلمة «الأيا م»، فهي آخر الحروف ولم ينطقها الأفلح الأعلم!ويبدو أنّ الغمز واللمز بسطحية تفكير أهل الحديث وضحاله رؤاهم هي قديمة، ولا يتقبلهم أهل العقول والألباب ورؤاهم تتعارض دوماً مع العقل الذي ألغوه وبلغ بهم أن قال قائلهم : لم يصح في فضل العقل شيء!! فسبحان الله إذا كان لم يصح في فضل العقل شيء فماذا نصنع بآيات كثير يقول الله فيها : إنّ في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون، يتفكرون، لأولي الألباب.. فقد صحّ في فضل العقل كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وإن كان لم يصح عند أهل الحديث فذلك شأنهم وما ينهجون!!! وصدق الله القائل حكاية عن أصحاب النار "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" فإلغاء العقل كان سبباً رئيسياً لأن يردوا جهنم فتأملوا يا أولي الألباب!!.