ناقشها مؤتمر في القاهرة
القاهرة / 14 اكتوبر /غادة إبراهيم منصور :المشاركون في مؤتمر "الدراما والتربية" الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة علي أهمية تبني الدراما لقيم وأخلاق المجتمع من أجل مواجهة الواقع العولمي المؤلم الذي جرد الإنسان من كل مشاعره وغرس فيه العقلانية والنفعية·وقالوا: إن الصلة وثيقة بين الدراما والتربية لأن كلاً منهما انعكاس للآخر فكلاهما يقوم علي الحوار سواء بين المعلم والتلميذ، أو بين كاتب الدراما والمتلقي·وأكد د· عبد السلام عبد الغفار مقرر لجنة التربية بالمجلس الأعلى للثقافة أن الدراما محاكاة للواقع وانعكاسـًا له بما تملكه من وسائل متنوعة، قادرة علي أن تصور الواقع وترهص بالمستقبل، فالدراما انعكاس حقيقي للثقافة المجتمعية وقيمه وآماله وأحلامه وتطلعاته المستقبلية، إذا ما توافرت لها عناصر الإبداع الفني وقوة الأداء ووضوح الرؤية وسلامة القصد وعمق الطرح للمشكلات وقضايا المجتمع التي تمثل بعضها في نشر الوعي السياسي والقومي والنهوض بالمجتمع،وتأصيل قيم السعي والاستمرارية والإصرار علي النجاح وتعميق الانتماء، وتلقي التربية والدراما في الهدف وإن اختلفت الوسائل وتطلعاته المستقبلية إلي الأجيال القادمة ووسيلتها في ذلك إعداد الكوادر العلمية العميقة الانتماء، والتي تستطيع مواكبة عصر يشهد تفجرًا علميـًا متواصلاً يصعب معه التنبؤ بما هو قادم· وأضاف : لقد اقتضي التقدم المذهل في عالم الدراما وتنوع وسائلها وجاذبية إبداعها، أن تحول الإنسان المعاصر إلي أسير لأدواتها أسير الصورة المرئية للدراما التليفزيونية والسينمائية والمسرح الغنائي والأوبرالي والتراجيدي، الأمر الذي يجعل من الدراما وسيلة لنقل الثقافة وهيمنة الثقافة التغريبية، والتيارات الفكرية والثقافية التي تدافع عن مصالحها وتوجيهاتها، الأمر الذي يستلزم الوعي والقدرة علي الانتقاء وإمكانية تقديم أعمال تسهم في تعميق انتماء شبابنا لثقافتنا القومية ومعاييرنا القيمية المستمدة من قيمنا الروحية وثوابتنا الأخلاقية ، لهذا فإن الدراما بوسائلها المتنوعة والتربية بمفاهيمها المتحررة يحتاجان لاستراتيجيات تربوية ودرامية متجددة لترسيخ ثقافة المجتمع المتميز الفريد، ومواكبة لتغيرات علمية متسارعة وتقدم تكنولوجي مذهل يكون التحام تربوي ودرامي في بوتقة واحدة تستهدف الارتقاء بمستوي الوعي وعرض نماذج ثقافية تعمق مشاعر الانتماء وتؤهل مفاهيم الهوية الثقافية وتساعد في تغيير الاتجاهات السلبية والتوجه إلي اتجاهات إيجابية تؤكد قيم السعي والإصرار علي النجاح والتطلع إلي المستقبل والمضي نحو آفاق متواصلة التقدم·[c1]شكل إبداعي[/c]وتحدث د· عبد الفتاح أحمد حجاج عميد كلية التربية جامعة الإسكندرية عن نظرات الدراما للتربية والعكس فقال: الدراما كلمة إغريقية الأصل بمعني الحركة فهي شكل من أشكال الإبداع الإنساني الذي يعكس صورًا من الواقع المعاش يركز فيها علي تحليل وتجسيد الأفكار والمعتقدات والقيم بهدف ترسيخ هذه الأمور لدي الناس، أو تقدم الدراما في صورة ما نطلق عليه بلغة اليوم الواقع الافتراضي حيث تعتمد هذه الصورة علي الخيال أكثر من اعتمادها علي معطيات الواقع ·ويضيف حجاج : تستند هذه الصورة أيضـًا إلي نفس الأهداف التي تسعي الصورة الأولي لتحقيقها في تطور آخر ومرحلة زمنية لاحقة أخذت الدراما فيها الدراما منحى مغاير، حيث أضحى التركيز علي تحريك الواقع الثقافي ونقد عناصره ومكوناته بهدف تغيير ذلك الواقع وتهيئة الأذهان لتقبل الجديد والتعايش معه لذا فمفهوم الدراما هو تجسيد الواقع من ناحية ثم تحريكه وتطويره نحو الأفضل من ناحية أخري؛ لذا فالدراما مثل طبيعي للإبداع المتنوع الصورة والأشكال بتعدد أنماط الثقافة والعصور والأزمنة بما تحمله من مناخ فكري·[c1]صراع درامي[/c]كما تحدث د· فتحي دراج أستاذ العلوم الاجتماعية والتربوية بمركز البحوث عن صراع الدراما مع التربية قائلاً: الصراع عنصر سياسي في الدراما لكنه استطاع أن يشكل هذا العنصر الهام الوعي البشري من خلال علاقته بالواقع الاجتماعي عامة والعملية التعليمية خاصة ، فطبيعة الدراما تعليم الناس بصورة كاملة إما بالأداء أو بالمشاركة في مواقف تجعلهم في حوار وتفاعل دائمين مع الأخر حيث لا يكون الهدف مجرد التعرف علي حقائق مجردة موجودة بالمصادر، ولكن بدخول عالم الآخرين والتعرف عليه·وأشار إلي أن الدراما لم تعد احتفالاً سنويـًا تقليديـًا في المؤسسات التعليمية لكنها استطاعت أن تحقق شعبية تكمن في اختتام الدراسات المسرحية بدور المسرح في التعليم الوجداني والمعرفي علي حد سواء حيث تبرز العلاقة الجدلية بين المسرح والعملية التعليمية أهمية المسرح في تشكيل الجوانب العقلية والوجدانية للإنسان والتي هي جوهر أي عملية تعليمية سليمة، وتكمن أهمية الصراع الدرامي في إبراز القيم الإيجابية والسلبية في الشخصية الإنسانية كما يفضل المعرفة والتجربة من خلال الحوار والصراع الدرامي يحقق حراك اجتماعي من خلال استخدام التربية سبيلاً لتطور الشخصية·[c1]دراما وتربية[/c]وعن جماليات التلقي بين الدراما والتربية تحدث د· محمد سعيد القن أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون قائلاً: يجمع التلقي بين الدراما والتربية حيث أن كلا منهما يسعي إلي مخاطبة المتلقي وصولاً لعقله وقلبه وخياله ومما يجعل عملية التلقي مستمرة هو امتلاك المتلقي لأدوات وطرائق ومفاهيم هذا المتلقي وهو ما يطلق عليه جماليات التلقي· فالمتبع لتاريخ الأدب والمتلقي يجد أن المفكرين والفلاسفة قد ركزوا علي الكاتب والنص ولم يعيروا القارئ اهتمام من أي نوع· حتي تغير الحال في عملية التلقي حيث غير الفيلسوف الألماني "نيشتة" مفهوم النص إلي مفهوم الحقيقة فالعالم ليس إلا مجموعة تأويلات، ولا وجود لحقائق ثابتة لذا فلا قيمة للإبداع أو الابتكار أو الإنتاج، فالعالم لا وجود ولا قيمة له إلا من خلال متلقي أو مؤول يقوم بإدراك العالم وقراءته وتفسيره ومن ثم إنتاج معانيه فإننا بذلك نكون قد انتقلنا إلي تنوع القارئ وتوجه ملكـًا في مملكة النص وإنتاج المعاني النصية حيث أعلن الأديب الفرنسي " نارت" موت، المؤلف وميلاد القارئ وهو ما يتماشي مع عالمنا اليوم عالم المتلقي وعالم شبكة المعلومات الدولية وإنتاج المعرفة وتوظيفها لصالح المتلقي، المتعلم، المبدع والمنتج، وبهذا الشكل تصبح الدراما أحد أهم مصادر تنمية الوعي النافذ وهو الوعي الذي يجعل عملية التلقي عملية إنتاجية مبدعه تؤدي مع الوقت ليس مكلفـًا بامتلاك المعرفة بل إنتاجها وهو الجانب الأهم والأخطر، لكن لكي يحدث هذا فلابد أن يقوم القائمون علي التعليم والتربية والدراما بالتأكيد علي القيم الإيجابية والسلوكيات المرغوبة وأهمية التسلح للمتلقي المتعلم بمجموعة من الأدوات والمفاهيم التي تساعده علي إدراك الواقع محليـًا وعالميـًا ومن ثم تفكيكه وإعادة تركيبه بما يتماشي مع المتغيرات المحلية والعالمية، ومن ثمّ دفع العالم إلي احترام هذا الوجود·[c1]مسرح تربوي [/c]كما تحدثت د· سلمي الصعيدي أستاذ التربية وعلم نفس الطفل بجامعة عين شمس عن المسرح التربوي قائلة: المسرح التربوي هو أهم الوسائل التعليمية لما لها من تأثير مباشر في إكساب الطفل خبرات حياتية ممتعة تنمي خبراته ومواهبه فهو أشبه بالمختبر أو المعرض لنشاط الأطفال، ولعل مسرحة المناهج هي من أنجح الوسائل التعليمية لأنها تخرج من المنهج المجرد المكون من حروف إلي الحركة والتفاعل والصور الحية الناطقة وتحقق هدفها في تزويد الطفل بفن الحياة والعمل علي تنمية شخصيته وإعداده إعدادًا سليمـًا للحياة العملية فليس غايته المسرح المدرسي إذ كان خيال الطفل ووجدانه وتحفيز قدراته وتوسيع أفقه الإبداعي فقط لكنه تعدي ذلك إلي تزويد الطفل بالمعلومات والتقاليد الاجتماعية والتعبير عن الإحساس من خلال فنون المسرح المبهرة سواء داخل الفصل أو المسرح المدرسي، كما يرسخ القيم الإنسانية والمثل المبادئ التي يجب غرسها في نفوس الأطفال وتكوين مثل عليا في داخلهم ينمو معها وتتعاظم قيمتها داخله مع تنمية مهاراته مثل قوة الملاحظة والانتباه، وقوة التركيز والإدراك والتفكير والاسترجاع مما يثري ثروته اللغوية ومساعدته علي القراءة، وحسن الفهم والتصرف أمام الجمهور وإشباع أوقات فراغه فيما يفيد الطفل ويمتعه وينمي هواياته·