تبرزُ في صورة المشهد السياسي إشكاليات وتناقضات معقدة في إطار العَلاقة القائمة على التجاذبات والاستقطابات السياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة المنضوية في إطار «اللقاء المشترك» بقيادة الفرع اليمني للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يعمل بصورةٍ سرية تحت واجهة حزب «التجمع اليمني للإصلاح».وحين يتأمل المرء طريقة تناول الخطاب السياسي المعارض للأزمة الاقتصادية التي تواجهها بلادنا، ويزيدها تعقيداً تداعيات التقلبات والأعاصير المالية والطبيعية، بالإضافة إلى مخاطر الإرهاب الذي اكتوت وما زالت تكتوي به بلادنا ، سيدرك الحجم المهول من الضخامة والسطحية والعمومية في هذا الخطاب الذي يلجأ في كل الأحوال إلى استغلال هذه الأوضاع وتوظيفها كقضيةٍ محوريةٍ في النشاط الدعائي و التحريضي ضد السلطة، علماً بأنّ أحزاب المعارضة، لم تبذل حتى الآن جهداً سياسياً أو فكرياً أو ثقافياً ملموساً في مجال التصدي لظاهرة الإرهاب وتوعية المجتمع بخطورته.انها على العكس من ذلك تلجأ إلى أساليب انتهازية لا تخلو من الميكافيلية، وذلك من خلال حرصها المستمر على تناول الأوضاع الاقتصادية في البلاد باسلوب دعائي وكيدي يفتقر الى الموضوعية والمصداقية في تحليل الأزمة الاقتصادية، ما جعلها مجرد تنويعات غير ذات معنى في إطار الخطاب السياسي المعارض الذي يستهدف مخاطبة عواطف الناخبين دون أنْ يُقدِّم لها حلولاً قابلة للتحقيق، حتى بدا فرسان هذا الخطاب من خلال المنظومة الإعلامية لأحزاب «اللقاء المشترك» وكأنّهم يسوقون وصفة سحرية لإخراج البلاد من جحيم الفقر والبطالة والمفاسد، والانتقال بها إلى جنة النعيم والفضيلة والرخاء بمجرد حصول أحزاب «اللقاء المشترك» بقيادة التنظيم السياسي للإخوان المسلمين على أصواتٍ انتخابية تمكن هذا التنظيم من الاستيلاء على السلطة أو العودة إلى المشاركة فيها واستعادة المغانم التي خسرها بخروجه منها عام 1997 !من يقرأ ما تنشره صحف «اللقاء المشترك» وأخواتها سيجد تناولات ومقالات وتصريحاتً تنذر المواطنين بمستقبل أسود وقاتم، لن يجد فيها جديداً يفيده في التعرف على طبيعة الأزمة الاقتصادية، التي تمر بها البلاد، فهي لا تعدو أنْ تكون أكثر من صراخٍ دعائي وتحريضي يكرر مضمون الخطاب السياسي المعارض لجهة تناول الوضع الاقتصادي بأسلوب ديماغوجي سطحي يركز على إبراز مشاكل الفقر وضعف معدلات النمو وشحة الموارد والإنتاج ونقص البنى التحتية اللازمة لتدفق الاستثمارات الخارجية، وتراجع دور القطاع الصناعي، لكنها لا تقول للناس إنّ بلادنا لا تـُعاني لوحدها من هذه المشاكل التي تعد جزءاً لا يتجزأ من منظومة أزمات متكاملة تواجه البلدان الفقيرة والنامية ابتداءً من شرق آسيا مروراً بأفريقيا وانتهاءً بأمريكا اللاتينية والمكسيك، وتترك ظلالاً ثقيلة وانعكاسات حادة على الاقتصاد العالمي بأسره، ناهيك عن أنّ تلك المقالات والتناولات والتصريحات تعمَّدت طمس الجهود التي بذلتها الحكومة في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، ثم أسفرت عن نجاحات مهمة يعود إليها الفضل في تجنيب اقتصاد البلاد مخاطر انهيار سريع ومحقق كان سيحدث خلال السنوات العشر الماضية، لولا تلك الإصلاحات التي لا يجوز الاستهانة بها والتقليل من قيمتها.المثير للدهشة أنّ الخطاب السياسي والإعلامي المعارض يلجأ أحياناً إلى دغدغة عواطف المواطنين بمزايدات شعبوية حول دعم الأسعار وضرورة تعميم الخدمات بصورة مجانية، وهي سياسات تسببت في تعطيل قوانين السوق، والخروج عن قواعد الحساب الاقتصادي، وخلق بؤر متعددة لمستويات للفساد، وأدت في نهاية المطاف إلى انهيار اقتصادات البلدان الاشتراكية وبلدان الاقتصاد الموجه وتأزيم الأسواق المالية للبلدان الصناعية الكبرى ووصول اقتصاديات البلدان النامية متعددة الأنماط إلى طرق مسدودة بعد فشل أو تعثر التنمية فيها.الثابت أنّ أي حزبٍ سياسي في اليمن أو في أي بلدٍ من بلدان العالم، لا يحق له إدعاء القدرة على تقديم وصفة سحرية لمعالجة مشاكل النمو خارج إطار المعايير العالمية التي يسعى إليها المجتمع الدولي منذ فترة ليست بالقصيرة، على طريق بلورة شراكة دولية متكاملة في التنمية، وإضفاء العدالة على بُنية العَلاقات الاقتصادية والتجارية العالمية، ومعالجة تناقضات التقسيم الدولي غير العادل للعمل والتوزيع غير المتكافئ للثروة والمعرفة.يقيناً أنّ عدداً كبيراً من البلدان الصناعية والنامية توصل خلال السنوات الأخيرة إلى بلورة عددٍ من المعايير والتصورات اللازمة لإجراء مراجعة شاملة للأفكار والتوجهات المتعلقة بعولمة التنمية والتجارة والتكنولوجية والأسواق والنظم المالية والمصرفية والنقدية.وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها في مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية الذي انعقد في مارس 2002 بمدينة مونتيري المكسيكية، وقمة أهداف التنمية في الألفية الجديدة التي انعقدت برعاية الأمم المتحدة في مايو 2000 ومؤتمر القمة الاجتماعية بكوبنهاجن عام 1995 التي وضعت معايير عالمية للحرب على الفقر وحذرت من مستقبل مثقل بالكوارث للعالم بأسره في حالة إغفال البُعد العالمي لمشكلة الفقر وتجاهل جذوره ومفاعيله في التقسيم الدولي غير العادل للعمل.ومن نافل القول إنّ منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية، بلورت على أساس المعايير التي وضعتها قمة كوبنهاجن الخاصة بالحرب على الفقر، وكذا قمة أهداف التنمية في الألفية الجديدة، خطة مبادئ استناداً إلى حقيقةٍ توصل إليها خبراء المنظمة تفيد بعدم إمكانية البلدان الفقيرة على مكافحة الفقر بصورةٍ منفردة، مهما كان مستوى الإرادة السياسي لأي حكومة فيها. بوسع كل من يقرأ البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح ووثائق هيئات الدولة الدستورية وبرنامج الحكومة، ملاحظة مدى تماسكها وترابطها وانفتاحها على الرؤى والتصورات التي تبلورت في عدة مؤتمرات اقتصادية ومنتديات علمية عالمية بشأن السياسات الواجبة لمعالجة مشاكل الفقر والبطالة والركود الاقتصادي ورفع معدلات النمو في معظم أنحاء العالم، وهو ما يؤهل قيادة الدولة والحكومة لصياغة إستراتيجية اقتصادية فعَّالة، بخلاف أحزاب «اللقاء المشترك» التي لم نقرأ لها حتى الآن بحوثاً اقتصادية جادة، ولم نجد لديها غير خطاب سياسي وإعلامي متخم بشعارات في غاية السطحية والسذاجة والإثارة، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية في حال وصولها إلى السلطة!!في هذا السياق يمكن القول إنّ رؤية البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية للمسألة الاقتصادية تقترب كثيراً من رؤى مماثلة أعدها خبراء متبصرون في بلدان أخرى تـُعاني من مشاكل أكثر حدة مما تعانيه بلادنا، وتمتلك إمكانيات وموارد أفضل مما هو متاح لدينا مثل الأرجنتين والجزائر والسنغال ونيجيريا وإندونيسيا وجورجيا وإثيوبيا ومصر وكازاخستان وتركيا وأذربيجان، وخاصة في مجال السياسات المقترحة لتعبئة الموارد المالية الداخلية وتهيئة البيئة الداخلية لتشجيع المبادرات الحكومية والخاصة، وضبط معدلات التضخم ومكافحة الفساد، وتنمية التعاون الدولي الرامي الى ترشيد وتطوير وتكامل النظم المالية والنقدية والتمويلية.وبالنظر إلى ترابط مشاكل البلدان النامية، مع أزمات الاقتصاد العالمي ، تعززت الميول الرامية إلى تأكيد الشراكة الدولية من أجل التنمية، وتعظيم مسؤوليتها عن معالجة المصاعب والمشاكل ذات التأثير البنيوي على الاقتصاد العالمي مثل الفقر والمديونية وتلوث البيئة، وما يترتب على ذلك من ضرورة الإنفاق على معايير عالمية لمعالجة المصاعب الموازية لها، وخاصة تلك التي تتعلق بالتنمية الإنسانية والأسواق والأسعار والمواصفات.[c1]مكافحة الإرهاب[/c]لا تتوقف سطحية وانتهازية الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب «اللقاء المشترك» في حدود الوضع الاقتصادي فقط بل تتجاوزها إلى قضية مكافحة الإرهاب، حيث تلجأ الى تشويه موقف بلادنا المناهض للإرهاب، وممارسة ضغوط مختلفة لإضعاف التزام الحكومة اليمنية بقرارات الشرعية الدولية بشأن التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ومنعه من الحصول على ملاذ آمن.ولئن كانت سيرة هذه الأحزاب تخلو من مساهمات سياسية وفكرية وثقافية جادة وصادقة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، فإنّها تمارس في الوقت نفسه مختلف أشكال التدليس والتلبيس عن طريق التظاهر المموَّه بالحرص على السيادة الوطنية، والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان في المسائل المتعلقة بمكافحة التطرف والإرهاب، حتى بدا موقف أحزاب «اللقاء المشترك» متماهياً مع أهداف الجماعات الإرهابية وملتبساً بأفكارها وأجنداتها المتطرفة.بوسعنا أنْ نثبت إذا لزم الأمر، ومن واقع فعاليات وبيانات وصحافة أحزاب «اللقاء المشترك» على امتداد الأحداث الإرهابية التي وقعت في بلادنا والعالم، أنّ أحزاب «اللقاء المشترك» تمارس نفاقاً مزدوجاً إزاء قضية مكافحة الإرهاب.. فقادتها يرددون في دواوين السفارات الأجنبية وقاعات الندوات والمؤتمرات التي يحضرها دبلوماسيون وناشطون مدنيون أجانب خطاباً انتهازياً مناهضاً للإرهاب، فيما يسوُّقون عبر صحفهم وبياناتهم وفعالياتهم التنظيمية والفكرية خطاباً معاكساً أو مموَّهاً أو باطنياً.تحرصُ أحزاب «اللقاء المشترك» دائماً على الابتعاد عن إدانة جرائم الجماعات الإرهابية بحق شعبنا وبلادنا، وتحاول في الوقت نفسه توجيه سهام النقد ضد سياسة بلادنا المناهضة للإرهاب والتشكيك بها، وتحريض الجماهير ضدها بذريعة الدفاع عن السيادة والحريات وحقوق الإنسان، وذلك بهدف التمويه على حقيقة أهدافها المزدوجة .. فهي من جهةٍ تحاول حشد كل أدوات الضغط على القيادة السياسية لإضعاف تصميمها على محاربة الإرهاب، وفك التزامها بقرارات الشرعية الدولية، كما أنّها من جهة أخرى تحاول تحريض الدول والقوى الأجنبية ضد بلادنا بزعم عدم جدية الدولة في مكافحة الإرهاب.والثابت أنّ لا مبالاة أحزاب «اللقاء المشترك» إزاء الإرهاب وموقفها المحايد والمموَّه في معظم الأحيان من الحرب الدائرة ضده، وتماهيها معه أحياناً أخرى بأشكال سافرة أو باطنية ، وغياب دور ملموس لها في إدانته ومكافحته وتعبئة الرأي العام والمجتمع ضده.. إنّ كل ذلك يدل بوضوح على أنّ هذه الأحزاب لا تستشعر خطر الإرهاب على مستقبل البلاد، بل أنها تنظر إليه وكأنّه خطر يهدد فقط مصالح البلدان التي تتعامل مع موانئنا وتستثمر أموالها في بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية في بلادنا.ولا ريب في أنّ الإرهاب هو العدو الأول للمصالح الوطنية العليا.. أما مكافحة الإرهاب فهي واجب وطني بالدرجة الأولى. وليست قليلة ولا هيِّنة تلك الأضرار التي أصابت اقتصادنا الوطني وشوَّهت سمعة موانئنا وبلادنا ومواطنينا في العالم بأسره من جراء أعمال الإرهاب التي تدينها بلادنا وتناهضها بقوة وحزم.وقد سبق لنا التحذير في عدة مقالات ومشاركات سابقة من خطورة الاعتماد على الأجهزة الأمنية فقط في تنفيذ واجب مكافحة الإرهاب، لأنّ ذلك يضع على عاتق هذه الأجهزة منفردة أعباء كبيرة وخطيرة، بقدر ما يجعلها أيضاً عارية ومكشوفة أمام المنابع الفكرية والثقافية التي تولد التطرف وتغذي الإرهاب.. فلا قيمة لإعدام زعيم جماعة إرهابية أو مصرع آخرين أو الحكم بالسجن على غيرهم، طالما بقيت المنابع الفكرية والثقافية طليقة تعيد إنتاج العشرات والمئات من المتطرفين الجدد الذين سيديرون من جديد ماكنات الإرهاب والعنف.إنّ واجب أحزاب المعارضة بل وكل الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والفنانين والصحافيين والمؤسسات الإعلامية والثقافية ورجال الدين هو المشاركة الفعالة في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع التطرف ونبذ ثقافة العنف وصياغة إستراتيجيات وطنية شاملة تحقق هذه الأهداف، وبما يصون الوحدة والديمقراطية من مخاطر الأفكار التي تغذي الإرهاب ولا ينحصر خطرها على الأمن والاستقرار والتنمية والسلم الأهلي فقط، بل إن خطرها يتجاوز كل ذلك لتهديد الديمقراطية نفسها والتحضير للانقلاب عليها ما يفتح الطريق للانقلاب على الوحدة وتمزيق وحدة البلاد على نحو ما سنتطرق إليه في الجزء اللاحق من هذا المقال في الأسبوع القادم.[c1]-----------------------------* عن صحيفة (26 سبتمبر) [/c]
|
فكر
في الطريق إلى الانتخابات ( 1 ــ 2 )
أخبار متعلقة