أضواء
عزيزة المانعكان لتصريح الشيخ الدكتور سعد الشثري في قناة المجد حول الاعتراض على الاختلاط في جامعة الملك عبد الله وقع خاص في نفوس الناس حيث انقسموا إلى قسمين: منهم من أيد اعتراض الشيخ ودعمه ورأى فيه دعوة للفضيلة وحفظا للاستقامة ونأيا عن ما قد يدنسهما، ومنهم من أغضبه هذا الاعتراض، ورأى فيه دعوة إلى الرجوع إلى الخلف والانحصار في قوقعة الجهل والتخلف، فالحياة في كل صورها لا تنهض إلا بتكاتف النساء مع الرجال، وتدفق التعاون بينهما في الفكر والجهد، وهو أمر يتعذر تحققه بالصورة الصحيحة من غير ذلك الاختلاط المعترض عليه.قضية اختلاط النساء بالرجال هي من القضايا المقلقة لكثير من الناس وقد شغلت أذهان كثير من وعاظ السلف الذين ضمنوا مؤلفاتهم أخبارا وقصصا كثيرة عن الفسق الذي يقع بسبب اختلاط النساء بالرجال، وتصور النساء رخيصات مبتذلات لايردعهن عن الغي سوى تعذر اللقاء بينهن وبين الرجل، كما تصور النساء في صورتين لا ثالث غيرهما: امرأة شابة فاتنة لايشغلها سوى تصيد اللذة مع رجل يعجبها، وامرأة عجوز سخرت نفسها لتيسير تلك العلاقات غير الشرعية فصارت تقوم بدور الوسيط والمراسل للجمع بين الاثنين.وهذه الصورة التي ترسمها كتب السلف للاختلاط بين النساء والرجال، مستقاة في أغلبها من حياة المجتمع العباسي الذي كان زاخرا بالجواري والقيان. وغني عن القول أن مكانة الجارية والقينة في المجتمع غير مكانة الحرة، ونظرتها إلى نفسها غير نظرة الحرة، بل حتى الشريعة عاملت الأمة بما يتفق مع وضعها فخففت الحدود عليها. ومن هنا كان متوقعا ظهور الابتذال والانغماس في الفسق بين من كانوا يحضرون مجالس (الأنس) التي تزخر بالجواري والقيان سواء في قصور وجهاء أبناء ذلك العصر، أو خارجها في ما كان معروفا ببيوت القيان، أو في الطريق والأماكن العامة، كما كان أيضا متوقعا تجرؤ الرجال عليهن وسعيهم إلى إقامة علاقات غير شرعية معهن.وبعد أن ارتبطت في الأذهان صورة الاختلاط بتلك الصورة المبتذلة الفجة، سحب ذلك على كل أشكال الاختلاط، ولم يفرق المعترضون على اختلاط النساء بالرجال بين اختلاط للمجون، واختلاط في مكان علم أو مكان عبادة أو مكان استشفاء أو مكان عمل أو غيره من الأماكن، كما عوملت النساء جميعهن معاملة الإماء والقيان المبتذلات، فلا فرق بين الحرة الأبية والأمة الرخيصة، والعالمة والجاهلة، والكهلة والشابة، تساوت النساء في أنظارهم فألبسن كلهن ثوبا واحدا هو ثوب الأنوثة وما توحي به من دل وجاذبية ورقة.لذلك يمكنني أن أفهم قلق الشيخ الدكتور سعد الشثري من الاختلاط في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حيث طفت على ذهنه تلك الصور القبيحة للاختلاط وأمحت من الذاكرة صورا أخرى سامية، كتلك التي كانت تحدث في عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المساجد وفي ميادين القتال وفي الأسواق والأماكن العامة العامرة بالنساء والرجال. كما غاب عن فضيلته أن المختلطين ليسوا طلابا في الثانوية وإنما هم علماء وباحثون وأساتذة مبرزون في مجالاتهم، جاءوا لمزيد من البحث العلمي والتجريب، وهم في غالبيتهم ممن تجاوز سن الطيش والشباب.إن المصلحة العامة تقتضي أن يحسن المجتمع الظن في الناس وأن يبني خططه على توقع الخير، فالتوقعات السيئة والخوف المبني على احتمالات ظنية، قيود تعرقل السير للبحث عن الأفضل.[c1]*عن/ صحيفة (عكاظ) السعودية [/c]