قضية للنقاش
أنور أحمد صالححقيقة لا ينكرها أحد.. وهي أن الغش المدرسي يضر بالطلاب وبالتلاميذ ولا يفيدهم.. ولكن (الغش) له دوافعه ومبرراته المنطقية تجبر الطالب الممتحن والمختبر على استخدامه وسيلة تضمن نجاح . فالتلميذ الصغير لم يخلق غشاشاً ولا يفهم معنى الغش وربما يسمع عنه ثم يبدأ الاقتراب منه عبر مراحل حياته الدراسية وقناعته بفائدته والتعاطي المزمن مع هذه العادة السيئة كوسيلة إنقاذ من السقوط وتجنب دوائر الفشل ( الكعكاك) في نتيجته المدرسية. وجميعنا تربويون وأولياء أمور نعلم أن الإهمال والتقصير ليس السبب الوحيد للمستويات التعليمية المتدنية، فهناك عدد من الطلاب والطالبات الأذكياء والمجتهدين يستخدمون الغش كوسيلة ضمان للنجاح وللحصول على أعلى الدرجات.. ولكن الأسباب البارزة وكما هو ملحوظ وملموس في الواقع التعليمي المدرسي وأهمها حرمان الطلاب من حقوقهم المشروعة ومن هذه الحقوق حق الاستقرار الدراسي بكامل ظروفه وشروطه الملائمة، وحرمان الطلاب من هذه الحقوق مسؤول عنها القادة التربويون في وزارة التربية وفي مكاتبها الفرعية بالمحافظات وبالمديريات في إدارات المدارس.كيف يمكن للطلاب تأدية واجباتهم من دون التهيئة المطلوبة للغرفة الدراسية الصحية وإعدادها بالتهوية وبالإضاءة وبالذات في الفترات الدراسية المسائية؟! كيف يمكن للطلاب الفهم والاستيعاب للمقررات الدراسية في ظل هدر مئات الحصص الدراسية وفي ظل مع احترامي بدائية وتخلف الوسائل والمستلزمات الدراسية غير المواكبة وفي ظل سلبية المناخات الدراسية؟!وكيف يمكن للطلاب تلقي العلوم والمعارف في ظل الازدحام الصفي وتراكم الدروس وعملية (التكيف) بغرف إنجاز خطة المنهج الدراسي في الوقت المحدد لها؟!.نشير إلى عدد من الأمثلة للتوضيح ليس إلا :* (العجينة) وهم تلاميذ السنوات الأولى أساسي يتلقون التدريب قبل التعليم في ظل كثافة وازدحام صفي يصل أعدادهم إلى (50) تلميذاً في الصف الواحد والزمن المحدد للحصة الدراسية (35 دقيقة) وكل تلميذ يحتاج إلى دقيقة واحدة للتدريب (بإمساك القلم لكتابة الحرف والرقم).. فكيف يمكن للمعلم أو المعلمة تغطية زمن الحصة في ظل هذا العدد؟! .إذن.. المسألة غير منطقية!!مثال آخر..* عند قيام المعلم أو المعلمة بإعداد الدرس يحدد الأهداف الخاصة والعامة وترتيب الخطوات بالتمهيد والعرض والتطبيق من أجل تقديم حصة دراسية ناجحة.. كيف يتمكن للمعلم من إشراك معظم التلاميذ في موضوع الدرس في ظل هذا العدد المتجاوز لزمن الحصة؟!* كيف يمكن للطالب أو التلميذ فهم واستيعاب مواضيع المقررات الدراسية في ظل هدر مئات الحصص وأجواء دراسية غير مستقرة؟! إذن الموقف صعب ومعقد!!.في رأيي ان من يعتقد لجوء الطلاب إلى الغش دون أسباب فهذا الاعتقاد خاطئ.. لأن ما يواجهه الطلاب في مختلف مراحلهم الدراسية من مشكلات معيقة أمام استقرار تحصيلهم التعليمي.. هذه المعوقات وهم ليسوا مسؤولين عنها هي الدافع الرئيسي للجوئهم إلى الغش كوسيلة إنقاذ وضمان نجاحهم.. وكذلك من يعتقد أن المراقبة المرهبة والمرعبة في الاختبارات والامتحانات هي وسيلة الردع والعقاب والحل الناجح لمكافحة ظاهرة الغش.. من يعتقد ذلك فهو غير موفق على الإطلاق. ولكن منطقياً لابد من إزالة مسببات ظاهرة الغش وحماية أبنائنا وبناتنا من هذه العادة السيئة بدلاً من إغفال الحقيقة دون جدوى. استطاعت قيادة تربية عدن المبادرة الفريدة في اختيار (مدرسة) كنموذج يتم إعدادها إعداداً متكاملاً. وإخلاؤها من المشكلات المعيقة المتسببة في توسع وتفشي ظاهرة الغش بين أوساط الطلاب في المدارس الأساسية والثانوية على السواء بهدف إقناع الطلاب بالابتعاد عن التعاطي مع الغش..وذلك على غرار تطبيق التجربة المميزة في الاختيار النموذجي لمدرسة (المتفوقين) بهدف تحقيق النتائج التعليمية الحقيقية عالية المستوى. إن مثل هذه المواقف المسؤولة الجادة والعملية في تغيير وإصلاح الواقع المدرسي من قبل من يعنيهم الأمر في مواقع القرار التربوي هي الواجب التربوي والوطني تجاه الأجيال المطلوب حاضراً ومستقبلاً.ونود أن نستخلص القول بأن الوضع الدراسي المتدني هو المتسبب الرئيسي في معاناة الطلاب ويدفعهم للغش كوسيلة إنقاذ من الرسوب والفشل. ويضمن نجاحهم ولو بأدنى درجات النجاح. نضع هذه القضية للنقاش وعنوانها (ظاهرة الغش) كمشكلة تعليمية معقدة أمام كل من يعنيه الأمر ويهتم بمصالح بناتنا وأبنائنا الدارسين.. وتناول هذه القضية المثيرة للنقاش على وجه الصفحة المشرقة (شباب وطلاب).والله الموفق