(رسام المجاذيب) يعشق (التلفيحة والعلاوي)
التقاه:حجاج سلامة :لعلك تعرفه، وربما التقيته ذات مره جالساً في أحد الأزقة القديمة، أو ماراً في السوق يحمل فوق كتفه حقيبة صغيرة وتحت إبطه إحدى لوحاته، تحسبه في البدء سائحاً وهو يسجل بعينه قبل فرشاته انطباعاً عن المكان.وربما تلتقيه مره أخرى نائماً وقد اسند ظهره إلى حائط بيت قديم أو متكئاً بين شواهد القبور وسط أبطال لوحاته ملتحفاً من البرد بإسدال (تابوت) اخضر موشى بأهلة حمراء ونجوم بيضاء ألقاه على كتفه مجذوب أحبه لفرط محبته وإخلاصه وتفانيه.إنه الفنان التشكيلي المصري عمار ابوبكر الذي تحتار في أمره أكثر وأنت تتجول بعينيك بين لوحات معرضه الدائم المقام في غرب النيل بالأقصر تراه وقد صور لك الجمال الذي ربما هو قريب منك ولم تلتفت إليه لكي تراه ويدفع الغشاوة عن عينيك بفرشاة ألوانه فتقع في هوى المكان.تسيطر عليك مشاعر اقل ما توصف به أنها غارقة إلى حد الثمالة في إنسانيتها ـ كما يقول رفيق دربه القاص والأديب عاصم عبد الحميد ـ وهو ينطق الجمال حين يكسوه بصبغة أحاسيسه التي تخرج من عينيه قبل فرشاته التي يشير بها إلى هويتك الوطنية وهي تتجلى أمام عينيك في ملامح الناس وعلاقتها الوطيدة الصلة بملمح العمارة في الصعيد المصري الذي أحبه.واجهات البيوت المكسوة بالحبيبة وأعاليها المحفوظة بالفخار وأضرحة ومقامات الشيوخ وما كتب بخط اليد فوق شواهد القبور بمصره لك بلمسة فرشاته التي يسمعك بها موسيقانا، وآلته ألوانه المميزة بميزة أبطال لوحاته.يدهشك أكثر عندما تلتقيه فتراه على غير ما حسبته؛ شاباً في مقتبل العمر في منتصف العقد الثالث خبرته الحياتية منذ دخوله كلية الفنون الجميلة بالأقصر كدارس في قسم التصوير الزيتي وحتى تعيينه معيداً بالقسم ومزاولة التدريس لا تتعدى عشر سنوات.انه يؤكد لنا من خلال لوحاته وحديثه أن هناك شبهاً كبيراً أو هو تواصل ما بين الطقوس الفرعونية القديمة أو ملامح الحياة الفرعونية القديمة وما يحدث الآن في الموالد.فهناك تشابه كبير بين ما كان يحدث قديماً والآن؛ فمثلاً الشكل المصمم عليه مقام “العارف” بمدينة سوهاج يمثل تطوراً طبيعياً لشكل القرابين التي يتم تقديمها في الموالد في “المقامات” مقامات الشيوخ تشابه تلك التي يتم تقديمها للإله في العصور الفرعونية، كذلك الشموع، والمخبوزات البسيطة تشبه ما يتم تقديمه عند الأقباط “القربان”.فمثلاً فكرة تغيير “ثوب الشيخ” سنوياً وغسيل المقام بماء الورد هي أصلاً تقليد فرعوني يقضي بتغير تمثال أمون مرة كل عام وغسيل قدس الأقداس بماء الورد وهى نفس الفكرة التي ربما تم تصديرها للجزيرة العربية في تغيير “كسوة الكعبة “سنويا.كذلك أيضا الطقوس المتبعة في “دورة مولد سيدي أبو الحجاج” في مدينة الأقصر تمثل امتدادا لمواكب “الاوبت” الفرعونية التي كانت تخرج في عيد ميلاد الإله لتسير في طريق الكباش ما بين معبدي الأقصر والكرنك.ويظهر أيضاً هذا التأثير بشكل واضح في جداريات الحج التي يتم رسمها على البيوت الطينية والمبنية من الطوب اللبن فهي تعكس الطبيعة المتأصلة في الشخصية المصرية للفن وتحايله على ما هو محرم في هذه الفترات برسم الشخوص والرموز بتصميمات تعكس مشابهة لتعرف الفنان المصري القديم تشكيليا في لوحاته “مثل عناقيد العنب، الأشخاص مرسومة على مستوى واحد بدون منظور”.نعود ثانية للمتصوفة؛ فالمولد هو حالة خروج وانتعاش ومتعة لمجتمع لا يعرف المتعة ووسائل الترفيه الموجودة في الحياة المدنية.فمثلاً حالة مولد “أبو الحسن الشاذلي” في منطقه صحراوية ليس بها أي مصادر للحياة، ورغم ذلك يخرجون في جماعات بعربات النقل الكبيرة والصغيرة تتحول هذه العربات إلى سكنات للمعيشة يتم تزيينها وتجميلها، فتفوق حالة “السفاري” عند الأغنياء أو المقتدرين.والفنان المعاصر ليس على مستوى الفنان المصري القديم طبعاً ولكن الفن موجود في الجنوب المصري ولكن لا مصداقية ولا دافع لان المصري القديم كانت الأعمال الفنية من عمارة أو رسم أو نحت تمثل له حالة من حالات التدين الشديد (العمل عبادة) والدليل خلو المعابد المصرية القديمة من الأخطاء والقصور.وبالنسبة للوحات التي أقوم بعملها في هذه الفترة فهي تضم نماذج من البيوت القديمة التي توجد بها روح الإنسان وفنه التلقائي المقام في أجزاء معينة من البيت وتحديداً في اعالى البيوت “العلاوي”.وعندما انتقل لرسم الموديل فإني أراه أيضاً مثل البيت في بنائه الظاهر في شكل “التلفيحة” التي توضع على الرأس؛ فالبيت إنسان والإنسان بيت.رصد المقامات “مقامات الشيوخ” في القرى والنجوع وكيف أنهم مصدر للامان والحماية لسكانها الضعفاء وما يشوبها من رسومات أيضاً تتشابه مع رسومات المقابر الفرعونية وما يمثله “مقام الشيخ” من قوة في هذه النجوع والقرى تماماً مثل إله الأقاليم عند المصريين القدماء.