تحقيق/ أفراح صالح محمد - تصوير / جان عبد الحميد حياة شقاء يعيشها كثير من الناس في اليمن ، لكنها تؤثر كثيراً على فئة منهم ولايمكن أن نتغاضى عن إدراك معاناتهم تلك ، إنهم فئة الشباب ، جيل الحاضر، ومستقبل البلد يقوم على طموحاتهم ، لكن ماهي طموحاتهم ، وما هي الثروة التي نخلفها لهم ؟ اليوم وكل يوم ، صباحاً ومساء تراهم وتلتقي بهم خارج منزلك، وأنت في طريقك إما إلى العمل أوالى البيت ، أو عندما تخرج للنزهة أو التسوق أو ذاهب إلى عيادة اومستشفى لمرض ما ، فكيف تراهم ؟ [c1]صور مؤلمة[/c]تراهم أما وقوفاً إلى جانب صحن دائري كبير( صاج ) يخبزون فيه والدخان يحيط بهم وكأنه يحضنهم لحمايتهم من الجوع والحاجة، ويحميهم من المهانة وذل السؤال ؛ أو راكضين وراء السيارات التي تتوقف هنا أو هناك في الشوارع ليمسحوا زجاجاتها مبتهلين إلى الله أن لايرفض سائقوها قبول خدمتهم تلك ، أو صارخين في الناس « هنا سيارات الشيخ عثمان طريق الجسر» أو « معلا- تواهي « أو» منصورة - كابوتا « ؛ أو تلقاهم محنيي الظهر وبيدهم ( المكانس ) وبالأخرى يجرون خلفهم براميل أو زنابيل القمامة أثناء كنسهم الشوارع وهم يرتدون بدلاتهم البرتقالية التي تفرق بينهم وعمال مصافي النفط والغاز، والفرق طبعاً ليس في الزي فقط بل وفي الأجر المادي والمالي الذي يحصلون عليه ؛ أو أمامهم صناديق البطاط بالبسباس والحُمر وسندوتشات الطعمية ؛ اومفترشين جوانب من أرصفة الشوارع بمفارش زرقاء ، يبيعون ماخف من البضائع حتى لاتعيقهم حين الهروب من موظفي البلدية الذين يمنعونهم من البيع بدون تراخيص ( يكاسرون ) على بضائع المحلات التجارية - كما يقولون - أو يحملون صاج ( الجلجل) السمسم ، أو يجرون عربات اسطوانات الغاز ويصلك إعلان بوصولهم عبر الدق بمفك الاسطوانة عليها ، وغيرهم من الشباب كثير يعملون في مهن توفر لهم قوت اليوم لكنها لا توفر لهم الكرامة ولا ضماناً للمستقبل ، فقط إن زاد ربح بسيط يدخر لليوم الآخر ( للكفن ) كما قال احدهم لي .. [c1]عيشة المطاعم [/c]
ماجد محمد عبده سعيد - من محافظة اب ، قال : نزحت من محافظة اب إلى محافظة عدن بحثاً عن عمل ، فقد أكملت المرحلة الثانوية وأنا إلى اليوم بلا وظيفة ، كما لم أتمكن من مواصلة الدراسة .- هل في اب لا توجد وظائف ؟ - مافيش وظائف ، وكثير من الشباب هناك بدون عمل- أنت في عدن تعمل خبازاً على هذا الصاج ( الطاوة ) فهل لايمكن أن تعمل خبازاً في محافظتك ؟- في محافظتي اب لايوجد مثل هذا العمل ( خباز ) لان مناطقنا الريفية أهلها يخبزون في منازلهم يومياً . - متى أكملت الثانوية العامة ؟ ومتى بدأت العمل ؟ - منذ أربع سنوات وقد عملت من حينها في ورشة سمكرة ، ثم في مطعم واليوم أنا اخبز المطبقية ، ولي في عدن عامان اعمل. - ماذا كنت تطمح أن تعمل غير هذه المهنة ؟ - كنت ارغب في أن ادرس في الجامعة ، لكن لم أوفق في ذلك ، وأردت وظيفة ولم أتوفق أيضاً. - لماذا لم تتقدم للدراسة كمنتسب ؟ - لا اقدر لان لا وقت لدي ، فانا اعمل على هذا الصاج صباحاً و مساء ..- هل يمكن أن تتفق مع زملائك العاملين في هذا المطعم على الوقت لتتمكن من الدراسة بالانتساب ، أو تدرس بمنهج ( من منازلهم ) أي لاتذهب إلى الكلية كل يوم وفي نهاية العام تذهب فقط للامتحان ، أو تطلب العمل في المطعم في الصباح وتدرس في المساء في ( التعليم الموازي ) .. هل هذا ممكن ؟ - أنا أرى أن ذلك صعب علي الآن ، لكنني ممكن أفكر به.- لكن كم كلفة الدراسة ؟ - تختلف بحسب التخصص ، فممكن تكون خمسين ألف ريال أو اقل أو أكثر ، لكنها كلفة سنوية حسب علمي.- فهل هذا صعب أيضاً عليك ؟ - سوف أفكر بالأمر إن شاء الله . - كم من شباب اب موجود معك في هذا المطعم ؟
- كثير وليس في المطعم فقط بل في عدن ويعملون في المطاعم أيضاً وكلهم انهوا الثانوية العامة أو الجامعة وبعضهم لم ينهوها ، ولم يجدوا جميعهم أعمال في اب فنزحوا إلى عدن بحثاً عن فرصة عمل . - مارايك في تصرف الحكومة تجاهكم كشباب، هل تراها لاتستطيع أن توفر لكم فرص عمل أو لاتمتلك الإمكانية لتوظيفكم داخل محافظاتكم؟ - الدولة عاجزة عن توفير فرص عمل لنا ولا اعتقد أنها ستقدر على ذلك لان أعدادنا كبيرة وكل من يتخرج من الثانوية أو الجامعة يريد عملاً وهذا صعب . - لماذا لاتعملون مدرسين في الريف في البداية كمتطوعين ثم يتم توظيفكم هناك ؟ - المدرسون ( مليان ) في مدارس الريف .. - أين تسكن داخل عدن ، ضمن مجموعة شباب أو مع أسرة ؟ - مع مجموعة شباب اسكن هنا في المعلا. - وإيجار المسكن .. عليكم ؟ - لا على صاحب المطعم الذي نعمل فيه . - كم تحصل على اجر عمل ؟
- الحمد لله احصل على ثلاثين ألف ريال وهناك من العاملين معي من يحصل على عشرين أو اقل أو أكثر .. كل واحد بحسب العمل الذي يعمل فيه . - ووقف أمامي شاب آخر فسألته .. انتم الشباب حياتكم حياة شقا .. فهل أنت معي في رأيي هذا ؟ - نعم إنها حياة شقا وتعب وعيشة مطاعم رغم أننا كنت ادرس في الجامعة .. - في أي كلية كنت تدرس ؟ - في جامعة الإيمان درست لمدة عام ونصف فقط ، كنت ادرس شريعة وقانون. - ما اسمك وكم عمرك ؟ - اسمي عبد الحميد قاسم وعمري حوالي 28 سنة وقد تركت الجامعة منذ 8 او9 سنوات - ومنذ ذلك الحين والى الآن أين عملت ؟ - عملت في المطاعم من حينها إلى الآن - لماذا فقط في المطاعم ؟ لماذا لم تختر عملاً آخر ؟ بنَاء مثلاً؟ - يقول المثل على قدر فراشك مد رجليك وأنا لم انه الدراسة لهذا اعمل هنا ، كما أن الحصول على وظيفة تحتاج لوساطة - أنت من اب أيضاً.. صح ؟ - نعم. -اب محافظة زراعية فلماذا لم تعمل فيها كمزارع ؟ - اب فعلا زراعية لكن هناك مناطق منها غير ذلك مثل منطقتنا ، حيث نعتمد في أيام الصيف على الزراعة أما في الشتاء فلا يوجد ماء للري والزراعة ، إذ ينقطع الماء عن الناس كلهم إلا ما يمكن أن يشربوا منه فقط ، عدا ذلك لا ماء لهذا لاعمل لي هناك - ولماذا اخترت محافظة عدن بالذات للعمل فيها ؟ - لان فيها فرص عمل ، ونحن نبحث عن ذلك لنعيش - لماذا لم تسافر إلى تعز مثلاً ؟ - عدن الناس فيها متحضرين، وبالنسبة لنا هي أفضل وخاصة لمن يعمل عملي حيث نحصل على معاشات أفضل ، أما في اب أو تعز فالمعاشات فيها ضئيلة ولا يمكن العيش بها والصرف على أسرنا منها أيضاً .- كم تقدر نسبة الشباب المتخرج في اب وهم عاطلون عن العمل ؟ - تقريباً 70 - 75 % ، كما أن سكان اب أكثر من نصفهم شباب واغلبهم بدون وظائف أو يعملون في المطاعم والورش وأنا التقيهم في عدن يعملون في هذه الأماكن . [c1]حياة شقاء[/c]لمحته يجري بين السيارات ثم توقف مستنداً إلى حائط ، اقتربت منه وسألته :- الركض خلف السيارات متعب ؟ - الركض خلف لقمة العيش أكثر منها تعباً ، بس مافيش حل آخر - وهل الأجرة مجزية لك ؟ - عندما يكون هناك إنسان كريم ، وإلا فالقليل الدائم أفضل من عدمه - أنت من عدن ؟ - لا من تعز .- اغلب شباب تعز خياطون في عدن .. لماذا لا تعمل مثلهم ؟ - لم أحب ذلك - ومسح السيارات أفضل لك ؟ - أفضل من التسول ، كما أني أصبحت الآن أتمنى لو اخترت أن أكون خياطاً لأضمن لقمة عيش ثابتة يومياً .- حاول مع أصحابك من تعز ؟ - اعتقد هذا هو الحل ..[c1]بين تعب التجوال وتعب الوقوف على القدم[/c] جلس بجواري في حافلة النقل حاملاً صحناً دائرياً فيه (الجلجل) سألته: - لماذا لا تبيع الجلجل في الشيخ عثمان بدلاً من الانتقال إلى المعلا والتواهي - لان الحافلة كانت متجهة إلى هناك ؟ - في الشيخ يوجد من يبيع الجلجل لكن في المعلا لايوجد ، وهذا أفضل لي . - أنت كذا ستبيع في منطقتين وهذا تعب عليك ؟ - نعم بس ايش اعمل ؟ لازم احصًل لقمة عيشي أو أموت من الجوع، ما حد يعطي لشاب قوي الجسم مثلي ، وعيب علي أمد يدي للناس أو اسرق منهم ، أنا أخاف الله وأتوكل عليه في سعيي للرزق .- هل تدرس ؟ - كنت ادرس وأنهيت المعهد التقني بس( مابوش ) وظائف للي مثلي ، والحل أني أسعى لكسب عيشي بنفسي ... أين اذهب ؟- ما اسمك ؟ - لا تذكري اسمي إذا تريدي أن أتكلم معك .. - هل تعمل مع البلدية أو قطاع خاص ؟ - اعمل مع البلدية من سنة ، وما فيش عمل آخر يمكن أن اعمل فيه غير هذا العمل. - تظل تكنس الشوارع طول النهار ،هل الأجر يستحق تعبك ؟ - لا لكنه أحسن من الجلوس في الشوارع بلا عمل وهذا يهينك وذاك يعطيك اليوم ويرفض بكرة .. أنا بالقليل مستور والحمد لله [c1]أين طموحهم والمستقبل ؟[/c]... وشاب من عديدين تراه واقفاً على قدميه أمام صندوق البطاط وسندوتشات الطعمية ، وآخر يقلي البطاط الشبس ، وثالث بيده قطعة من كرتون يلوح بها يمنة ويسرى ليوقد النار تحت وعاء الذرة الصفراء، و...و...وغيرهم كثير ، وما يعملون به متنوع ومختلف ، والجامع بينهم أنهم شباب في عمر الزهور تعصرهم مشقة العيش عصراً حتى لا تتوقع أن لهم طموحاً في شيء اسمه المستقبل .. أنا متأكدة وغيري كذلك أن بيد الحكومة حلاً لأغلب مشاكل هؤلاء الشباب ، لكنها - كما قال شاب ظل يصرخ في الناس في السوق الطويل بكريتر- الحكومة تنظرللامر بعين خائفة من أن تتسبب في إفساد الشباب إن هي عالجت مشاكل بطالتهم ووفرت لهم فرص عمل ، لهذا تشير بأصابعها لهم إلى دست البطاط وخرقة التنظيف والمكنسة !!! السعي حثيث للانضمام إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي ، فهل تعرف الحكومة كيف يحل قادة هذا المجلس مشاكل شباب دولهم هناك؟ أم أن خبرتها العملية تمنعها من أن تسأل وتستفسر عن ذلك ؟ ثم أن هناك أموالاً كثيرة تدار في السوق ومصادرها بنوك الإقراض لكن اغلبها لاتذهب الى الشباب وإنما الى كروش مختلفة الأحجام والمشارب والأهواء التي لاعلاقة لها بالتنمية الاجتماعية اوتطور البلد ، وبعضها غرضه هدم البلد عبر توجيه أنظار الشباب الى المخدرات بهدف نسيان الحال الذي يعيشون فيه لصعوبة عثورهم على عمل ، فهل لنا أن نتوقع طرق عمل جديدة من الحكومة لحل مشاكل أبنائنا في العام الجديد ؟