(( محمد سعيد مسواط ... شابوك مارو))
كمال محمود اليمانيفي الثامن والعشرين من شهر إبريل العام الثاني بعد الستين من القرن المنصرم أسلم الأستاذ المناضل والنقابي البارز وأحد أهم رواد القصة القصيرة في اليمن الأستاذ محمد سعيد مسواط روحه إلى بارئها ، وهو في الثانية والثلاثين من عمره. وفي مارس الفائت عرضت هيئة الكتاب في الجناح الخاص بها في معرض الكتاب كتاباً تحت عنوان (( محمد سعيد مسواط... شابوك مارو ... ومواضيع أخرى )) والكتاب من إعداد أكبر أبناء الفقيد الراحل وهو الدكتور خالد محمد سعيد مسواط ومن إصدارات مركز عبادي للعام الحالي 2010م .وقد حوى الكتاب 42 مقالاً صحفياً نشرت في الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الفائت ، وقد استحوذت صحيفة (البعث) على العدد الوافر من تلكم المقالات ، وجاءت صحيفة (العامل) بعدها في الترتيب من حيث عدد المقالات المنشورة ، ومقال يتيم نشر في صحيفة (الحقيقة) وضم الكتاب أيضا خمس قصص كتبها الفقيد ، وهن من أهم القصص القصيرة من الناحية التاريخية والتوثيقية ، باعتبارها دليل ريادته في فن القصة القصيرة ، وكما جاء في مقال الأستاذ سلام عبود المنشور في عدد من أعداد مجلة المنارة تحت عنوان (( قراءة في ثلاث قصص بقلم محمد سعيد مسواط )فقد كانت القصة القصيرة في اليمن قد إجتازت سنوات سبع أو مايقرب من ظهور أول قصة يمنية قصيرة كتبت بوعي ونشرت تحت عنوان ( قصة ) وهي قصة (الفتاة نور الهي ) لحامد خليفه، ويورد في مقاله آنف الذكر أسماء جمع من القاصين الذين سبقوا مسواط في كتابة القصة من الناحية التاريخية مثل محمد علي لقمان ، حمزه لقمان ، هاشم عبدالله ، حسين سالم باصديق .ويخلص إلى أن مسواط كان رائد القصة القصيرة في اليمن لأنه إنما إكتسب صفة الريادة لا من حيث السبق التاريخي ولكن من حيث السبق في النضج الفني .وأرى أن ذلك النضج الفني الذي رجح كفة مسواط في الريادة ، كان هو السبب الذي دفع لجنة تحكيم مسابقتي القصة القصيرة التي أجرتهما صحيفة النهضة في العامين 1950م ،1953م واللتين حصل فيهما مسواط على المرتبة الأولى في كلتيهما . وفي مقدمة الكتاب تصادفنا نبذة عن حياة الفقيد مسواط كتبها أخوه الأستاذ المناضل علي سعيد مسواط الذي إنتقل إلى رحمة الله في يونيو 2008م أشارت إلى أنه من مواليد مدينة الشيخ عثمان في السادس من يناير 1930م وإلى دراسته في الخرطوم حيث إلتحق بمعهد (( بخت الرضا )) لتدريب المعلمين وحصل على دبلوم تربوي.عمل الفقيد في مجال التربية والتعليم وفي الصحافة ، ونشر عدداً غير قليل من المقالات الصحفية ، وكان له باب ثابت في صحيفة البعث لصاحبها محمد سالم علي عبده أحد قادة العمل الوطني في الخمسينيات من القرن الفائت ، وكان الباب تحت عنوان (( شابوك مارو )) وهي كما جاء في تعريف صاحب المقدمة كلمة هندية تعني أضرب بالكرباج ، وكانت شائعة في عدن عندما كانت وسيلة النقل عربة يجرها حصان وكان الأولاد الصغار يتعلقون في الخلف فكان المارة ينادون سائق العربة ، والذي هو عادة هندي الأصل ، بأعلى أصواتهم *شابوك مارو*وفي تبرير الفقيد محمد سعيد مسواط لاستخدامه هذه التسمية لبابه الثابت رأى أن فيها مماثلة لآراء بعض أعضاء البرلمان الهندي بعد نيل الهند استقلالها ومطالبة البعض تغيير التسميات التي خلفها الاستعمار واستبدالها بأسماء هندية ، غير أن البعض المعارض الذين ماثلهم مسواط كانوا يرون الإبقاء عليها وحجتهم في ذلك إذكاء الشعور الوطني على الدوام ، وتذكير الشعب بمأساة دامت ثلاثة قرون فأ صبحت بعض تاريخ الهند الذي لاينبغي أن يغفل عنه الشعب لحظة واحدة . وقد كان الفقيد عضوا مؤسسا للجبهة الوطنية المتحدة وكان رئيسا للمؤتمر العمالي ومثل الحركة العمالية في مؤتمرات دولية عديدة عقدت في الخارج في كل من غانا ، مصر ، المغرب ، الهند وكان آخر مؤتمر حضره مؤتمر للمعلمين العرب عقد في بيروت .وكان الراحل علي سعيد مسواط كاتب المقدمة قد زودني ببعض ماكتبه الأدباء والمثقفون في عدن عن أخيه الراحل محمد سعيد مسواط وكان منها مقال المنارة الذي كتبه سلام عبود ، وكذا مقال نشرته مجلة الحكمة في إفتتاحية العدد 42 لشهر أغسطس 1975م للشاعر عبدالله سلام ناجي , ومقال آخر بعنوان (( مسواط وحقه علينا)) لصاحبه الشاعر الراحل القرشي عبدالرحيم سلام ، وقد نشرته صحيفة 14 أكتوبر في التاسع عشر من يوليو 1983م ، ومما جاء في هذا المقال .(( لقد كان الفقيد محمد سعيد مسواط واحدا من رجال التربية والتعليم في الشطر الجنوبي من الوطن ..عاش قضيته وقضية أبناء شعبه ..آمن بواجب النضال في سبيل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي ..)) (( شابوك مارو )) من ذا الذي لايذكر هذا الباب من صحافتنا ، وكيف كان لهذا الباب من أثر في الوجدان الوطني والشعور الشعبي .. وكيف كان يشكل بالأسلوب الذي تميز به مسواط من خطر يهز الوجود الإستعماري ، ويكشف مخططاته .. ويفضح مرامي وأبعاد سياسته ,اخطار تحركاته ونواياه .هذا بعض مما جاء في مقال القرشي ، وأحسب أن وصف مقالاته النارية التي كان يكتبها ، كان هو الدافع لأن يفكر الإستعمار البريطاني بالتخلص منه ، فلقد ذكر لي الأستاذ الراحل علي الزبيدي رحمه الله وقد درس لي مادة تمريض أمراض عيون حين كنت طالباً في معهد أمين ناشر للعلوم الصحية ، ذكر لي في لقاء جمعني به أنه يشك في موت الفقيد مسواط قضاءَ وقدرا ، وأن لديه إعتقاداً راسخاً بأن المستعمر إستغل مرض مسواط ورقوده في مستشفى الملكة آنذاك ، الجمهورية حالياَ ، وأنه أوعز لزبانيته التخلص منه ، والأمر قد لايبدو مستبعداَ ، لاسيما ، وأن مسواط نفسه قد تنبأ بموته أو بتعبير أصح باستشهاده حين كتب مقالا في صحيفة (العمال) في فبراير 1962م ، ولاحظوا معي أن تاريخ المقال لايبعد عن تاريخ وفاته إلا بأقل من ثلاثة أشهر , وكان المقال بعنوان (( محبوبة... مخيفة )) (( إنني أهوى الصحافة وأحبها ، ولكنني أخافها أكثر مما أحبها ..أخافها لأنها تأخذ مني كل وقتي ، وكل تفكيري ، وكل إهتماماتي بالحياة ،.. وأخافها لأني أعتبرها رسالة مقدسة ،وتكافح من أجل حرية الشعب ، وكرامة الإنسان ، وسلام العالم ، ومعنى هذا أن من يقدم على مزاولة مهنة الصحافة وهو يشعر برسالتها إنما يقدم على معركة ضد قوى الشر والرجعية والإستعمار ، ضد كل القوى المتسلطة في هذه المنطقة من الوطن العربي .. إنه فدائي يقامر بحياته ، والفدائي لابد أن يساوره الخوف قبل أن يندفع إلى الفداء )).ولأن رحيله عن دنيانا قد مر عليه قرابة 48 عاما فإنه ليس من المتعذر معرفة سبب وفاته من سجلات المخابرات البريطانية إذا ما وجدت النية الصادقة لدى ذوي الإختصاص ، والمطالبة بكشف سر وفاته .ولقد رثاه كثيرون ، وممن رثاه شعراً الأستاذ الشاعر اليمني الكبير محمد سعيد جرادة ، ومما جاء في مرثيته :أسفـــــــــاَ لخطبك يـامحمد إنـــه [c1] *** [/c] أدمى القلوب وحيّــر الألبابـــاحفت بنعشك مهجة الشعب الذي [c1] *** [/c] وفنك من أصفى الوفاء نصاباحاربت الاستعمار في الوقت الذي [c1] *** [/c] نصبت لــه أيدي اللئام قبابــاثم يختمها بقوله :نم في جـوار اللــــه عند حبيبـه [c1] *** [/c] فلأنت أعظم في النفوس جنابامامات من أدى حقوق بــــــلاده [c1] *** [/c] قد نــال خلــدا واستحق ثوابــاومما جاء في مرثية الشاعر اليمني الكبير الأستاذ أدريس حنبلة : لاتــــــــواروه التــرابــــا [c1] *** [/c] وارفعــــوا عنـــــه الحجابــاإنــه روح عظيـــــــم [c1] *** [/c] سكنـت ذاك الإهابـاويقول أيضا : كان في الدنيـــــا شريفـا [c1] *** [/c] نير العقــــل ، شهابـــاأنت لاتعـــــــرف مسـواط [c1] *** [/c] فقد كــان كتابـــاحيّهِ مــادمت حيــــاً [c1] *** [/c] واذرف الدمـع انصبابـافإذا أردتم أن تعرفوا محمد سعيد مسواط عن كثب ـ فليس أمامكم إلا أن تقرؤأوا هذا الكتاب الذي عرضت لكم بعضا مما جاء فيه ، والذي أثار شهيتي للكتابة عن هذه الشخصية الفذة التي قدمت لهذا الوطن الكثير ،وما أخذت معها إلا حب الناس لها. ولعل هذا الكتاب يعيد بعث سيرة عطرة لرجل من رجالات عدن خاصة واليمن عامة ممن نذروا أنفسهم وحيواتهم لتحرره ورفعته ، فمن المخجل أن تجد جمهرة عريضة من الناس لاتعرف شيئا عن أمثال محمد سيعد مسواط ، هذا الذي أطلق المجلس البلدي في الستينيات من القرن الفائت إسمه على شارع في خور مكسر وآخر في الشيخ عثمان ، وغيّر إسم مكتبة البلدية في عدن من مكتبة (ليك) إلى مكتبة مسواط عرفانا منه بما قدمه للوطن من جهود وتضحيات ، وتسأل الكثيرين عن مسواط الذي يعلو إسمه باب مكتبة عدن للأطفال فيجيبك بكل ثقة، إنه إسم صاحب المكتبة .