أضواء
اختبار القدرات موضوع مثار، وإن كان عند النسبة العليا من المواطنين مجموعة طلاسم ومصطلحات تغيب عن أذهان حتى المتعلمين، وقبل التركيز على مقياس القدرات وفيما إذا كان علمياً ومحايداً، وأنه يطبَّق في العديد من دول العالم ، ويوضع كحكم مطلق بنجاح أي طالب يجتاز هذا الاختبار بأنه يملك قدرات النجاح في الجامعة دعونا نرى ما هو سلبي فيه..فالفروقات التي تنعدم فيها عدالة التعليم، لا تحتاج إلى شاهد إثبات، فبمجرد المقارنة بين طالب في حي راق بالرياض تتوفر له بيئة ثرية من خلال مستوى تعليم الوالدين ، والوفرة المادية التي تهيئ له مدرسة بمواصفات جيدة، ودروس خصوصية وسكن متكامل ومتوسط دخل عال، وبين طالب في حي شعبي يدرس في مدرسة حكومية وفي الفصل خمسون طالباً ، ولا توجد مقومات ضرورية من تكييف ونظافة حمامات، ولا مدرسون يستطيعون توزيع أوقاتهم بين إلقاء الدروس، ومراجعة أوراق اختبارات الطلبة تتضح تلك الفروقات، وعندما نأتي لثقافة الوالدين وإمكاناتهما والظروف التي تحيط بالمنزل، وثقافته، تنعدم المقاييس تماماً مما يجعل تلك الاختبارات غير منصفة وغير عادلة..أما لو توسعنا أكثر وحاولنا المقارنة بين ساكن مدينة مثل الرياض أو جدة والدمام، وساويناه مع ساكن قرية في تهامة أو الشمال، وحتى لو كان مقيماً في حي شعبي مع أبناء تلك القرى التي لا تتوفر فيها كهرباء، أو ماء، أو هاتف ولا وسائل مساعدة تربوية، ثم طبقنا مقياس القدرات فالاعتقاد أن ذلك يعد نقصاً في العدالة والظلم ليس لأن هؤلاء لا يملكون الذكاء أو القدرات التي تساويهم مع غيرهم، وإنما بالبيئة التي لا تتطابق حياتها مع حياة المدينة، وهذا يذكرني بحالة وزارة المعارف قبل عدة عقود عندما اشترت آلاف الأجهزة في الوسائل التعليمية، وعندما تم توزيعها جاءت الردود ساخرة ومستهجنة، بأن ٩٠٪ من المدارس لا توجد بها كهرباء تشغل تلك الوسائل ليتم تخزينها وتلفها..إذن الموضوع يحتاج إلى مراجعة ودراسة دقيقة لأن تطبيق تلك الاختبارات ومعاييرها في ظل فجوات كبيرة بتفاوت التعليم من حيث كفاءة المعلم والمكان وتوفر الأسباب التي تساوي بين طالب الحي الفقير مع الغني، والمدينة مع القرية ، والأسرة متوسطة الحال التي تعجز عن شراء أجهزة كمبيوتر والاستعانة بمدرسين خصوصيين مع الأسرة التي لديها فائض في الرفاه والإمكانات أمر غير ممكن بمعنى أن حصر القدرات في اختبارات غير متكافئة وفي بيئة غير متساوية التركيب بحيث تتساوى المدرسة في أي مكان مع غيرها، لا يمكن معه تطبيق تلك القدرات..القضية التربوية تعد أكبر تحديات المجتمعات التي تتطلع إلى إنشاء جيل متقدم عن آخر متخلف، وهيكلنا التربوي الذي لا يزال يخضع للإدارة التقليدية وأساليبها ويفاضل بين حي وآخر، ومدينة وقرية أخرى ويعجز عن تلبية أبسط الضرورات بتأمين المكان بشروطه الإنسانية، وخلْق بيئة تعلّم كوادرها مميزة ، ومناهجها تنسجم مع احتياجاتنا من القوى البشرية المتعلمة والمتدربة، يبقى مجرد صدى في تقليد الآخر، وهي مشكلة دول العالم الثالث التي لا تزال الأمية التربوية والثقافية لديها في أدنى السلالم..[c1]عن / صحيفة (الرياض) السعودية[/c]