صنعاء / سبأ:جاء الإسلام وفرض الزكاة على الأغنياء وتوخى في جبايتها وصرفها أسسا من العدل والنظام لأن الإسلام دين تنظيم كامل وشامل أكرم الله به الإنسان وعرفه به لكي يعيش أياما سعيدة في حياته على هذه الارض.وسعادة الإنسان إنما تتم وتتحقق بأن يهتدي إلى هويته أولا فيعرف أنه عبد مملوك لإله واحد متصف بكل صفات الكمال هو الله عز وجل، ولاتتوفر للإنسان أسباب عيش كريم إلا عن طريق التعاون والتكافل على أساس من الإحترام المتبادل من دون أن يكون ذلك ذريعة بيد أحد لظلم أو إستغلال.ويقول الباحث في الدراسات الإسلامية بدار المصطفى بمدينة تريم حضرموت فيصل عبدالرحمن “ إن الشريعة الإسلامية أرست القواعد والنظم التي تمد جهد الفرد ونشاطه الذاتي بعون يضمن له كرامة العيش ومستوى الإكتفاء، وتهدف التشريعات الكافية لمراقبة الضمير الفردي كي لايتمرد وتضبطه ضمن خط العدل والإستقامة مع الآخرين، فكان في الزكاة وكيفية جمعها وسبيل توزيعها وما إلى ذلك، مايظهر ويجلي هذه الحقيقة وذلك المرتكز.ولتوضيح هذه الحقيقة العظيمة في الإسلام، يشير إلى مايقوله المفكر الإسلامي سعيد حوى “ إن مرتكز نظام المال في الإسلام هو الزكاة، فهي بمثابة العمود الفقري فيه، إذ أن نظام المال في الإسلام يقوم على أساس الإعتراف لله بأنه المالك الأصيل وبالتالي الإعتراف بأن له وحده الحق في تنظيم قضية التملك، والحقوق فيه وماله” .ومتابعة لقول المفكر سعيد حوى“ فالزكاة هي التعبير العملي عن هذا كله إذ أنها أهم الحقوق التي جعلها الله في الملك وليست كلها كما يفهم بعض الناس، فقد ورد في الحديث (إن في المال حق سوى الزكاة)، ولذلك كانت الزكاة رمز الإستسلام لله في قضايا المال كلها، يقول عليه الصلاة والسلام (الصدقة برهان) ، ومن خلال دراسة الزكاة يفهم الإنسان الكثير من مواقف الإسلام من قضية رأس المال”.وتتضح عدالة وسمو فريضة الزكاة ، بالنظر إلى ماقبل الإسلام إذ كانت الحكومات، تفرض الضرائب على الفقراء ومتوسطي الحال أما الملوك والأمراء ورجال الدين ومن لهم صلة بهم فقد كانوا معفيين من كل التكاليف المالية.وكانت الطبقات الفقيرة والكادحة تعيش وحدها تحت وطأة الويل والحرمان في ظل العبودية للأمراء والأثرياء، ولهذا السبب كان الفرد يعتبر الحكومة غير ممثلة له أو للمصلحة العامة، إنما على العكس يرى فيها عدوه الأكبر وكان يعتبر الضريبة عبئا ثقيلا ينبغي التهرب منه مااستطاع إلى ذلك سبيلا.وزكاة المال في الإسلام فرضت في السنة الثانية للهجرة بعد زكاة الفطر على المشهور عند المحدثين، وهي ذات أهمية ومكانة عظيمة بين أركان الدين الإسلامي.وتكمن أهميتها في أن أمراض النفوس الخطيرة لايمكن معالجتها من خلال بقية أركان الدين بدون الزكاة، فعلاج النفس من ذلك الداء الخطير ومن تلك العلة القاتلة علة البخل والشح هو تدريب النفس على السماحة المؤدية للفلاح، قال تعالى ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ).ففرض الله هذا الركن العظيم من أركان الإسلام (الزكاة)لعلمه السابق المحيط بنفسية مخلوقه الضعيف البسيط ومافيها من غرائز مختلفة كي تطهر هم العباد من تلك الأدواء، قال تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهر وتزكيهم بها ) .ويشير الباحث في الدراسات الإسلامية فيصل عبدالرحمن إلى أنه في أداء الزكاة يتميز الطائع لربه والمحب لمولاه من المخالف وصاحب الدعوى، ويقول “ لاريب أن من أخرجها وأعطاها مستحقيها فقد حفظ دينه وأرضى ربه ونمى ماله وحفظه من التلف، وتبرأ من دنس الشح وقام بواجب الشكر لخالقه وبارئه الذي أنعم عليه”.وبمكانه هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ( الزكاة) والحكمة من وجوبه وفرضيته استقرار الحياة والشعور بالطمأنينة وهناء العيش والأمان بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك باستئصال داء الحقد الذي يكمن في نفس الفقير المحتاج على الغني المترف، فيشعر الناس بالتكافل الإجتماعي، فتنتشر المحبة والألفة بينهم.فالجزء اليسير الذي يخرجه المزكي من ماله لبني جنسه لهو خير علاج لشح النفس وبخلها، فإذا تعود الإنسان إخراج هذا الجزء اليسير تعود على الكرم والسخاء والجود والعطاء.ويقول الباحث عبدالرحمن “كأن علاقة الصلاة بالزكاة علاقة تكاملية، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والشح والبخل وانتشار الفوضى بسبب ذلك منكر، فالصلاة تنهى عن ذلك بالمعالجة بالجود والكرم والعطاء، ومن باب أولى بإخراج الزكاة، ومن قهر نفسه بإخراجها يذوق معنى الصلاة ويعيش أسرارها”.ويضيف “ جاء صوم رمضان لينمي في النفس أكثر وأكثر ملكة العطف على الفقراء والمساكين، والتأثر لحالهم، لإن الصائم عندما يجوع ساعات معلومات يتذكر من هذا حاله في عموم الأوقات، فالصيام طريقة عملية لتربية الرحمة في النفوس، ومتى تحققت رحمة الأغنياء للجائعين الفقراء، أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ وعرفوا ما للزكاة من عظيم الأثر في حل ذلك”.ويستطرد “ فقد روي أنه قيل لسيدنا يوسف على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام: كيف تجوع وأنت على خزائن الأرض؟، فقال” إني أخاف إذا شبعت أن أنسى الجائع “.. فالصيام يقوي الإرادة ويعين صاحبه على إستشعار معنى الزكاة ومعنى الفقراء والمساكين والمحتاجين”.ويشير الباحث عبدالرحمن إلى خصائص العلاقة بين الزكاة وصيام شهر رمضان من صقل لمعنى الصوم مما قد يطرأ عليها من الخلل، فزكاة الفطر أو زكاة الصوم أو زكاة البدن التي شرعت في السنة الثانية من الهجرة، قبل عيد الفطر بيومين هي من خصائص هذه الأمة، فقد ورد في الحديث الذي رواه أبو داؤود أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( صدقة الفطر، طهر للصائم من اللغو والرفث ) ، وهي سبب لقبول الصوم، للخبر الوارد عنه صلى الله عليه وسلم : ( صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لايرفع إلا بزكاة الفطر ) .ويقول “إنظر إلى هذه العلاقة التزكوية بين الصيام والزكاة لتعرف مدى الإرتباط الذي يدلل في النهاية على أهمية الزكاة ودورها في تزكية بقية الأركان ( أركان الإسلام ) .ويضيف “ وانظر أيضا إلى الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، إذ أن الحج يعد رحلة روحية وعبادة فريدة وتجرداً سامياً يترك أكرم الآثار في نفس المسلم ويطبعه بطابع التجرد لله وإلتزام حكمه والخضوع لشرعه، ناهيك عما في الحج من معان تزكوية تتمثل في معاني ألم البعد وعناء السفر ومعاني التجرد عن الترف والرفاهية والأنس بالأوطان والأهل والخلان، كل ذلك معاني تزكوية تعود على حاج بيت الله الحرام بما فيه الكفاية لاستشعار معاني الزكاة على أولئك المساكين الشعث الغبر الفقراء المعوزين، فكل ركن من أركان الإسلام له معنى عظيم في زكاة النفس وتطهيرها ويؤكد ما لأداء الزكاة من عظيم الأثر في صحة معاني بقية الأركان الأربعة الأخرى” .ويوضح الباحث عبدالرحمن أن مما يجسد مكانة الزكاة بين أركان الإسلام وعلاقتها بها في أسمى معاني التجسيد والتعظيم والتمجيد، ماحصل في صدر الإسلام حينما أذهلت الردة كبار الصحابة والمسلمين وأرتدت الكثير من القبائل عن الإسلام وامتنعت عن دفع الزكاة ووصل الأمر إلى أن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليجادله في أمر مانعي الزكاة لعل الخليفة يسكت عنهم حتى ينتهوا من المرتدين الذين عادوا إلى الجاهلية الأولى، فماذا كان جواب الصديق ياترى؟ .يقول “ما كان من الخليفة إبي بكر الصديق إلا أن قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما “ حتى أنت ياعمر، أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام، والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، ولأقاتلنهم وحدي ما استمسك السيف بيدي” .ويعتبر الباحث عبدالرحمن هذا الإصرار من الخليفة دليلا على أنه يرى ما لايراه غيره من خطورة منع الزكاة وخطرها في هدم الدين وتفكيك عراه، لما للزكاة من مكانة عظيمة في ترسيخ الدين الحنيف.فما كان من سيدنا عمر بن الخطاب إلا أن تفطن وتيقن أن مايقوله الخليفة أبو بكر الصديق هو عين الصواب، فاقتنع وتراجع عن رأيه وقال “فو الله ماهو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق “.ونوه الباحث في في الدراسات الإسلامية إلى أنه لو لبى أبو بكر الصديق رضي الله عنه مطلب مانعي الزكاة لفاوضوه في المزيد ولم تقف طلباتهم عن حد حتى يستغرقوا فرائض الإسلام كلها، ولكن أبا بكر قطع عليهم هذا الأمل، علما منه أن الزكاة معيار محكم لمعرفة الصادقين من المتربصين والمتخبطين، وماللزكاة من علاقة غير منفكة مع بقية أركان الإسلام ، فرضي الله عن أبي بكر الذي لولاه في أيام الردة لواجه الإسلام محنة فنائه وإختفائه .وأما عن ماجاء في أمر مانعي الزكاة من أحاديث نبوية فهي كثيرة ، محذرة من عاقبة مانعي الزكاة وسوء منقلبهم، فقد روى الطبراني في الأوسط والصغير عن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بمايصنع أغنياؤهم، أما وإن الله تعالى يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما ) .وكذا مارواه إبن ماجه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ( مامن أحد لايؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع حتى يطوق به عنقه، ثم قرأ علينا مصداقه من كتاب الله تعالى ( ولايحسين الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة) آل عمران .وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “ مامن يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقا خلفا، ويقول الآخر، اللهم واعط ممسكا تلفا”.والأحاديث في هذا الشأن كثيرة جدا تنبئ وتخبر بأن شأن الزكاة وأمرها عظيم لما للزكاة من مكانة بين أركان الإسلام وعلاقة هذا الركن غير المنفكة بها، مع لها من معاني تزكوية تعود على بقية أركان الإسلام .
علاقة الزكاة بأركان الإسلام الأخرى .. والدلالات (التزكوية) لكل منها
أخبار متعلقة