المنامة / وكالات:يشكل انطلاق السوق الخليجية المشتركة في يناير 2008 نقلة نوعية في مسيرة مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه عام 1981 لما لها من أهمية في تعميق المواطنة الخليجية وتحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في ممارسة الأنشطة الاقتصادية كافة وتنقل رؤوس الأموال والعمالة بما يلبى تطلعات المواطنين نحو وحدة اقتصادية خليجية كاملة. وجاء هذا الإعلان خلال القمة الخليجية الـ 28 بالدوحة في ديسمبر 2007 استنادا إلى المادة الثالثة من الاتفاقية الاقتصادية المعدلة 2001 التي تنص على أن يعامل مواطنو دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون في أي دولة من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها من دون تفريق أو تمييز في مجالات التنقل والإقامة العمل في القطاعات الحكومية والأهلية والتأمين الاجتماعي والتقاعد ممارسة المهن والحرف مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية وتملك العقار وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات إلى جانب الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية. ووسط هذه الفرص الايجابية فان هناك ضرورة ملحة للاستفادة من السوق الخليجية المشتركة في توحيد سوق العمل الخليجية في القطاعات الأهلية والحكومية ومواجهة ما يعترضها من تحديات مشتركة تتمثل في معدلات بطالة بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي تتراوح بين 4 إلى 15 في المائة وارتفاع أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل بحوالي 8 ملايين مواطن خليجي خلال السنوات 1995 إلى 2010 في مقابل تزايد الاعتماد على العمالة الأجنبية استجابة لمتطلبات التنمية من 1،1 مليون وافد عام 1975 يمثلون 38 في المائة من إجمالي العمالة إلى حوالي 13 مليونh أي نحو 70 في المائة من مجموع القوة العاملة و37 في المائة من سكانها البالغ عددهم 35 مليونا الأمر الذي ترك تداعياته على دول المجلس اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا ومن أبرزها اختلال التركيبة السكانية لدول المجلس في ضوء تحول مواطني ثلاث دول خليجية هي الإمارات وقطر والكويت إلى أقليات داخل أوطانهم بنسب بلغت 4،15 في المائة و29 في المائة و31 في المائة على التوالي فيما مثل البحرينيون 6،50 في المائة والسعوديون 9،27 في المائة كنسبة من مجموع السكان الأمر الذي يهدد بطمس الهوية الثقافية والحضارية لتلك البلدان، وزيادة التحويلات المالية للعمالة الأجنبية إلى بلدانها الأصلية من ملياري دولار عام 1975 إلى أكثر من 26 مليار دولار سنويا حاليا مما يشكل ضغوطا على موازين المدفوعات الخليجية. وأثار سياسية وأمنية تتمثل في بعض القلاقل التي تثيرها العمالة الأجنبية ولاسيما الآسيوية ممثلة في إضرابات مطالبة بتحسين شروط العمل ودعوة بعض المنظمات الحقوقية لمنح هؤلاء العمال حقوقهم السياسية بخلاف آثارها السلبية على انتشار الجريمة ودخول سلوكيات منحرفة غريبة على المجتمعات الخليجية. واستشعارا بتلك التحديات واصلت دول مجلس التعاون الخليجي جهودها على المستويين الجماعي والفردي بهدف تشجيع انتقال العمالة الوطنية فيما بينها والحد من استقدام العمالة الأجنبية وإحلال المواطنين تدريجيا بدلا منها بما لا يضر بخطط وبرامج التنمية في إطار سياسات محددة لتوطين الوظائف وتطوير برامج التعليم والتدريب حيث نص إعلان الدوحة 2007 على انطلاق السوق الخليجية المشتركة بما يجسد مفهوم المواطنة الخليجية على أرض الواقع بخصوص المعاملة المتساوية في الإقامة وحرية التنقل والعمل سواء في القطاعين العام أو الخاص. ويشكل هذا الانجاز النوعي تتويجا لقرار المجلس الأعلى في دورته الـ 23 بالدوحة عام 2002 بشأن تطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال العمل في القطاعات الأهلية والحكومية وإزالة القيود التي قد تمنع من ذلك وذلك في موعد أقصاه نهاية عام 2003 بالنسبة إلى العاملين في القطاعات الأهلية وبنهاية عام 2005 بالنسبة إلى العمل في القطاعات الحكومية والتأمين الاجتماعي والتقاعد. كما أقر المجلس الأعلى في دورته الـ 25 بالمنامة عام 2004 آلية مد مظلة الحماية التأمينية في كل دولة من دول المجلس لمواطنيها العاملين خارجها في دول المجلس الأخرى في القطاعين العام والخاص، واعتمد مجلس وزراء العمل والشئون الاجتماعية بدول المجلس برامج عمل خاصة بزيادة فرص توظيف وتسهيل انتقال العمالة الوطنية بين دول المجلس في القطاع الأهلي ويقوم المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشئون الاجتماعية الخليجي بمتابعة تنفيذ هذه البرامج مع الدول الأعضاء. أما في القطاع الحكومي فقد صدر عن اللجنة الوزارية للخدمة المدنية عدة قرارات لتسهيل انتقال وتوظيف المواطنين فيما بين دول المجلس من أبرزها التوسع في توطين الوظائف في قطاع الخدمة المدنية واستكمال إحلال العمالة الوطنية المتوفرة من مواطني دول المجلس محل العمالة الوافدة المتعاقد معها لشغل وظائف الخدمة المدنية في دول المجلس بما في ذلك إمكانية عدم تجديد عقود شاغلي الوظائف الإدارية والكتابية والمالية في حالة توافر البديل من مواطني دول المجلس كمرحلة أولى واستمرار كل دولة من دول المجلس في إعطاء الأولوية لسد احتياجاتها من الموظفين من مواطني دول المجلس الأخرى قبل اللجوء إلى التعاقد مع غيرهم من خارج دول المجلس وفقا لما ذكره التقرير الصادر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام .2007 وتواصل الأجهزة المركزية للخدمة المدنية التعاون والتنسيق فيما بينها لتنفيذ عدد من مشاريع العمل خلال الأعوام 2003 و2008م تتعلق بمشروع البوابة الخليجية للخدمة المدنية وتخطيط القوى العاملة وإيجاد أو تطوير نظام الجودة في الأجهزة الحكومية ومشروع إستراتيجية تنمية الموارد البشرية فضلا عن تبادل الخبرات بين المسئولين وتنمية مهارات العاملين في مجال الخدمة المدنية. وتأتى هذه التطورات تنفيذا لمبادئ الاتفاقية الاقتصادية الخليجية الموحدة التي أكدت ضرورة معالجة قضية العمالة الأجنبية وفق إطار علمي محدد يقوم على توحيد أنظمة وتشريعات العمل الوطنية وتذليل عقبات انتقال الأيدي العاملة الوطنية فيما بين دول المجلس ووضع سياسات فعالة لزيادة مساهمة الأيدي العاملة الوطنية وترشيد استقدام العمالة الأجنبية. أما على المستوى الفردي فقد واصلت دول مجلس التعاون الخليجي خطط وبرامج إحلال العمالة المواطنة في سوق العمل محل العمالة الوافدة وذلك تحت مسميات عدة منها البحرنة والسعودة والتعمين وغيرها مع فرض الحكومات الخليجية نسباً محددة للعمالة الوطنية في المؤسسات الخاصة وذلك استرشادا بقرار المجلس الأعلى بشأن اتخاذ الإجراءات التنفيذية للحد من العمالة الوافدة وإحلال العمالة المواطنة محلها الصادر عام 1994م بالمنامة ووثيقة الإطار العام للإستراتيجية السكانية لدول مجلس التعاون 1998 وتشكيل لجنة مشتركة لدراسة العمالة الوافدة والتركيبة السكانية بدول مجلس التعاون 1999 وغيرها. وقد أولت البحرين اهتماما كبيرا بإعداد وتأهيل العمالة الوطنية من خلال تنفيذ مشروع جلالة الملك للتدريب والتوظيف خلال الفترة من يناير 2006 إلى يونيو 2007 وتنفيذ مشروع التأمين ضد التعطل اعتبارا من يونيو 2007 فضلا عن تعزيز دور المجلس الأعلى للتدريب المهني وتواصل جهود رفع أجور العاملين في القطاع الخاص وغيرها من المبادرات مما قلص نسبة البطالة إلى 8،3 في المائة وبلغت نسبة البحرنة في القطاع الخاص نحو 20 في المائة في مقابل نسبة 89 في المائة في القطاع الحكومي وسط تطلعات نحو مستقبل أفضل للعمالة البحرينية في إطار تنفيذ مشروع إصلاح سوق العمل الذي يقوده سمو ولي العهد اعتبارا من عام 2004 وتم بمقتضاه إنشاء هيئة إصلاح سوق العمل وصندوق العمل بموجب المرسوم الملكي رقم 57 لسنة 2006 ليقوما بالتنسيق مع وزارة العمل في تنفيذ الإصلاحات في مجالات التدريب والتنمية البشرية وسوق العمل وتحسين الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص وسط توجهات لفرض رسوم على العمالة الأجنبية اعتبارا من يوليو 2008 واستثمار عوائدها في جعل البحريني الخيار الأفضل لسوق العمل. كما واصلت السعودية تنفيذ مشروع متكامل لاستراتيجية التوظيف تدعيما لجهود تمتد إلى عام 1975 مما أسهم في ارتفاع نسبة السعودة في القطاع الحكومي لأكثر من 91 في المائة وفي القطاع الخاص إلى 13 في المائة علما بأن نسبة البطالة بين المواطنين تقدر بـ 12 في المائة ويقوم صندوق تنمية الموارد البشرية في هذا الصدد بتنفيذ برنامج تهيئة طالبي العمل في القطاع الخاص ونشر ثقافة التعليم والتدريب. واهتمت سلطنة عمان بتنمية وتأهيل القوى العاملة الوطنية ورفع مهاراتها مما أسهم في رفع نسبة التعمين بشركات القطاع الخاص إلى 45 في المائة بنهاية عام 2006 وسط توجهات لرفع هذه النسبة إلى حوالي 60 إلى 70 في المائة وتصل هذه النسبة إلى 92 في المائة في البنوك الوطنية وتعول السلطنة على 13 لجنة قطاعية تمثل أهم القطاعات الاقتصادية لتوفير فرص عمل مختلفة للشباب العماني علما بان نسبة التعمين ارتفعت في القطاع الحكومي لأكثر من 74 في المائة. وتنفذ الإمارات استراتيجية شاملة وطويلة الأجل للتوطين خلال السنوات 2000 و2025 إدراكا بخطورة تزايد العمالة الأجنبية إلى نحو 82 في المائة من القوى العاملة وتحقيق معدلات بطالة في صفوف العمالة الوطنية بنحو 4،2 في المائة، فيما تواصل كل من الكويت وقطر جهودهما في مجال سياسات الحد من استقدام العمالة الوافدة وتحفيز العمالة المواطنة للعمل في القطاع الخاص مع إعطاء الأولوية للمواطنين في القطاع العام. إن ما تواجهه دول مجلس التعاون الخليجي من تحديات في سوق العمل تتطلب تفعيل السوق الخليجية المشتركة ولاسيما فيما يتعلق بحرية وتسهيل انتقال العمالة إلى جانب الاستمرار في إعداد وتأهيل الموارد البشرية الخليجية وتحسين مخرجات التعليم وبرامج التدريب وربطها بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل مع نشر ثقافة احترام قيمة العمل والاستفادة من الخبرات الفنية والعملية للعمالة الوافدة التي لا يتوافر منها بديل محلي أو خليجي في إطار سياسات تدريجية ومدروسة للإحلال والتوطين.
الدول الخليجية تسابق الزمن لتحقيق حلمي السوق المشتركة والمواطنة
أخبار متعلقة