أضواء
من يراقب حالة الأوضاع في مجتمعاتنا العربية بجوانبها المختلفة والتغيرات الشديدة التي حدثت فيها خلال نصف قرن، سيدرك تماماً أننا بحاجة ماسة إلى مراجعة ذاتية شاملة للحالة العربية بأكملها وأهمها إعادة النظر في حالة الضمير الاجتماعي العام الذي أصابه العطب والتآكل. أقصد أننا نعيش اليوم في هموم اجتماعية واسعة وكبيرة، وكلنا يشكو ما وصلت إليه أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وقيمنا الأخلاقية، كلنا يحمل في داخله جزءاً من هذه الهموم وغالبيتنا يتحدثون بصوت عال عن الحاجة إلى تغيير جذري شامل يبدأ أولاً بإيقاظ الضمير الاجتماعي العام من سباته، وفلترته من كل ما علق به من شوائب، لأن ما يصيب هذا الضمير من تشوهات يؤثر بشكل كبير على حالة المجتمع بأكمله. فالضمير الاجتماعي العام هو الصوت الداخلي الذي يوجه الإنسان، وهو في القرآن الكريم “النفس اللوامة” أي الرقيب الخاص داخل كل إنسان والذي يحاسبه حساباً عسيراً على أي ممارسات وسلوكيات خاطئة ينبه الإنسان إلى ما يكتنف سلوكه من شر وخير، وهو يحاسب صاحبه عما قام ويقوم به وعما سوف يتخذه، والإرادة والمظهر العام وجميع التصرفات التي يقوم بها الإنسان.ومن هنا فإن الدعوة إلى تنقية الضمير العام أصبحت أمراً مهماً، لاسيما بعد أن زادت حدة فاعلية وتأثير المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا مثل: التطرف والعنف والجريمة والصراع والبطالة والفساد والفقر والانحراف الأخلاقي، والقسوة والحقد ومشاكل اجتماعية عديدة... وهي كلها وبالأساس نتيجة واضحة لحالة العطب التي أصابت جدار الضمير ومزقت نسيجه المتماسك. ومما زاد الأمور سوءاً منهجية الهروب من مواجهة المشكلات، بواسطة المبررات الخادعة. كل هذه الأوضاع ساعدت بقوة على أن تظل الأمور على ما هي عليه طوال هذه المدة.ولعله من المهم هنا أن نشير إلى التجارب التنموية الناجحة التي حدثت في العديد من الدول، والتي من خلالها عبرت أزمتها الحضارية وانتقلت من حالة الإخفاق والتخلف إلى قمم راقية على سلم الثورة الصناعية والتكنولوجية. هذه التجارب تؤكد نقطة في غاية الأهمية، وهي أن نقاء الضمير الاجتماعي العام والخاص ويقظته الذهنية، كان لهما الدور الأكبر والتأثير القوي في هذه النقلة الحضارية والثورة الصناعية التكنولوجية بالغة الأهمية، وهما السلاح القوي الذي استخدمته هذه الدول للتخلص من حالة الإخفاق والتخلف التي كانت تعيشها.كم نحن في حاجة ماسة إلى مصالحة مع الضمير وقراءته قراءة تشخيصية جديدة بعيون مفتوحة، والتوقف معه عند نقاط الضعف والقوة، وعند الإمكانيات والقدرات الراهنة والمستقبلية والاستفادة من التجارب التنموية الناجحة، والعثور على الوسائل الناجعة للتخلص من أسباب الهزيمة النفسية التي تحد من انطلاقنا حضارياً.وكم نحن في حاجة إلى تفعيل وتفجير كل طاقاتنا النفسية والإنتاجية وتحريرها من قيودها، وإلى يقظة عربية شاملة وحركة اجتماعية كبيرة وفاعلة تنطلق بنا إلى الأمام وتعمل على إيقاظ روح الضمير العام وتوجيه العقل العربي من حالة الإخفاق والتخلف إلى الأخذ بعوامل التقدم، انطلاقاً من “ثقافة الاتقان” التي تعني في الأساس “علم الجودة” بكل مفرداته، وإعادة تفعيل مفهوم احترام الوقت، وأهمية العمل الجماعي، والإيمان بالابداع والابتكار والحوار، وبالعامل البشري، وفلسفة التعليم المتجدد والتي تتوافق مع روح العصر والمرحلة الجديدة والتي تعتبر من أهم مقومات النجاح والتقدم.[c1]* عن / جريدة ( الاتحاد ) الاماراتية[/c]